حزيران (يونيو) 2009

الآية الوحيدة التي ذكرت كلمة "الخلود" في الكتاب المقدس وردت في رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس في هذه الكلمات: "فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ اشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ، الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ، وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ" (2تيموثاوس 8:1-10).


يسوع المسيح أبطل الموت بقيامته.. وأنار الحياة والخلود بظهوره وجلوسه عن يمين الآب. وكلمة "الخلود" تعني الدوام والبقاء.
وإذ تتقدّم بي الأيام، فمن المنطق أن أفكّر في الخلود، وقد خطر ببالي أسئلة كثيرة بخصوص الخلود:
ماذا يحدث للإنسان بعد الموت؟
هل هناك أناس ماتوا وعادوا إلى الأرض وتكلموا بعد عودتهم؟
كيف عبّر العهد الجديد عن موت المؤمنين بالمسيح ابن الله الذي صُلب على الصليب؟
هل مصير المؤمن بيسوع المسيح المصلوب كمصير الرافض ليسوع المسيح ابن الله الحي؟
امتلأت رأسي بكل هذه الأسئلة، وبغير هذه الأسئلة التي ارتبطت بالخلود.
أولاً: ماذا يحدث للإنسان بعد الموت؟
أعلن بولس الرسول بالروح القدس أن الإنسان مكوّن من روح، ونفس، وجسد، إذ قال: "وَإِلهُ السَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِالتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1تس 23:5).
عند الموت تذهب الروح إلى الله الذي أعطاها "فَيَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاهَا"
(جامعة 7:12). وتذهب النفس إلى الهاوية كما قال داود في نبوته عن قيامة المسيح: "لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَادًا"  (مزمور 10:16).
وتنقسم الهاوية إلى قسمين: الهاوية العليا حيث تذهب نفوس المؤمنين، والهاوية السفلى حيث تذهب نفوس الأشرار. وقد قال داود النبي عن الهاوية السفلى: "لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ نَحْوِي، وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ السُّفْلَى" (مزمور 13:86). إلى هذه الهاوية ذهبت نفس الغني الذي ذكره يسوع في قصته عن لعازر المضروب بالقروح إذ نقرأ عنه: "فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الهَاوِيةِ وَهُوَ فِي الْعَذَابِ" (لوقا 23:16). أما الهاوية العليا فهي التي قال عنها يعقوب لأولاده بعد أن اعتقد أن يوسف ابنه افتُرس افتراساً "إِنِّي أَنْزِلُ إِلَى ابْنِي نَائِحًا إِلَى الْهَاوِيَةِ" (تكوين 35:37).
والهاوية السفلى ليست جهنم، فلن يذهب أحد إلى جهنم إلا بعد الدينونة العتيدة أن تكون.
ثانيًا: أشخاص عادوا بعد موتهم إلى الأرض
نتيقّن من وجود حياة بعد الموت، إذ نقرأ عن أشخاص عادوا من عالم الروح وتكلموا بعد عودتهم.
أولهم صموئيل النبي
وقصة ظهور صموئيل مثيرة للتأمل والتفكير. فبعد اجتماع الفلسطينيين لمحاربة إسرائيل، خاف الملك شاول "فَسَأَلَ شَاوُلُ مِنَ الرَّبِّ، فَلَمْ يُجِبْهُ الرَّبُّ لاَ بِالأَحْلاَمِ وَلاَ بِالأُورِيمِ وَلاَ بِالأَنْبِيَاءِ" (1صموئيل 6:28). والأحلام والأوريم والأنبياء كانت وسائل الإرشاد في العهد القديم. فلما تأكد الملك شاول أن الرب لن يرشده قال لعبيده: "فَتِّشُوا لِي عَلَى امْرَأَةٍ صَاحِبَةِ جَانٍّ، فَأَذْهَبَ إِلَيْهَا وَأَسْأَلَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: هُوَذَا امْرَأَةٌ صَاحِبَةُ جَانٍّ فِي عَيْنِ دُورٍ" (1صموئيل 7:28). وذهب شاول إلى المرأة وقال لها اعرفي لي بالجان وأصعدي لي من أقول لك. "فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: مَنْ أُصْعِدُ لَكَ؟ فَقَالَ: أَصْعِدِي لِي صَمُوئِيلَ" (1صموئيل 11:28).
