كانون الأول (ديسمبر) 2009

"وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ [يسوع] إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ للهِ" (لوقا 12:6)
امتياز الصلاة أنها تتمسك بقدرة الله المطلقة، لتدكّ المعاقل وتحطّم الحواجز، وتذلّل الصعوبات، لأن طاقتها عظيمة جداً وهائلة.

وقد قيل: الركب الساجدة أقوى من الجيوش الزاحفة. فالقوة الحقيقية هي بيد المصلين المقتدرين! فهل تحسن استخدام الصلاة؟! فكما أن الطاقة الكهربائية التي تنير المدن، وتدفع المحركات، وتسيّر الأعمال الجبارة، نابعة من مولدات ضخمة - كثيراً ما تكون مختفية عن الأنظار لا تفطن لوجودها - هكذا الصلاة في حياة المؤمن!! نتطلّع فنجد الخدمة في تقدّم، والبركات فائضة، والاجتماعات في انتعاش، والرب يخلّص النفوس... من أين كل هذا؟ إنه وليد القوة المستترة! وليد الصلاة! ذاك لأن رجال المخدع في جهادٍ مع الله؛ ونحن لا نعرف قيمة هؤلاء الرجال، إلا عندما نفقدهم. عندما ينقطع التيار الكهربائي، ويدبّ الظلام، وتقف المحرّكات الكهربائية، نعلم أن مولدات الطاقة عاطلة عن العمل. فعندما تخبو نار الانتعاش، وتجفّ الحالة الروحية، ويدبّ الخصام بين أعضاء الجسد الواحد، ويخفّ تأثير كلمة الله على السامعين، لا تسل عن السبب لأنه متأتٍ من فتور اجتماعات الصلاة المخدعية والجماعية.
فاعلية الصلاة
الصلاة صعبة، لأنها نكران الذات. أنت تصلي في الخفاء من أجل عمل الرب فتظهر نتائجها في انتفاضة الأعضاء العاملين. تصلي وإذا الرب يسكب انتعاشاً، ولا أحد يعلم بك إلا الله الذي يجازيك علانية. هذا الشيء ضدّ الطبيعة البشرية، التي تحبّ الكبرياء والظهور... مسكينة الكنيسة بدون صلاة! لكن نجاح عمل الرب في حقل الخدمة وقفٌ على النفوس المصلية. اطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده. الصلاة تغيّر الأوضاع وتضع قوة الله موضع التنفيذ. فعندما تصلي تشرك الله معك في الخدمة. كل عمل بدون صلاة يسقط أمام هجمات إبليس، لكن الصلاة تحصّنه من سهام الشرير الملتهبة. الشيطان يربط الناس، والصلاة تقطع هذه الربط. الشيطان لا يقاوم الخدمة الخالية من الصلاة، لأنها فاشلة، لكنه يرتعب عندما ترتفع أصوات الكنيسة بالصلاة بقلب واحد.
الصلاة أعظم قوة في العالم. لقد غيّرت تاريخ أممٍ، وأثّرت في أحوال الناس، كما تأثّرت بها قوانين الطبيعة ذاتها. نحتاج لرجال تشهد جدران مخادعهم بجهادهم في الصلاة طويلاً. هكذا كان أبفراس الذي قادته شركته مع المؤمنين في كولوسي للصلاة من أجلهم، وصلواته زادت من شركته معهم. هكذا نحن، كلما ازددنا محبة لأي شخص، كثرت صلواتنا لأجله، وكلما أكثرنا الصلاة من أجله، ازددنا اشتياقاً لخلاصه.
مثالنا في الصلاة
يسوع رجل الصلاة، عندما صرف الجموع ذهبوا إلى بيوتهم، أما هو فصعد إلى الجبل - أي إلى مخدع صلاته الدائمة – ليصلي؛ وقبل كل عمل هام كان يصلي.
إن الأعمال الجليلة التي تقوم بها تحتاج إلى صلاة متواصلة كافية.
