الرئيسية

Anis Bahnam80x109"شاول الذي هو بولس أيضًا" (أعمال 9:13). كان معلّمًا يهوديًا متعصبًا، تربّى عند قدمي غمالائيل، معلم للناموس مكرما عند جميع الشعب (أعمال 34:5)، وكان اضطهاده للمؤمنين بالمسيح شديدًا وفي ازدياد مستمر. ولكن بعد إيمانه بالمسيح أصبح رسولًا لا سيما للأمم. وظهر له الرب خمس مرات. في أربع مرات تكلم الرب شخصيًا معه، وفي الخامسة كلمه بواسطة ملاك.

الظهور الأول:

إذ كان شاول قبل إيمانه "لَمْ يَزَلْ يَنْفُثُ تَهَدُّدًا وَقَتْلًا عَلَى تَلاَمِيذِ الرَّبِّ" (أعمال 1:9)، قرر أن يذهب إلى دمشق لهذا الهدف، فأخذ رسائل من رئيس الكهنة حتى إذا وجد أناسًا من المؤمنين بالمسيح يسوقهم مقيدين إلى أورشليم. فحدث إذ اقترب من دمشق، فجأة أبرق عليه نور من السماء، فسقط على الأرض، وسمع صوتًا قائلًا له: شاول، ِشاول! لماذا تضطهدني؟ فكم كان اندهاشه إذ سمع جواب الرب قائلًا له: "أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ". إنه من الصعب، أو المستحيل، أن ندرك مدى اندهاش شاول حين تبيَّن أن يسوع هذا الذي رفضته الأمة وحكمت عليه بالموت صلبًا، هو حي في السماء، بل هو الرب! فعرف أن كل حماسه الديني كان جهلًا، بل جريمة شنعاء وقد علّق هو على ذلك مرارًا بعد إيمانه فقال: "أنا الذي كنت قبلًا مجدفًا ومضطهدًا ومفتريًا" (1تيموثاوس 13:1).
وأيضًا "إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها" (غلاطية 13:1). بل كم كانت الشهادة التي جاهر بها أمام أغريباس الملك مؤلمة له "فَأَنَا ارْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُورًا كَثِيرَةً مُضَادَّةً لاسْمِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. وَفَعَلْتُ ذلِكَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ، فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ كَثِيرِينَ مِنَ الْقِدِّيسِينَ، آخِذًا السُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذلِكَ. وَفِي كُلِّ الْمَجَامِعِ كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى التَّجْدِيفِ. وَإِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ كُنْتُ أَطْرُدُهُمْ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي فِي الْخَارِجِ" (انظر أعمال 9:26-11). لقد ظهر الرب يسوع لشاول مضطهد الكنيسة، ليحوّله إلى إنسان جديد، بل إلى رسول يذيع بشارة نعمة الله في أمم كثيرة. قال الرب عنه لحنانيا: “هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي" (أعمال 15:9-16). وسفر أعمال الرسل يصف لنا الكثير مما تألم به بولس في خدمة الرب، وتجد ملخّصًا لبعض هذه الآلام في 2كورنثوس 23:11-33، أرجو أن تقرأها. في هذا نرى نعمة الله الغنية التي تُثبت ما جاء في 1تيموثاوس 15:1 "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا". حقًا تمم الرب وعده لبولس إذ قال له أنه سيرسله إلى الأمم "لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ" (أعمال 18:26).

الظهور الثاني:

بعد ظهور الرب لشاول (أي بولس) وهو في الطريق إلى دمشق، قضى بولس في دمشق أيامًا مع المؤمنين، وكان يكرز في مجامع اليهود ويُعلّم أن المسيح هو ابن الله (أعمال 20:9). "وَلَمَّا تَمَّتْ أَيَّامٌ كَثِيرَةٌ تَشَاوَرَ الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ، فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ الأَبْوَابَ أَيْضًا نَهَارًا وَلَيْلًا لِيَقْتُلُوهُ. فَأَخَذَهُ التَّلاَمِيذُ لَيْلًا وَأَنْزَلُوهُ مِنَ السُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلّ" (أعمال 23:9-25). من هناك ذهب إلى أورشليم، وحاول أن يلتصق بالتلاميذ، لكن الجميع كانوا يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ. فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وأخبرهم بما حدث، فكان معهم يدخل ويخرج في أورشليم وكان يجاهر باسم الرب. فحاول قوم منهم أن يقتلوه. ويخبرنا الرسول نفسه عما حدث له هناك إذ قال: “وَحَدَثَ لِي بَعْدَ مَا رَجَعْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ أُصَلِّي فِي الْهَيْكَلِ، أَنِّي حَصَلْتُ فِي غَيْبَةٍ، فَرَأَيْتُهُ قَائِلًا لِي: أَسْرِعْ! وَاخْرُجْ عَاجِلًا مِنْ أُورُشَلِيمَ، لأَنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ شَهَادَتَكَ عَنِّي. فَقُلْتُ: يَارَبُّ، هُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي كُنْتُ أَحْبِسُ وَأَضْرِبُ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ. وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ كُنْتُ أَنَا وَاقِفًا وَرَاضِيًا بِقَتْلِهِ، وَحَافِظًا ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ. فَقَالَ لِي: اذْهَبْ، فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمِ بَعِيدًا" (أعمال 17:22-21).
في الظهور الأول رأينا نعمة الله المخلصة، وفي الثاني عنايته المنقذة.

