الرئيسية

"يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمع عمانوئيل" (إشعياء 14:7).
ميلاده كما ورد في النبوة:
إن حقيقة الميلاد العذراوي للمسيح هي إحدى الحقائق الجوهرية المرتكز عليها إيماننا الأقدس، وقد ذكر في العهد القديم مرة واحدة فقط، وفيها كل الكفاية للإيمان في إشعياء 7، عندما تحالف ملك إسرائيل وملك أرام على عزل ملك يهوذا الملك آحاز ليقيموا ملكًا آخر يساعدهما في تحالفهما ضد ملك أشور، لكن الله أرسل إشعياء النبي ليطمئن الملك آحاز قائلًا:

"هكذا يقول السيد الرب: لا تقوم ولا تكون" (إشعياء 7:7)، ولتقوية إيمان الملك آحاز عرض عليه أن يطلب آية من الرب بدون أي حدود، فرفض الملك آحاز غير المؤمن متظاهرًا بالتواضع، لكن الرب نفسه قدم آية من اختياره يتعلق بتحقيق الوعد الداودي، فذكرت مجيء الابن الملك، وأوضحت أسلوب مجيئه إلى العالم بطريقة تفوق التصوّر.

فعندما ظهر شر الإنسان وخبث الشيطان لمنع المشورات الإلهية من تحقيقها، جاءت الفرصة ليؤكد الله على البشارة الأبدية التي سبق وأعلنها لأول مرة في جنة عدن بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية. وليس فقط أن هذان الملكان لن يتمكنا من تنحية نسل داود، بل إن الله يعلن مجددًا عن وصول ابن داود الحقيقي! ولأول مرة يذكر تفاصيل مولده كما ورد في إشعياء 14:7 "ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل". وهكذا نرى أن نور النبوّة تزداد لمعانًا إلى أن يصل إلى ملء الزمان.
أن تحبل العذراء، فهذا منتهى العجب، ولكن كون الطفل المولود هو عمانوئيل "الله معنا"، فهذه آية أروع من أن العذراء تحبل، إلا أن هذا الحبل العذراوي العجيب والفائق يليق بمقدمه "الكائن على الكل (الله) المبارك إلى الأبد".
ميلاده كما جاء في الأناجيل
في بداية العهد الجديد يؤكد لنا الوحي حقيقة المولد العذراوي، عندما ظهر الملاك ليوسف وأخبره أن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس "فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم". ثم يقول: "وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا، ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره: الله معنا" (متى 20:1-23). وهكذا نجد أن نبوءة إشعياء وتحقيقها كانتا من الله، وهذا الحدث العظيم لم يكن بالانفصال عن تلك النبوة العظيمة؛ وعلى قدر ما أن الكلمة المتجسد عظيم بهذا المقدار عينه، فالكلمة المكتوبة عظيمة أيضًا!

ما هو الغرض من ظهور الله في الجسد؟
عندما نتابع قراءة كلمة الله نجد ثلاثة أغراض لظهور الله في الجسد:


1- رغبة الله في التواصل مع الإنسان، وحنين الإنسان للتواصل مع الله

لقد استغلّ الشيطان الحنين في قلب الإنسان الذي خلقه الله على صورته كشبهه وانجرف به لنشر الوثنية في العالم. قال أيوب: "هأنذا أذهب شرقًا فليس هو هناك، وغربًا فلا اشعر به. شمالًا حيث عمله فلا أنظره. يتعطف الجنوب فلا أراه" (أيوب 8:23-9).
وكذلك موسى حينما قال لله: "أرني مجدك". فقال له الرب: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خروج 18:33-20).
وكذلك في العهد الجديد عبّر عن هذه الأمنية أحد التلاميذ فقال: "أرنا الآب وكفانا" (يوحنا 8:14). وكانت الطلبة بصيغة الجمع "أرنا"، أي تعبيرًا عن رأي الآخرين من التلاميذ.

