الرئيسية

الدكتور عصام رعدلكي نفهم ما هي المسيحية الحقيقية دعونا نتأمل في شهادة شخص هو من أهم رسل المسيح، وردت شهادته عدة مرات في أعمال الرسل، وهذا الشخص من أصول يهودية تكفيرية إرهابية، اسمه الأصلي شاول.

 كان معاصرًا لصلب المسيح، وعندما علم فيما بعد بخبر قيامة المسيح وأن كثيرين من اليهود في فلسطين قد تبعوه راح ينفث تهدّدًا وقتلًا. كان مسؤولًا عن قتل استفانوس أول الشهداء المسيحيين؛ وكان يقود الإرهاب في جماعة الفريسيين. والفريسيون هم من الأصوليين اليهود الذين مارسوا القتل والبطش بالمسيحيين الأوائل. علم شاول أن تلاميذ المسيح قد اتسع انتشارهم حتى في دمشق، فركب فرسه وجهّز مجموعة من الإرهابيين وذهبوا باتجاه دمشق ليقتلهم. وإذ هو في طريقه إلى دمشق ظهر له السيّد المسيح بشكل نور سماوي ساطع وناداه: "شاول، شاول! لماذا تضطهدني؟". فسقط شاول على الأرض مدركًا ضلاله ورجع عن شره. فتحوّل من كان أكثر من اضطهد المسيحيين إلى بولس، وهو أكثر المسيحيين الذين اضطُّهِدوا ودافعوا عن المسيحية الحقيقية.

في أعمال الرسل 12:26-29 نقرأ عن أحدث شهادات هذا الرسول التي تجعلنا نسأل سؤالًا أساسيًا: تُرى ما هو سر هذا السجين الذي يُحاكَم الآن أمام الملك أغريباس الذي هو من نفس عائلة هيرودس التي أسهمت في صلب المسيح؟ وبدلًا من أن يدافع عن نفسه، إذا به يُلصق التهمة عليه أكثر ويذهب ليدافع عن شخص المسيح ورسالته. ويحاول أن يُقنع الملك الذي هو القاضي والحاكم بأمره، أنه (أي الملك) هو السجين الفعلي في سجن الخطية وعليه أن يأتي إلى السيد المسيح لكي يحرره.

أجابه أغريباس الملك: "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا". كاد أن يُقنع الملك أن يُصبح مسيحيًا. يا تُرى، ما هو سر الإيمان المسيحي الحقيقي ومضمونه الذي يغيّر هذا التغيير ويجعل من بولس السجّان المُضطهِد أن يتحوّل إلى سجين مُضطهَد يُقنع الملك الظالم بالمسيحية الحقيقية؟

 

ما هي المسيحية الحقيقية؟

كما شهد بولس الرسول هنا، وكما تشهد كلمة الله، إن المسيحية ليست دينًا ولا مذهبًا يتضمن مجموعة من الطقوس والفرائض. المسيحية هي حياة جديدة مع الله الخالق المُحب القدوس الذي يريد أن يعطينا حياة أبدية من خلال عمل خاص صنعه من أجلنا وهو عمل النعمة. أنت مدعو لهذه الحياة الجديدة لأن الله بمحبته العظيمة أدام للبشر الرحمة من خلال موت المسيح الكفاري وقيامته. هنا يخبرنا رسول الإيمان أساسيات هذه الحياة الأبدية الجديدة وكيف يصبح الإنسان مسيحيًا حقيقيًا:

 

1- القناعة العقلية

"بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا". القناعة العقلية قائمة على أساس صحة ومصداقية الكتاب المقدس الذي أثبت أنه الكتاب الوحيد الذي يقدر أن يقرأ حوادث المستقبل بدّقة متناهية من خلال النبوات عن مجيء المسيح الأول والإعلان عن أسرار الوجود قبل اكتشافها بمئات السنين. إن الله أعطانا عقلًا لكي نُبصر به ونعرف الحق. فشهادة التاريخ والنبوات تؤكد بشكل منطقي وقاطع أن الكتاب المقدس هو كلمة الله الصادقة التي لم تُحرّف. وهذا ما حاول رسول الإيمان بولس أن يُخبر الملك به "أنا لا أقول لك شيئًا غير ما تكلم الأنبياء وموسى أنه عتيد أن يكون" (أعمال 22:26). يقول له كما قال الرب في كلمته "هلم نتحاجج يقول الرب" (إشعياء 18:1)، أي يجب أن نستخدم عقلنا. الله لا يحتقر العقل بل على العكس يريدنا أن نبني إيماننا على أساس البراهين المؤكدة والقناعة العقلية الثابتة. فهذه هي القناعة التي يحاول الله أن يقنعنا بها بواسطة كلمته:

أولًا، إن هذا الشخص الذي هو يسوع الناصري له يشهد كل الأنبياء من مئات السنين قبل مجيئه بأنه المسيح المنتظر، وبأن ليس بأحد غيره الخلاص والحياة الأبدية.