وتحضير أرواح الموتى شرّ فظيع، ولذا أمر الرب شعبه قائلاً: "لاَ يُوجَدْ فِيكَ... مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ" (تثنية 9:18-12).
صعد صموئيل وقال للملك شاول: "لِمَاذَا أَقْلَقْتَنِي بِإِصْعَادِكَ إِيَّايَ؟ فَقَالَ شَاوُلُ: قَدْ ضَاقَ بِي الأَمْرُ جِدًّا. اَلْفِلِسْطِينِيُّونَ يُحَارِبُونَنِي، وَالرَّبُّ فَارَقَنِي وَلَمْ يَعُدْ يُجِيبُنِي لاَ بِالأَنْبِيَاءِ وَلاَ بِالأَحْلاَمِ. فَدَعَوْتُكَ لِكَيْ تُعْلِمَنِي مَاذَا أَصْنَعُ. فَقَالَ صَمُوئِيلُ: وَلِمَاذَا تَسْأَلُنِي وَالرَّبُّ قَدْ فَارَقَكَ وَصَارَ عَدُوَّكَ؟ لأَنَّكَ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ وَلَمْ تَفْعَلْ حُمُوَّ غَضَبِهِ فِي عَمَالِيقَ، لِذلِكَ قَدْ فَعَلَ الرَّبُّ بِكَ هذَا الأَمْرَ الْيَوْمَ. وَيَدْفَعُ الرَّبُّ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا مَعَكَ لِيَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَغَدًا أَنْتَ وَبَنُوكَ تَكُونُونَ مَعِي... فَأَسْرَعَ شَاوُلُ وَسَقَطَ عَلَى طُولِهِ إِلَى الأَرْضِ وَخَافَ جِدًّا مِنْ كَلاَمِ صَمُوئِيلَ" (1صموئيل 15:28-20).
هذا صموئيل يظهر بعد موته للملك شاول ويخبره بما سيحدث له ولبنيه.
وقصة ظهور صموئيل أثارت الكثير من النقاش عند المفسرين ولكن تبقى الحقيقة بأن الذي ظهر هو صموئيل.
موسى وإيليا
موسى وإيليا اثنان ظهرا بمجد بعد موتهما بمئات السنين على جبل التجلي وتكلما مع يسوع المسيح عن صلبه... موسى مات ودُفن، وإيليا أخذته مركبة حياً إلى السماء.
قال يسوع المسيح لتلاميذه:
"حَقًّا أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ.
"وَبَعْدَ هذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَل لِيُصَلِّيَ. وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضًّا لاَمِعًا. وَإِذَا رَجُلاَنِ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ، وَهُمَا مُوسَى وَإِيلِيَّا"
(لوقا 27:9-31).
ظهور موسى وإيليا فوق جبل التجلي وكلامهما مع يسوع عن موته في أورشليم، دليل قاطع على أن هناك وجود بعد الموت.
إلى ذلك المكان نقل الله أخنوخ "بِالإِيمَانِ نُقِلَ أَخْنُوخُ لِكَيْ لاَ يَرَى الْمَوْتَ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ نَقَلَهُ. إِذْ قَبْلَ نَقْلِهِ شُهِدَ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ أَرْضَى اللهَ" (عبرانيين 5:11).
الوجود بعد الموت حقيقة مؤكدة.
 ثالثًا: كيف عبَّر العهد الجديد عن موت المؤمنين؟
±  وصف يسوع موت المؤمنين به، بأنه نوم، فقال لتلاميذه بعد أن مات لعازر: "لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ" (يوحنا 11:11).
±  ووصف بولس الرسول موت المؤمنين بيسوع ابن الله بأنه رقاد، فكتب للقديسين في تسالونيكي قائلاً: "ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ الرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَالْبَاقِينَ الَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ".
 (1تسالونيكي 13:4)
±  كما وصفه بأنه نقض بيت خيمتنا الأرضي، أي هدم الجسد الترابي فقال: "لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ" (2كورنثوس1:5).
±  وكذلك وصفه بأنه رحيل عن العالم بعد انحلال الجسد. فقال: "فَإِنِّي أَنَا الآنَ أُسْكَبُ سَكِيبًا، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي [في الترجمة الإنجليزية "وقت رحيلي"] قَدْ حَضَرَ" (2تيموثاوس 6:4).