يسوع - مثالنا في الصلاة - كان يصلي في مكان ما... كان يعتزل في البراري... وإذ كان يصلي انفتحت السماوات... والروح القدس انسكب بالصلاة. فقد صلّى قبل الصليب... ثم صلّى وهو على الصليب. هكذا كان يسوع، وهذه هي روح المسيح شفيعنا الوحيد لدى الآب!
كل من ينشغل بالصلاة لأجل خلاص النفوس يختبر عمق الشركة مع شخص المسيح.
اكتشاف نفوسنا
لماذا لا نستفيد من امتيازاتنا السامية؟ لماذا لا نعرض أمام الله همومنا ومتاعبنا بصراحة، فنخبره عما في حياتنا من رواسب؟ لماذا لا نسقط على وجوهنا عندما يتحدّث الله معنا؟ يجب أن تكون حياتنا محادثة واحدة طويلة مع الله، ولا يجب أن يمرّ يوم دون التحدّث إليه عن أمور حياتنا بجملتها، داخلين إلى مقادسه ورافعين عن قلوبنا كل حزن ومرارة.
إن قوة الصلاة في المؤمن ليست شيئاً مفاجئاً، لكنها تجيء نتيجة لجلسات سابقة طويلة. فطاقة المؤمن للصلاة، ليست وليدة ضغط احتياجات، بل وليدة النموّ الروحي التدريجي، والتقدّم في الإيمان والثقة بالله، دون التأثّر بالمحيط الخارجي والنواهي البشرية.
عندما نصلي نطلب ضمن حدودنا البشرية، لكن الله يعطينا بحسب غناه في المجد – ويد الله مملوءة بغنى السماء لكل من يطلب.
لماذا لا تمتلك هذا الغنى الفيّاض؟
ضرورة الصلاة
روح الصلاة لازمة وهامة للمؤمن الخادم، وبدونها هو ضعيف كالضعف نفسه ولا يصمد أمام التجارب. فلا ربح نفوس إلا بالصلاة.
إن فاعلية الصلاة لا يماثلها شيء في حياة المؤمن. فإن فقدنا روح الصلاة، لا نستطيع أن نفعل شيئاً مهما امتلأت عقولنا معرفة.
مصلين بكل صلاة... لأجل كل الاحتياجات. لأجل الأجساد، والأذهان، والقلوب، والأولاد... ولا يوجد شيء يخصّنا لا يستجيب الله صلاتنا من أجله.
كثرة الصلاة السرية، معناها فيضان القوة الجهارية.
إن تأثيرك في البيئة التي تعيش فيها لا يتولّد من طلاقة لسانك أو غيرتك، ولا من نشاطك، ولا استقامة سلوكك أو كلامك – مع أن هذه جميعها لها قيمتها وفائدتها – بل ينبثق من اتصالك الدائم مع الرب بالصلاة.
معرفة إرادة الله في الحياة
لا توجد صلاة غير مستجابة. قد لا يمنح الله طلبة المؤمن، فهذا لا يعني أن الله لم يستجب، بل قد يستجيب عكسياً بالنفي. صلّى يسوع في جبل الزيتون قائلاً: "يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس". أجابه الله على الصلاة، إذ ظهر ملاك من السماء يقوّيه: لكن كانت الإجابة نفياً، ولماذا يقول الله لا؟ بولس صلى من أجل شوكته في الجسد، فاستُجيبت الصلاة، لكن الطلبة لم تمنح. موسى اشتاق أن تتحقّق أمنيته بدخول الأرض، بعد أن كرّس حياته لقيادة الشعب، ولما وصلت مهمّته العظمى إلى آخر مراحلها، ودنا وقت القطاف، سأل الله أن يمتّعه بدخول أرض الميعاد. لكن الجواب كان "لا تعد تكلمني بهذا الأمر". أُجيبت الصلاة، لكن لم تُمنح الطلبة، ومات موسى على جبل الفسجة دون أن يدخل الأرض.
لكنه دخل الأرض، في الوقت المعين من الله... نرى أن الطلبة التي لم تتحقق في أيام حياته، تمت على جبل التجلي.