إن أهمية هذه النبوءات التي تمّت، تؤكد صحة الكتاب المقدس بأنه كلمة الله الصادقة. نعم تكلم الأنبياء بمئات الشواهد والنبوءات قبل مجيء المسيح بمئات السنين عن كيف أنه سيُولد من عذراء ويقدّم ذاته ذبيحة ويُصلب ويقوم في اليوم الثالث. لدينا مخطوطات لسفر إشعياء، والتوراة، والمزامير، اكتُشفت في البحر الميت عام 1947، وهي تؤكد بشكل واضح أن هذه النبوءات كُتبت قبل مجيء المسيح بمئات السنين وتشهد بشكل دقيق عن حياته وموته وقيامته. مثال على ذلك ما ورد في سفر إشعياء 53: 5-6. يا ترى، على من تنطبق في التاريخ الجلّي! هل هناك مسيح آخر صُلب بهذه الطريقة، وقال أنه أتى لكي يفدي البشر؟ وأن إثم الجميع قد وُضع عليه؟ ثم، إن كان هناك كتاب يقرأ المستقبل قبل مئات السنين، أليس هذا هو كتاب الله؟ هذه هي القناعة التي حاول أن يقدمها بولس عندما راح يتكلم إلى الملك أغريباس ويقول له: الكتب تشهد... والأنبياء يشهدون... ألا تسمع؟

لاحظ إن كلمة الله المكتوبة من آلاف السنين يؤكدها العلم أيضًا اليوم. مثلًا، وصف إشعياء النبي الأرض على أنها كروية في حوالي عام 700 ق.م. إذ يقول: "الجالس على كرة الأرض" (22:40). أعلن إشعياء ذلك قبل أكثر من ألفي سنة من اكتشاف مجلّان وغاليليو في القرن السادس عشر الميلادي، إذ كان الاعتقاد السائد لآلاف السنين أن الأرض مسطحة.

يقول أَيضًا أيوب، الذي عاش حوالي ألفي سنة قبل الميلاد، أن الله "يعلق الأرض على لا شيء" (أيوب 7:26). كان الأقدمون يعتقدون لمدة أكثر من 3500 سنة أن هناك كيان مادي يسند ويحمل الأرض. لم يكن أحد يتصوّر أن حبال الجاذبية هي التي تحمل الأرض وأن الأرض معلقة على لا شيء الأمر الذي اكتشفه العِلم الفيزيائي والفلكي الحديث في القرن العشرين.

ويقول في سفر أيوب 5:25 "هوذا نفس القمر لا يُضيء". كان الناس يعتقدون لآلاف السنين أن القمر يضيء إلى أن اكتشف العِلم قبل حوالي قرن فقط بأن القمر يعكس فقط نور الشمس، وأن "نفس القمر لا يضيء".

ما هو مضمون الحق الإلهي؟ وما هو الفكر الذي حاول بولس أن يقنع به هذا الملك؟

أولًا، إن أفكار الله نحونا أفكار سلام وآخرة ورجاء. لذلك الله بمحبته خلق الإنسان على صورته ومثاله. وأعطاه إرادة حرة وميزه عن كل الحيوانات والمخلوقات الأخرى. لكن آدم وحواء أخطآ وكذلك كل الإنسانية كما هو مكتوب "كلنا كغنم ضللنا: ملنا كل واحد إلى طريقه" (إشعياء 6:53).

لذلك ذكر الكتاب المقدس أن "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 23:3). السيد المسيح كشف لنا أنه عندما سقط الإنسان دخلته الخطيئة فأظلم قلبه، لذلك قال أنه "من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنا، فسق، قتل، سرقة" (مرقس 21:7). ولأن الظلمة هي في قلب الإنسان، لم يعد هناك شركة مع الله القدوس لأن "الله نور وليس فيه ظلمة البتة" (يوحنا 5:1)، فتشوّهت الصورة الجميلة للقلب والروح التي خلقنا الله عليها.