الظهور الثالث:

لما علم الإخوة بمكيدة اليهود اليونانيين أن يقتلوا بولس أحدروه إلى قيصرية وأرسلوه إلى بلدة طرسوس. ولكن بعد فترة من الزمن خرج برنابا إلى طرسوس ليجده، ولما وجده جاء به إلى أنطاكية (أعمال 25:11). هناك في أنطاكية تأسست كنيسة من يهود مؤمنين ومن أمميين نالوا الولادة الجديدة. فقال الروح القدس لهم: "وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ، قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ" (أعمال 2:13). وهكذا ابتدأ شاول، أي بولس، رحلاته التبشيرية فذهب في رحلته الأولى إلى قبرص ثم إلى آسيا الصغرى مع برنابا شريكه في الخدمة. ثم رجعا إلى أنطاكية، وبعد أن مكث بولس هناك فترة من الزمن قام برحلته الثانية ومعه سيلا وذهبا إلى فيلبي، ثم إلى تسالونيكي وأثينا ومن هناك إلى كورنثوس. وكانت كورنثوس تشتهر بغناها المادي، كما بفسادها الخلقي. وكان اليهود يقاومونه ويجدفون. هناك في كورنثوس ظهر الرب لبولس. “فَقَالَ الرَّبُّ لِبُولُسَ بِرُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: لاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ" (أعمال 9:18-10). ليت كل منا يتأمل في هذه الكلمات التي قالها الرب نفسه، ولا زال يقولها لكل من يريد أن يشهد ببشارة نعمة الله. "لا تخف. تكلّم. لا تسكت. أنا معك".

 

الظهور الرابع:

لما شجع الرب رسوله في كورنثوس، أقام بولس هناك سنة وستة أشهر يعلّم بينهم بكلمة الله، ولما انتهت هذه الرحلة الثانية رجع إلى أنطاكية كما فعل بعد نهاية الرحلة الأولى. بعد ذلك قام برحلة ثالثة ذهب فيها إلى أورشليم التي كانت عزيزة عنده، إذ كانت عنده دائمًا رغبة في أن يعرف اليهود نعمة الله التي ظهرت بواسطة الرب يسوع المسيح. كانت هذه الرغبة شديدة عنده، فكان يقول ويكتب "لليهودي أولًا ثم لليوناني". كما قال في رومية 2:9 "إن لي حزنًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع"، وذلك عن اليهود الذين لم يعرفوا الرب يسوع مخلصًا. وفي رومية 1:10 "أيها الإخوة، إن مسرة قلبي وطلبتي إلى الله لأجل إسرائيل هي للخلاص". لذلك ذهب إلى أورشليم حاملًا إحسانات للفقراء. ولكن اليهود كانوا يكرهونه واتهموه أنه دنّس الهيكل، وأرادوا قتله. فوصل الخبر إلى أمير الكتيبة الروماني الذي لما رأى أنهم على وشك أن يفسخوه (أي يمزّقوه) أمر العسكر أن يختطفوه من بينهم ويأتوا به إلى المعسكر. “وفي تلك الليلة وقف به الرب وقال: ثق يا بولس لأنك كما شهدت بما لي في أورشليم، هكذا ينبغي أن تشهد في رومية (أي روما) أيضًا" (أعمال 11:23). حقًا، ما أطيب الرب الإله! لقد كان يراقب كل خطوة لبولس. وكما وعده في كورنثوس، نراه هنا في أورشليم يؤكد له أنه سيذهب إلى روما. كم كان وقع هذه الكلمات على أذن، بل قلب وفكر بولس مشددا: “ثق يا بولس".

 

الظهور الخامس:

إذ رفع بولس دعواه إلى قيصر، وذلك لأن الحكام مع تأكدهم من براءة بولس، كانوا في نفس الوقت يريدون أن يرضوا اليهود، لذلك استقرّ الرأي أن يرسلوا بولس في سفينة إلى إيطاليا مع مسجونين آخرين. "ولما مضى زمان طويل وصار السفر في البحر خطرًا أنذرهم بولس"، ولكنهم لم يذعنوا له "وأخيرًا انتزع كل رجاء في نجاتهم" (انظر أعمال 9:27-20). "فلما حصل صوم كثير، حينئذ وقف بولس في وسطهم وقال: كان ينبغي أيها الرجال أن تذعنوا لي... والآن أنذركم (أي أخبركم) أن تسروا، لأنه لا تكون خسارة نفس واحدة منكم، إلا السفينة. لأنه وقف بي هذه الليلة ملاك الإله الذي أنا له والذي أعبده، قائلًا: لا تخف يا بولس. ينبغي لك أن تقف أمام قيصر. وهوذا قد وهبك الله جميع المسافرين معك. لذلك سرّوا أيها الرجال، لأني أؤمن بالله أنه يكون هكذا كان قيل لي" (أعمال 21:27-25). كانت له الثقة الكاملة في وعد الرب حتى أنه شجع الآخرين أن يطمئنوا وأن يتناولوا طعامًا. "ولما قال هذا أخذ خبزًا وشكر الله أمام الجميع، وكسّر، وابتدأ يأكل. فصار الجميع مسرورين وأخذوا هم أيضًا طعامًا" (أعمال 35:27-36).
أرجو أننا جميعنا نجني دروسًا نافعة ومشجعة لنا في خدمة إلهنا.