الرئيسية

"وكانت الأبواب مغلّقة... لسبب الخوف من اليهود، جاء يسوع ووقف في الوسط، وقال لهم: سلام لكم".
(يوحنا 19:20)
عيد القيامة هو عيد الأبواب المفتوحة وعيد النفوس المتفتّحة للحياة ونعمة الله. فليس في عيد القيامة مجال ولا مكان لأبواب مغلّقة، ولا لنفوس منطوية على ذاتها.
ولعلنا نجد في حوادث القيامة ذاتها وفي مشاركة الطبيعة ما يؤيد هذه الحقيقة ويؤكدها. فعندما جاءت المريمات لكي يضعن الطيوب على جسد يسوع كن يفكرن في مشكلة عويصة وهي: من يدحرج لهن الحجر عن الباب المغلق... فقد كان الحجر مدحرجًا والقبر مفتوحًا... فإن قوة القيامة فتحت القبر.
وكثيرون من الناس لا يزالون يخطئون فهم عيد القيامة، فيذهبون إلى القبور، ويغلقون على أنفسهم بالبكاء وهم لا يدرون أن القيامة قد فتحت أبواب جميع القبور ليخرج منها نور الرجاء وشعاع الحياة الأبدية.
ولعل الطبيعة تشاركنا في هذا التفتّح للحياة، فإن عيد القيامة يأتي في قلب الربيع.
وأرجو أن يعود القارئ العزيز بخياله إلى الوراء لنرى التلاميذ في العلية وقد أغلقوا الأبواب على أنفسهم، إلى أن جاء المسيح واخترق الأبواب المغلّقة ليفتح أمام التلاميذ باب السعادة والرجاء والخدمة... ثم لا نقف كثيرًا عند التلاميذ، بل نعود إلى حالنا وواقعنا لنرى المسيح نفسه يخترق أبوابنا المغلّقة ليقدم لنا نفس السعادة وذات الرجاء ونفس الخدمة.
تعال أيها القارئ لنرى ما هو خلف الأبواب المغلّقة:
إن الأبواب المغلّقة ظاهرة تحدث لنا عندما نشعر بأننا قد ابتعدنا عن المسيح وأنه بعيد عنا. فقد أغلق التلاميذ على نفوسهم بعد أن صُلب المسيح وقُبر، واعتكفوا في العلية خائفين من أعدائهم اليهود. لقد كان التلاميذ محقين في خوفهم، فقد وصل اليهود إلى مقصدهم وصلبوا المسيح رغم شعبيته الساحقة، وبراءته الظاهرة، وقدرته الفائقة. فهل يستطيع التلاميذ المذعورون الضعفاء أن يقفوا أمامهم؟ لقد كاد الجند أن يقبضوا على التلاميذ لولا أن قال لهم المسيح: "إن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون". ولكنه قد ذهب وصُلب، ولن يتركهم اليهود آمنين. وما أكثر المرات التي تغلق الكنيسة على نفسها لخوفها من الأعداء. ولم يكن خوف التلاميذ من الخارج فقط، بل كان من الداخل أيضًا. كانت هناك منازعات وشكوك من الداخل. كان المسيح يجمعهم معًا، فكان القائد الذي يربط قلوبهم والقائد الذي يضمن وحدتهم... ولكنه الآن قد مضى. إني أتخيّل بطرس يحاول أن يتزعم التلاميذ، فإذا بهم يقولون له: "كفى أيها الجبان، لقد أنكرت سيدك أمام جارية". وأتصوّره يقول لهم: "أنا قد تبعته من بعيد، أما أنتم فقد هربتم جميعًا".
ولكنهم جلسوا خلف الأبواب المغلّقة في يأس وفشل وانطواء... أين الآمال التي كانوا يضعونها في فاديهم؟ أين الملكوت العظيم؟ أين فداء شعب الله؟
كل هذه الآمال قد سُمّرت على الصليب ودُفنت في القبر، ونستطيع أن نرى صورة هذا الفشل في قول تلميذَي عمواس: "ونحن كنا نظن أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل"... كنا نظن، لكن ظنّنا خاب!