نعم، نحن في ظلمة لكنه أتى المسيح إلى العالم لكي "ينقذنا من سلطان الظلمة" (كولوسي 13:1)، فننتقل "من الظلمة إلى نوره العجيب" (1بطرس 9:2). إن "أجرة الخطية هي موت. أما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رومية 23:6). من المفترض أن كل إنسان يموت لأنه من منا بلا خطيئة. لكن الله أرسل كلمته الأزلية في شخص السيد المسيح فأتى الذي لم يعرف خطيّةً ومات لأجلنا. وقد فدانا بهذا الذبح العظيم لكي نحيا نحن إن تبنا ورجعنا إليه. نعم، أتى لأجلنا لتكون لنا حياة جديدة وأبدية معه إن رجعنا إليه. هذه هي رسالة المسيح، هذه هي القناعة العقلية الراسخة على أساس البراهين الأكيدة المثبتّة في الكتاب المقدس.

 

2- الولادة الروحية

القناعة العقلية ضرورية لكنها بحد ذاتها ليست كافية لاختبار الخلاص والمسيحية الحقيقية. لا بد من الولادة الروحية.

الولادة الروحية تحصل حين تأتي للمسيح بتوبة صادقة وتطلب من الرب أن يغير قلبك وحياتك وتقول له أنك تريد أن تولد من جديد "أريد أن أبدأ بداية جديدة بحسب وعدك". قال: "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. الذين وُلدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يوحنا12:1-13). قال يسوع لنيقوديموس: "الحق الحق أقول لك... المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يوحنا 6:3). كل واحد منّا وُلد ولادة جسديّة على الأرض في تاريخ محدد من رحم أمه. لكن أنت بحاجة أن تولد ولادة روحية من فوق من رحم نعمة الله ورحمته، فيسكن فيك روح الله وتحيا حياة روحية جديدة إلى الأبد. هذا ما اختبره شاول على طريق دمشق لما أبصر هذا النور العظيم وصرخ إلى السيد وقال له: "ماذا تريد أن أفعل؟"، ثم سلم حياته إلى السيد فوُلد ولادة ثانية وأصبح اسمه بولس. وهذا ما حصل مع مريم المجدلية التي كان فيها سبعة شياطين وتحوّلت من كتلة نجاسة إلى هيكل قداسة. وهذا ما يفعله معك الرب اليوم إن رجعت إليه.

لا تستطيع أن تقول أنك مسيحي إلا إذا اختبرت هذه الولادة الروحية، ورجعت إليه في توبة صادقة في وقت محدد، وطلبت من الرب أن يسامحك ويغيّر حياتك. لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم في 14 نيسان 1974 إذ كنت شابًا في بيروت قبل بداية الحرب اللبنانية حين صرخت إلى الرب فغيّر حياتي وأعطاني حياة جديدة وهناك وُلدت من جديد. هل هناك عيد ميلاد روحي في حياتك؟

تعرّفت على شخص كان عقيدًا في الجيش العراقي أثناء الحرب الأخيرة في حرب الخليج، وكان بطاشًا وشرسًا. وفي أثناء التدمير الذي حل بالعراق الحبيب، رجع أولاده للرب فرأى تغييرًا في حياة أولاده، لكنه كان يستهزئ بهم ويضطهدهم. وذات يوم جاء القصف على زملائه وقُتلوا لكنه بقي حيًا وأنقذه الرب مرة بعد مرة. فسأل نفسه: يا الله، إن كنت أنت موجودًا وأنا إنسان شرير، لماذا أنقذتني؟ ولماذا أبقيتني إلى هذا اليوم؟ وعندما دخل منزله وجد أولاده راكعين يصلّون من أجله، فعرف السر! ثم غيره الرب من إنسان شرس وغضوب إلى إنسان هادئ حنون ومُحب. تغيرت حياته كليًا وشهد للجميع قائلاً: "أنا ولدت ولادة جديدة".

 

3- القداسة المسلكيّة

الله يسكن بروحه القدوس في قلب الإنسان ليجعله يحيا حياة طاهرة. كم من الذين يحملون اسم المسيح يسيئون إلى اسمه لأنهم ليسوا مسيحيين، لم يختبروا الولادة الروحية، ولا يعيشون القداسة التي تعلّمها كلمة الله؟ تقول كلمة الله: "وليتجنب الإثم كل من يسمي اسم المسيح" (2تيموثاوس 19:2).