±  ووصف بطرس الرسول موت المؤمنين بأنه خلع المسكن الترابي أي الجسد الترابي، وخروج من هذا العالم، فقال: "وَلكِنِّي أَحْسِبُهُ حَقًّا ­ مَا دُمْتُ فِي هذَا الْمَسْكَنِ­ أَنْ أُنْهِضَكُمْ بِالتَّذْكِرَةِ، عَالِمًا أَنَّ خَلْعَ مَسْكَنِي قَرِيبٌ، كَمَا أَعْلَنَ لِي رَبُّنَا يَسُوعُ الْمَسِيحُ أَيْضًا. فَأَجْتَهِدُ أَيْضًا أَنْ تَكُونُوا بَعْدَ خُرُوجِي، تَتَذَكَّرُونَ كُلَّ حِينٍ بِهذِهِ الأُمُورِ" (1بطرس 13:1-15).
±  لكن أجمل تعبير، هو تعبير بولس الرسول الذي قال فيه: "لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا"
(فيلبي 23:1). لقد اعتبر بولس الرسول الموت انطلاقاً من قيود الجسد، برغباته، وضعفاته، وأمراضه، ومحدودية قدرته، ولذلك صار هذا الانطلاق شهوة يشتهيها ويتمناها.
رابعًا: حساب ما قبل الرحيل
الإنسان غير المؤمن بيسوع المسيح ابن الله الوحيد الذي صُلب على الصليب، صدر حكم الإدانة ضده وسيُنفَّذ في يوم الدينونة: "الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ" (يوحنا 36:3).
أما الإنسان الذي آمن بالابن فله حياة أبدية كما ذكرت الآية، لكن هذه الحياة الأبدية سيقضيها المؤمن الغالب في المدينة المقدسة أورشليم الجديدة (رؤيا1:21). وقبلها سيجلس مع المسيح في عرشه خلال الملك الألفي المجيد. "مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ" (رؤيا 21:3).
أما المؤمن الذي أهمل حياته الروحية، وعاش للأرض وما في الأرض، وهو المؤمن المغلوب كلوط في سدوم، فسيكون من شعوب المخلصين الذي سيمشون بنور المدينة، وعن هذا نقرأ: "وَتَمْشِي شُعُوبُ الْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا" (رؤيا 24:21).
فهل أنت مؤمن غالب كإبراهيم الذي عاش في خيام مع وفرة غناه "لأَنَّهُ كَانَ يَنْتَظِرُ الْمَدِينَةَ الَّتِي لَهَا الأَسَاسَاتُ، الَّتِي صَانِعُهَا وَبَارِئُهَا اللهُ" (عبرانيين 10:11)؟
أم مؤمن مغلوب كلوط الذي نقرأ عنه: "وَأَنْقَذَ لُوطًا الْبَارَّ، مَغْلُوبًا مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ. إِذْ كَانَ الْبَارُّ، بِالنَّظَرِ وَالسَّمْعِ وَهُوَ سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ [في سدوم]، يُعَذِّبُ يَوْمًا فَيَوْمًا نَفْسَهُ الْبَارَّةَ بِالأَفْعَالِ الأَثِيمَةِ"؟
 (2بطرس7:2-8)
انتبه لمصيرك، وحدِّد موقفك من إلهك.. وقم بعمل حساب لحياتك، وتصرفاتك قبل رحيلك، واذكر أن يوم عودة المسيح قد اقترب!
وليتك، وأنت تواجه الوجود بعد الموت، أن تغسل يديك من شرور العالم الحاضر، وفساده وخطاياه.. وتخدم الرب بتكريس كامل له، وتردّد مع بولس الرسول أغنيته التي غنّاها في آخر أيامه فتقول معه:
"فَإِنِّي أَنَا الآنَ أُسْكَبُ سَكِيبًا، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ. قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ".
 (2تيموثاوس 6:4-8)
إن من يأخذ إكليلاً يصير ملكاً متوّجاً وسيجلس مع المسيح في عرشه. أما أصحاب الرؤوس التي لم تتوّج، فهم شعوب المخلصين... نالوا الحياة الأبدية بموت المسيح.. وخسروا المكافأة.. لأن الخلاص بالإيمان وحده.. أما المكافأة فهي بالأعمال التي تُعمل لمجد الله.
فهل عملت عملاً لمجد الله تستحقّ أن تنال عليه تاجاً؟

المجموعة: 200906