هذه هي الصورة خلف الأبواب المغلّقة... هي صورتي وصورتك، وهي صورة الكنيسة في أحيان كثيرة عندما تجد نفسها في عالم يتسم بالعداء ويحاول أن يضايقها... في الخارج ظلام، وفي الداخل خلافات وشكوك. الماضي قد انتهى، والمستقبل لا يبشر بالخير.
لكن شكرًا لله، أن الصورة لم تبقَ على هذه الحال. لقد قام المسيح، ودخل إلى العلية، واخترق الأبواب المغلّقة. وبينما كان التلاميذ في خوفهم وقلقهم وفشلهم وانطوائهم حدث ما لم يكونوا يتوقعونه.
دخل المسيح الأبواب المغلّقة وطمأنهم. لقد كان يعرف أنهم محتاجون إلى السلام، فقال لهم: "سلام لكم".
سلام لكم، فإن الأعداء إذا استطاعوا أن يضعوكم فوق صليب، إلا أن الصليب لن يكون نهايتكم، بل البداية، بداية القيامة والمجد.
هل يثقبون أيديكم؟ هل يطعنونكم؟ انظروا إلى يديّ المثقوبتين وجنبي المطعون... إنها وثائق الانتصار وليست علامات الهزيمة.
سلام لكم، فإن ظلام القبر لا يمكن أن يكفِّنكم، وقوات الشر لا تستطيع أن تسجنكم.
افرحي يا كنيسة المسيح واطمئني!
ودخل المسيح الأبواب المغلّقة فوجد التلاميذ... وقف في الوسط، فانشغلت الأفكار به، واتجهت الأنظار إليه.
كان التلاميذ قبل دخوله ينظرون إلى نفوسهم، وإلى بعضهم، فاختلفوا وشكوا وانقسموا لكنه حين جاء وسطهم وحّد قلوبهم.
أتدرون ما هو سرّ الخلافات والشكوك والمنازعات التي تفسد بيوتنا وكنائسنا ومجتمعاتنا؟
السر هو أن المسيح المقام ليس في الوسط. إنه على الهامش، ودخل المسيح الأبواب المغلّقة فأرسل التلاميذ.
قال لهم: سلام لكم، مرة ومرتين، لكن للسلام رسالة يجب أن تتم، وأنتم عليكم أن تحملوها. لقد أرسلني الآب لأحمل السلام، حتى ولو كان على خشبة صليب. وكما أرسلني الآب أرسلكم أنا، لتحملوا رسالة السلام إلى العالم الخائف المتخاصم المنقسم، حتى ولو قادكم السلام إلى صليب كصليبي.
اقبلوا عطية الروح القدس لأنه قوتكم في رسالتكم... افتحوا الأبواب المغلّقة واخرجوا... إن المسيح لم يقم ليجدنا في انطواء وانزواء، لكنه قام ليرسلنا خارج الأبواب المغلّقة، لنربح العالم كله له... وهذه هي رسالة القيامة للكنيسة اليوم.
إذا كانت الكنيسة تشعر بهزيمة وخوف في الخارج، وبشك وتنافر في الداخل، فمعنى ذلك أنها تحيا حياة ما قبل القيامة. لكن المسيح قام وانتصر، وهو الآن حي وسط كنيسته وفي وسط العالم. إن اليدين المثقوبتين والجنب المطعون وثائق لنصرة المسيح، والآلام التي تتألمها الكنيسة وثائق نصرة للكنيسة.
إننا ككنيسة لا نحيا على رجاء النصر، لكننا قد انتصرنا فعلاً. إن ملك المسيح ليس أملاً للمستقبل لكنه حقيقة واقعة، وعلينا أن نسير مع المسيح، في طريقه وبأسلوبه، لكي نشاركه هذا النصر على الانطواء خلف الأبواب المغلّقة.