إذا أردت أن روح الله القدوس يقود حياتك يجب أن ترغب في أن تعيش حياة طاهرة نقية. عندما كنا في كشافة لبنان كانوا يقولون لنا أن الكشاف طاهر القول والفكر والعمل، وأنا دخلت الكشافة، ولبست ثياب الكشاف اللبناني، وأردت أن أكون طاهر الفكر والقول والعمل. العمل الطاهر جيد، لكن من منا يقدر أن يكون طاهر الفكر والقلب والجوهر والنفس غير ذاك الذي غيّره روح الله وغيّره شخص المسيح، مُغيّر القلوب؟ الرب دعانا إلى هذه القداسة التي تنبع من قلبٍ نقي طاهر. هي ليست قداسة مظهرية كالفريسيين الذين كان لهم من خارج مظهر القداسة والتقوى فكانوا كالقبور، من خارج رخام ومن الداخل عظام ميتة. أعزائي، إن القديسين ليسوا مجموعة قليلة من الناس يصنعون العجائب، بل هم الذين تنبع من قلبهم قداسة الله والمسيح فتظهر فيهم حياة الطهارة أمام جميع الناس لأنها نتيجة عمل الله في الداخل كما هو مكتوب: "أعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم... وأجعلكم تسلكون في فرائضي" (حزقيال 26:36-27) .

تقول كلمة الله: "نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة" (1بطرس 15:1-16). الرب يريدك أن تحيا حياة مقدسة طاهرة، "لأن هذه إرادة الله قداستكم" (1تسالونيكي 3:4). وهذه الحياة ممكنة لأن الله يعطيك المناعة، إذ بعد أن يسكن فيك روح الله القدوس الذي يمانع الخطية، هذا الروح الطاهر (روح المسيح) هو الذي يعطيك أن تحيا حياة القداسة المسلكية الكتابية التي تمجد الله.

تنفق في الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الأموال على أفلام الدعارة تقدر بأكثر من 40 مليار دولار سنويًا. فاحترزوا يا أعزائي وتعالوا إلى الرب وإصرخوا إليه وليقل كل واحد منا "يا رب ساعدني وقوِّني لأحيا حياة الطهارة في زمن الدعارة". فبدون حياة القداسة لا توجد حياة فرح وحياة نعمة خاصة مع الرب.

 

4- المحبة الأخوية

الشخص الذي اختبر المسيح يحب من قلب طاهرٍ بشدة. تخبرنا كلمة الله أن "كل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله. ومن لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (1يوحنا 7:4-8.

كنت أقرأ مذكرات "نيكي كروز" الذي كان رئيسًا لعصابة من عصابات المخدرات في نيويورك. وكان مجرمًا وكان أهله من عبدة الشياطين. دخل السجن عدة مرات ثم التقى مع شخص اسمه "ديفيد ويلكنسون". كان يقول له ديفيد: إن الله يحبك، ويريد أن يغيّرك ويغير قلبك لتسلك الطريق الصحيح. فغضب "نيكي" على "ديفيد" وقال له أنه سيقطّعه إربًا إربًا. فرد عليه ديفيد قائلاً: "هل تعلم أنك بعد أن تقطّعني أن كل قطعة من جسدي ستقول لك: أحبك باسم المسيح"؟ يقول نيكي كروز: "إن محبة الله غلبتني فلم أستطع النوم. ما هي هذه المحبة العجيبة، وأنا لا أحب نفسي حتى هذا الحدّ؟" ومن ذلك الوقت تغيرت حياته إذ قبل المسيح.

دعني أقول لك: إن أقوى قوة في الكون هي المحبة لأن الله محبة. المحبة تناديك وتدعوك إليه وإلى الحياة الجديدة لكي تنقاد بروح الله فتعال واسمع النداء.

أخي القارئ: الله لا يهمه تقواك وتديّنك الخارجي بل يريد أن يعطيك قلبًا نقيًا طاهرًا لكي تختبر محبته وغفرانه. إنه يقدم لك البرهان القاطع لكي تقتنع وتتوب وتولد ولادة روحية ثانية من روح المسيح، فتحيا حياة القداسة المُحِبَّة، والمحبة المُقدِّسة. فتعال إليه وقل له:

"يا ربي وإلهي غيّرني طهّرني وحررني. أنا أقبل المسيح سيدًا ومخلصًا لحياتي، وأقبل موته الكفاري لأجلي على الصليب وقيامته لتبريري، فاجعلني ذلك الإنسان الطاهر النقي الذي تريدني أن أكونه، وأعطني هبة الحياة الأبدية لأحيا حياة القداسة الكتابية والمحبة الأخوية المرضية عندك".