أذار (مارس) 2009

يُشبّه الكتاب المقدس الحياة المسيحية بحياة الرياضي الفائز المقتنع بإنجازاته وتقدّمه وفوزه والسعادة المستمرة التي تغمر حياته.


ويعود السبب في هذا الوصف في أنّ ممارسة الرياضة تجعل الإنسان سعيداً ووجهه طلقاً لأن الجسم يفرز هرموناً من الدماغ يسمّى (هرمون السعادة endorphins) الذي يجعل مركز السعادة في المخ يتجاوب مع ذلك الشعور.
نرى ذلك في الرياضيين الفائزين في مبارياتهم... فمع أننا نراهم مرهقين خلال المباريات إلا أننا نلمس فرحهم لأنهم حقّقوا فوزاً عظيماً فجعلهم ذلك الهرمون ينسون آلامهم وأتعابهم.
إنّ الحياة مع المسيح تبدأ بالفرح الحقيقي الذي يحصل عليه المرء مجاناً عندما يختبر الخلاص الكامل الذي يقدمه الرب يسوع المسيح بالنعمة، وهذا يسمّى فرح الخلاص. "فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ" (إشعياء 10:61). فقد زال ضغط الخطية وانزعاجاتها التي كانت تسبي الإنسان وتزيده كآبة، وانطلق هرمون السعادة بعد كبتِ الخطية له لسنوات طويلة.
الفرح وتجاوز الصعوبات
رغم أن ظروف الحياة لا تفرّق بين مؤمن بالرب يسوع وغير مؤمن، فكلاهما معرضان لتجارب الحياة المتنوّعة. إلا أن المؤمن بإله الفرح والسلام مميَّز إذ يستطيع به التغلب على العقبات والنكبات والضغوط التي تعصف به، بل وحتى الحروب التي يشنها الشيطان عليه.
وسائط الفرح المتنوعة
منذ لحظة الخلاص، تجد نفسك مشدوداً لأن تقرأ الكتاب المقدس فيغمرك فرح عظيم يبدأ ينتشر كعبير في حياتك.
فعندما تطيع كلمة الله تفرح أيضاً...
وعندما تشهد أمام الناس بحياتك الجديدة في المسيح وبكلامك عن نعمة الله التي خلصتك تفرح أيضاً...
وإن اضطهدك مقاوموك تفرح أيضاً...
وعندما تنمو في الإيمان تزهر وتثمر بفرح أيضاً...
وتفرح عندما تعطي بسرور...
وعندما تصلي تخرج فَرِحاً من حضرة الله...
وتترنم وتعبد الرب بفرح...
لكن لماذا تشعر بهذا الفرح الذي لا يُنطق به ومجيد؟
لأن هناك عنصراً جديداً - إن جاز لي التعبير - دخل إلى كيان المؤمن لحظة قبوله للمسيح وهو الروح القدس الذي يعمل على استعادة كيميائية الدماغ بصورة صحيحة!! أما غير المؤمنين فإن جزءاً من كهربائية دماغهم مُعطّل. "الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ" (2كورنثوس 4:4).
الأبوّة وهرمون السعادة
يقول بعض العلماء: عندما يحتضن الأب طفله الصغير بين ذراعيه يشعر الطفل  براحة وسعادة بسبب إفرازات هرمون السعادة. ويا له من تصوير رائع! فنحن المؤمنين، عندما نتمتّع بشركة روحية حميمة مع الرب نكون كذلك في حضن يسوع وفي حضن الله الآب أبونا الحنون. "وَكُلُّ مَنْ عِنْدَهُ هذَا الرَّجَاءُ بِهِ، يُطَهِّرُ نَفْسَهُ كَمَا هُوَ طَاهِرٌ. كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الْخَطِيَّةَ يَفْعَلُ التَّعَدِّيَ أَيْضًا. وَالْخَطِيَّةُ هِيَ التَّعَدِّي" (1يوحنا 3:1-4).
إنقطاع السعادة
لكن قد يقول قائل: لماذا أجد بعض المؤمنين مكتئبين؟
علينا ألا ننسى أننا كتلة من المشاعر... فنحن نتأثّر بما نسمع ونرى. فإذا سمعنا أخبار الحروب، والكوارث، والموت في العالم فإننا نحزن، لأننا لا نعلم كم من هؤلاء ذهبوا بدون رجاء وخلاص أبدي... ولهذا يقول الكتاب: "فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ". لكن أكبر سبب يعطّل فرح المؤمن هو الخطية المتعمَّدة التي تُمرض القلب وتجفِّف النفس. "لَمَّا سَكَتُّ بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ، لأَنَّ يَدَكَ ثَقُلَتْ عَلَيَّ نَهَارًا وَلَيْلاً" (مزمور 3:32-4).
الطبيعة تكلّمنا عن السعادة والكآبة
ضع أمامك لوحتين:
لوحة لغابة خضراء تحيط بها الجبال المكسوّة بالثلوج ووديان مليئة بالمياه...
وصورة أخرى لصحراء قاحلة...
عندما تنظر للصحراء تكتئب... إنها صورة لمن يفعل الخطية. لذلك نجد داود النبي يصلي بعد توبته قائلاً: "رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ، وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي"، وكأنه يقول: دعني أعود إلى ينابيع فرح الخلاص! هذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن الحياة التقيّة - كما يقول الكتاب - مهمة لتدفّق السعادة بغزارة في حياتنا لتطيّب قلوبنا وقلوب الآخرين. ويجب أن نقتنع بأن التقوى والقناعة وجهان لعملة واحدة. إننا نقتنع بما سنربحه في حياة التقوى وهو أن نبقى في شركة مع الرب فيدوم فرحنا بالرغم من الاضطهاد والألم والتعب.
"اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا" (فيلبي 4:4).
عزيزي القارئ،
هدفي من هذه المقالة هو أن تعيش حياة الفرح الدائم مع الرب يسوع، وصلاتي هي أن لا تخبوا أفراحنا. وإن كان هناك بوادر للخطية، علينا أن نجتثها لكي لا تنقطع أفراحنا بسبب نمو جذور الخطية، كما أشجعك على دراسة رسالة فيلبي، رسالة الفرح الذي لا يُنزَع ولا ينضب.
يقول ربنا يسوع المسيح:
"كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ" (يوحنا 11:15).
"إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئًا بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً" (يوحنا 24:16)

المجموعة: 200903