لماذا سمح الله لخادم له موهبة ممتازة أن يبقى في السجن؟ لأنه في ذلك السجن الموحش استطاع بولس الرسول أن يكتب معظم رسائله التي تعدّ ميراثاً لا تقدَّر قيمته على مدى الأجيال. وشوكته التي كان من المتوقّع أن يحرره الله منها حين ضايقته جداً، حتى أنه طلب ثلاث مرات من الله لأجلها، وصلاته استُجيبت، ولكن لم تُمنح الطلبة. بل كان الجواب "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل".
إذا كانت صلاتنا بإرشاد الروح القدس، لا بد ان نأخذ ما نسأل.
هل كانت طلبة يسوع في جثسيماني في غير محلّها؟ حاشا، لأن يسوع كان يعرف إرادة  أبيه ويتمّمها في حياته – لذلك قال: "لتكن لا إرادتي بل إرادتك".
قال الرب لداود في مناسبة مشروع بناء هيكل للرب الذي كان داود يودّ أن يقوم به، ولم تكن مشيئة الرب أن ينفّذه داود: قد أحسنت بكون ذلك في قلبك، غير أن ابنك الذي يخرج منك هو يبني لي بيتاً. فقد صادق الله على رغبته، لكنه جعل تحقيقها بيد سليمان.
صعوبة الصلاة
بالنسبة لكثرة المشغوليات، يحتاج المؤمن إلى إيجاد وقت كافٍ للصلاة، وحصر ذهنه كلياً مع الرب. والذي يساعد المؤمن ليكون وفق فكر الله هو قضاؤه أوقاتاً طويلة على ركبتيه أمام عرش النعمة. إن قراءة الكلمة لها أهمّيتها، لكن بدون روح الصلاة فهي ناشفة، ولا تعطي فائدة، وتملأ الذهن بالمعرفة العقلية التي تؤدي إلى حالة برود، وانعدام الأثمار الروحية، فتصبح بلا قوة، بل بالحري تظهر فيها روح الكبرياء. فلا يوجد شيء يُضعف الحياة الروحية أكثر من انشغال العقل عن الحق المقدس، بينما القلب والضمير يبقيان غريبين عن قوته، وتتوقّف هذه الحالة على إهمال الصلاة. لا يمكن أن يكون هناك سبب لانحطاط الحالة الروحية أكثر من إهمال الصلاة.
المسيح مثالنا وشعارنا، الذي بدأ واستمرّ وأنهى كرازته بالصلاة، حتى أن كلماته الأخيرة كانت صلاة لأجل أعدائه.
مبشّرٌ دون صلاة... كموسى بلا عصاه. معلّم دون صلاة... كداود في مقابلة جليات بدون المقلاع. واعظ بدون صلاة كشمشون بدون شعر.
فإذا كان يسوعنا، يصلي من وقت إلى آخر وبجهاد، فما أحرانا نحن إذاً أن نطيع الأمر الإلهي "صلوا بلا انقطاع".
الصلاة السرية
كون الإنسان يتعلّم أن يصلي الصلاة الغالبة الحقيقية، أمر ليس هيّناً. ولأن الصلاة أعظم عمل يقوم به الإنسان على الأرض، لذلك فالدخول إلى عمقها يحتاج إلى استعداد وتدريب عظيمين. فمدرسة الصلاة لها شروطها ومطاليبها. والصلاة السرية تحتاج إلى مكان لا يستطيع أن يدخله إلا الأشخاص ذوو الأهداف المركّزة والعزائم الثابتة. فقد تخور قوى الجبابرة أحياناً من كثرة الدرس، وقد يُنهك التركيز الكلي على أبسط الأعمال جهد الإنسان أكثر من أي مجهود آخر، إنما الصلاة هي محكّ التقوى اليوميّة، ولا يوجد أصعب منها في كل نواحي حياة الإيمان. إن مدرسة الصلاة هي مدرسة عظيمة يتدرّب فيها جميع ممارسيها.

المجموعة: 200912