2- لمشاركتنا في ظروفنا وآلامنا

فقد أعلن الله منذ القديم أنه غير منفصل عن شعبه. "في كل ضيقهم تضايق، وملاك حضرته خلصهم" (إشعياء 9:63). وكيف للإنسان أن يفهم أن الله المنزّه عن مشاعر الألم أن يشعر بالآلام البشرية؟ فهو ليس بعيدًا عنا في سماه، لكن هذه الحيرة انتهت وتم الإجابة عن هذا السؤال عندما جاء الله ظاهرًا في الجسد في شخص المسيح، ووصل إلى مركز بؤسنا، بل شابهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة. "مِنْ ثَمَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَ إِخْوَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، لِكَيْ يَكُونَ رَحِيمًا، وَرَئِيسَ كَهَنَةٍ أَمِينًا فِي مَا ِللهِ حَتَّى يُكَفِّرَ خَطَايَا الشَّعْبِ. لأَنَّهُ فِي مَا هُوَ قَدْ تَأَلَّمَ مُجَرَّبًا يَقْدِرُ أَنْ يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ" (عبرانيين 17:2-18).

3- للقيام بعمل الفداء

وهذا أهم قصد لتجسد المسيح. "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الَّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيَّةِ" (عبرانيين 14:2-15). فلو لم يصبح المسيح إنسانًا لاستحال عليه أن يموت. فالله له وحده عدم الموت، ولاستحال أيضًا أن يمثّل الإنسان أمام عدالة الله ليكون نائبًا عنا، فكان الحل الوحيد لخلاص البشرية هو أن يأخذ ابنه صورة هذا الجنس الذي أراد الله أن يفديه. ولنا أن نتعجب! وأن نغتبط ونفرح! فإن الله صار ابن الإنسان ليجعل بني البشر أبناء الله، وهذا هو السر العظيم: "بالإجماع، عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد" (1تيموثاوس 16:3). لهذا إننا نؤمن بما لا نقدر أن نشرحه... فالمسيح بقي كما كان (أي الله)، وصار ما لم يكنه قبلًا (أي إنسان) وهذا ما أعلنه إشعياء النبي "ويدعى اسمه عجيبًا" (إشعياء 6:9).
لقد وُلد المسيح لكي يكون إنسانًا، وإنسانيته مؤكدة بولادته من امرأة إتمامًا لوعد الله في الجنة: "وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسكِ وأنتِ تسحقين عقبه" (تكوين 15:3). فالمرأة التي أدخلت الخطية إلى العالم هي نفسها التي أعطاها الله وعدًا بأنها ستِلد المخلص الذي سيهزم الشيطان ويسحق رأسه.
لقد ولد الفادي يسوع ليتحقق أعظم حدث في كل تاريخ البشرية، فحلّ الروح القدس على العذراء، وليس أية عذراء، بل المعيّنة في فكر الله، والمختارة لهذا الحدث الجليل والسامي، فلم يكن للجنس البشري أي دور فيه على الإطلاق. وهكذا ولد المسيح ليس من امرأة فقط بل من عذراء للدلالات التالية:
1-    ليتميّز المسيح عن كل البشر، فلم يدخل إنسان إلى العالم بهذه الطريقة.
2-    إن دخول المسيح إلى العالم ليس من تخطيط إنسان ولا من تصوره بل حسب خطة الله الأزلية وفي التوقيت المحدد من قبل الله. "لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة" (غلاطية 4:4).
3-    ليكون المسيح بعيدًا عن خطية آدم الوراثية. ففي حياته بلا خطية وفي موته يكون ذبيحة بلا خطية. لقد تدخل الله في مسار التاريخ البشري وأرسل أنبياءه الذين قيل عن بعضهم أنهم مقدسين لله ومفرزين له قبل ولادتهم، مثل إرميا، ويوحنا المعمدان، لكن جميعهم بما فيهم هؤلاء الأنبياء، إنهم كما قال داود "هأنذا بالإثم صُوّرت وبالخطية حبلت بي أمي" (مزمور 5:51). لكن ميلاد المسيح المعجزي كان ردًا على الأحجية: كيف يكون المخلص إنسانًا يشاركنا الطبيعة البشرية ولا يشاركنا الخطية؟
فيا له من مولود عجيب وفريد، وُلد بطريقة معجزية لأنه الله الذي ظهر في الجسد، فهل كان ممكنا أن يولد بغير هذه الطريقة؟