الرئيسية

Mufid Said سؤال: مكتوب في إنجيل متى: "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (متى 21:7)، ومكتوب أيضًا: "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: يَسُوعُ رَبٌّ إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (1كورنثوس 3:12)، فكيف "ليس كل من يقول: يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات" في حين أنه "ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس"؟

الجواب: الحقيقة، يلزمنا عندما ندرس آية من الكتاب المقدس أن ندرسها دراسة وافية مستفيضة، "قارنين الروحيات بالروحيات" (1كورنثوس 13:2)، لكي نقدر أن نفهم الموضوع فهمًا كليًا وليس جزئيًا، فنتغذّى غذاء روحيًا مشبعًا لنفوسنا. والآن لندرس كل آية من الآيتين موضوع السؤال بالتفصيل.

في الآية الأولى المذكورة في إنجيل متى يقول السيد المسيح: "لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 21:7). فهنا يحذرنا المسيح من أن تكون لنا صورة التقوى من الخارج، بينما نحن ننكر قوتها من الداخل (2تيموثاوس 5:3)، فتكون التقوى بالنسبة لنا هي مجرد كلام، يا رب، يا رب، فهذه التقوى باطلة لأن التقوى الحقيقية لا تظهر إلا بفعل وتتميم إرادة الآب السماوي. وقد أكمل المسيح تحذيره قائلاً: "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!" (متى 22:7-23)، وهنا نرى أمرين:

أولاً: إن كثيرين سيفاجأون في ذلك اليوم أنه ليس لهم مكان في ملكوت المسيح، لأن حياتهم على الأرض لم تكن للمسيح. فمع أنهم كانوا يتكلمون باسمه ويصنعون القوات باسمه، لكنهم كانوا في الحقيقة فاعلي إثم، أولاد إبليس. وإبليس قد زرعهم بين المؤمنين الحقيقيين، ولهم صورة التقوى "ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم بل هم إلى حين" (مرقس 17:4)، وليس لهم علاقة حية بالمسيح، لذلك هم يتباهون كثيرًا بأنفسهم وحياتهم ممتلئة بكلام غير مُجدٍ خالٍ من الثمر. والمسيح قد أوضح ذلك قائلاً: "لأن من الثمر تُعرف الشجرة" (متى 33:12). فمن ثمر الإنسان يُعرف جوهره وليس من كلام الإنسان. لذلك يقول المسيح أيضًا عن غير المؤمنين الذين يتكلمون بغير ما يبطنون: "يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا بِالصَّالِحَاتِ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْب يَتَكَلَّمُ الْفَمُ. اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْب يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ، وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ" (متى 34:12-35). ويقول أيضًا: "وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ، وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ؟" (لوقا 46:6). وهؤلاء الناس هم منذ القديم، فقد تكلم عنهم إشعياء النبي: "فَقَالَ السَّيِّدُ: «لأَنَّ هذَا الشَّعْبَ قَدِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ بِفَمِهِ وَأَكْرَمَنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَأَبْعَدَهُ عَنِّي، وَصَارَتْ مَخَافَتُهُمْ مِنِّي وَصِيَّةَ النَّاسِ مُعَلَّمَةً" (إشعياء 13:29). وهوشع النبي يؤكد ذات المعنى قائلاً: "لأَنَّهُمْ قَدْ تَجَاوَزُوا عَهْدِي وَتَعَدَّوْا عَلَى شَرِيعَتِي. إِلَيَّ يَصْرُخُونَ: يَا إِلهِي، نَعْرِفُكَ نَحْنُ إِسْرَائِيلَ" (هوشع 1:8-2).

ثانيًا: إن المسيح هو الديان كما قرأنا أن كثيرين سيوجهون كلامهم للمسيح في ذلك اليوم لأنه الديان ومكتوب "لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ" (يوحنا22:5-23).

أما الآية الثانية التي وردت في رسالة كورنثوس فتقول: "لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (1كورنثوس 3:12). والحديث هنا عن مؤمنين حقيقيين اختبروا "الخليقة الجديدة" (غلاطية 15:6)، واستمتعوا بالخلاص، وانسكبت محبة الله في قلوبهم بالروح القدس المعطى لهم (رومية 5:5)، فشهدوا بالقول إن يسوع رب.

مرة سأل يسوع تلاميذه قائلاً: "منْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ فَقَالُوا: «قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 13:16-17). وهنا يؤكد المسيح أنه ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس. كذلك قال المسيح أيضًا: "وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي" (يوحنا 26:15). والرسول يوحنا يقول: "وَالرُّوحُ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ، لأَنَّ الرُّوحَ هُوَ الْحَقُّ" (1يوحنا 6:5).

دعونا الآن نتناول مثالاً يبين الفرق بين المؤمن الحقيقي والمؤمن المزيف، حيث ذكر المسيح نفسه هذا المثل في إنجيل متى 1:25-13 "حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ".

وهنا نرى النوعين، المؤمن الحقيقي ممثلاً في العذارى الحكيمات، والمؤمن المزيف ممثلاً في العذارى الجاهلات. ومن المثل نجدهما متشابهين من كل جهة إلا جهة واحدة وهي أن آنية الجاهلات كانت خالية من الزيت، وآنية الحكيمات كان فيها زيت. والآنية ترمز للقلب، فالمؤمن غير الحقيقي إنما قلبه خال من الزيت أي لا يسكن فيه الروح القدس، وأي قلب لا يسكن فيه الروح القدس لا بد أن يسود الشيطان عليه، أما المؤمن الحقيقي الذي يحب الرب فيقول المسيح عنه: "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً" (يوحنا 23:14). ومكتوب أيضًا: "لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ" (أفسس 17:3).

وجدير بالذكر أنه كان هناك شيء من النور في مصابيح الجاهلات حيث قالت للحكيمات: "أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ" (متى 8:25). وهذا يشير إلى أعمال البر الذاتي التي قد يعتمد عليها الإنسان ويظنها كافية لإنارة حياته، لكن هذا النور وهذا البر الذاتي سرعان ما يخبو وينطفئ تمامًا عند استعلان ربنا يسوع المسيح، وفي ذلك الوقت لن يجد أي إنسان أي عذر أو أي منطق، أو أي شيء يقدر أن يعتمد عليه لتبرير نفسه، بل كما يقول الكتاب: "يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ الْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ اللهِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ" (رومية 19:3-20).

يا ليتنا نفحص قلوبنا أمام الله، هل إيماننا بالله حقيقي أم إيمان مزيف؟ ولنأت إليه بكل اتضاع ليغمرنا بنعمته ونستمتع بيقين الخلاص في شخص المسيح، ولإلهنا كل المجد إلى الأبد.