الرئيسية

Anwar Wadieأولاً: عندما يخطئ أخي إليّ وأنا لم أخطئ

 من أهم تحذيرات الرب لتلاميذه هو وجود روح عدم التسامح للمسيئين إلينا، فعلّمنا أن نصلي: "واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا". كذلك علق الرب على ذلك: "فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم، يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم" (متى 12:6 و14-15).

إن البعض يجدون صعوبات في حياتهم، وكذلك معاملات قاسية من إخوتهم نتيجة لطرقهم الجافة والانتقادات العنيفة للآخرين. فكثيرًا ما يعيشون مكتئبين يائسين بلا أصدقاء عوضًا عن أن تفيض قلوبهم بالفرح والتمتّع بشركة المحبة... فما السبب؟

يعود ذلك لعدم مسامحتهم للآخرين! فهم تحت تأديب، حيث يحصدون ما زرعوه لأنه "بالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم" (متى 2:7).

ربما تذكر أن أحدًا قد أخطأ إليك والرب يعلّق: اغفر له! فتقول: لكن تصرفاته معي لا تليق، ومع ذلك، اغفر له! لكنه استعمل الكذب. نعم، اغفر له! لأنه لأجل ذلك يحتاج إلى أن تغفر له. فالذنوب التي تغفرها هي الذنوب الحقيقية وليست الذنوب والأخطاء الوهمية، فهي لا تحتاج إلى مغفرة. فلماذا يطلب الرب منا ضرورة وجود روح التسامح لأن المسيحي الحقيقي قد سامحه الله مجانًا من الدين الثقيل الذي لم يستطع أن يوفيه. وهذا الذي أوضحه الرب في مثل العبد الشرير، "أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ، كُلُّ ذلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟... إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَّلاَتِهِ" (متى 30:18-35)، على أن نسامح من القلب دون الاحتفاظ بأحقاد في الداخل، لأن المسامحة الظاهرية لا قيمة لها لأن "الرب ينظر إلى القلب" (1صموئيل 7:16).

ولكن قد يعترض البعض على أن الكتاب يطلب من المُساء إليه أن يذهب ويعاتب المخطئ، فالذي أساء إلى أخيه هو في حالة الضعف وليس في حالة القوة، فعلى القوي أن يذهب ويعاتب الضعيف، وهكذا حتى لا يكون في قلبك مرارة وحقد، فالرب يقول: "وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ" (متى 15:18). آه، لو طبقنا هذه الوصية، فكم نوفّر من الآلام والأحزان! فإننا نمسك عن المسامحة سنين وحياتنا تتمرر بسبب ذلك، ولكن الكتاب يعلمنا أن نسامح عند أول اعتراف بالخطأ. "وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا تَائِبٌ، فَاغْفِرْ لَهُ" (لوقا 3:17). وهكذا يجب علينا مسامحة إخوتنا بمجرد الاعتذار بدون الحكم على قلب أخي، أو أقيس مقدار التوبة، فهذا من شأن الرب الذي يقيس عمق التوبة، ويعامل النفس بحسب حالتها. فكم من الشقاء جلبناه على أنفسنا بسبب أننا أقمنا أنفسنا قضاة على ضمائر إخوتنا.

ثانيًا: عندما يكون الخطأ من الجانبين

عندئذ لا يمكن للواحد أن يعالج أخيه، حيث أن الخطأ في معظم الأحيان يكون من الجانبين، إلا إذا اعترف أحدهما بخطئه هو أولاً حيث يقول الرب: "لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟" (متى 3:7). وهنا تحذير آخر يوجهه الرب بخصوص قبول سجودنا بالارتباط مع هذا الأمر، حيث يؤكد الرب أن السجود يكون عديم القيمة عندما يُقدّم من شخص في خصومة مع أخيه. "فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ" (متى 23:5-24). فهذه القاعدة تظهر بطلان الكثير من سجودنا. ولشدَّ ما نستغرب يوم الامتحان أمام الله، من بطلان ما قد ظنناه سجودًا، ونحن نقدمه لله دون المصالحة مع إخوتنا؟ فكم أحكام صدرت ضد أشخاص أتقياء، وكم من تأديبات قاسية أُوقعت بسبب خلاف على أمور كنسية؟ وكم من قديسين انفصلوا عن بعضهم؟ وكم صداقات قديمة قد انفصمت عراها، بل عائلات انقسمت بسبب أمور واهية ومغلوطة، أو حتى في سبيل الاحتجاج بمحبة المسيح، فكثيرًا ما نعتذر عن تصرف قاسٍ بأن ندعوه "محبة للحق"، لكن الوحي المقدس لا يقرّ هذا... ولكن كيف يقدم هذا الادعاء أمام كلمات الروح القدس التي تفحص دواخلنا "كونوا لطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين متسامحين كما سامحكم الله أيضًا في المسيح. فكونوا متمثلين بالله كأولاد أحباء واسلكوا في المحبة كما أحبنا المسيح أيضًا وأسلم نفسه لأجلنا، قربانًا وذبيحة لله رائحة طيبة" (أفسس 32:4 و1:5-2)؟

فليت الله في رحمته يفتح عيوننا فنكتشف الحق، ونخلع رداءة الروح القاسية، ويعيننا على ممارسة المحبة واللطف والشفقة نحو بعضنا البعض ونحو جميع الناس، الذي له كل المجد.