أيار (مايو) 2009

النسيان هو اضطراب عقلي أو فقدان للذاكرة، وينجم أحيانا من قلة تدفق الدم الى أجزاء المخ أو دمار بعض خلاياه. وقد يتميز بفقدان الاهتمام بالناس وبالأشياء أو باحتقار المرء لنفسه أو بسلوك منحرف غير مقصود. في الحالات المتقدمة يسمّى هذا المرض بالألزهيمر. والألزهيمر هو حالة تتسم بتدمير خلايا المخ ويسبب مشاكل عويصة ملحوظة في التذكر والفكر والسلوك مما يؤثر على ممارسة العمل والهوايات والعلاقات الاجتماعية. وتسمى المرض باسم ألزهيمر نسبة الى العالم الألماني أليوس ألزهيمر عام 1906.


توصل المتخصصون الى نوع من الأدوية منها "ريمبر، ودايمبون، وأريسبت، وريمني، وأفنديا" من ضمن العقاقير الطبية لعلاج الألزهيمر المبكر أو في مرحلة غير متأخرة والهدف هو الحد من تدهور الأداء الفكري بنسبة 81%. وأشاد الأطباء كالمعتاد بالتطور العلاجي للنسيان، وما زالوا يسعون نحو نتائج بنسبة أعلى. وتستهدف هذه الأدوية كتلة الخيوط والخطوط المتشابكة التائية في المخ، والتجمع المفرط للألياف الشاذة داخل الخلايا العصبية. هذه الخيوط التائية غير الحية في المخ تدمر الخلايا العصبية الموصولة بالذاكرة والمرتبطة بمركز الإشارات العصبية، وفي الحالات المتأخرة من الألزهيمر تقضي على الخلية العصبية في الأجزاء الأخرى من المخ. ومن هنا ظهرت الحاجة الى إضعاف الخيوط التائية ووقف سلسلة المثيرات المدمرة لإعادة بناء هذه الخيوط والخطوط العصبية من جديد. ويعترف المتخصصون أن نسبة العلاج بأدوية الألزهيمر ضئيلة، ولذلك يرون أنه لا بد من وقف تلف الانحلال المرضي في المخ بواسطة العلاج الطبي والنفسي في آن واحد. تلك التي ساعدت على تحسن أعراض الألزهيمر. على النقيض، إن الكثير من عقاقير التجارب أثبتت إبطاء أو وقف تطور هذا المرض أو على الأقل تلطف من تأثير المرض. إن نسبة تكاليف هذا المرض هي الثلث بعد أمراض القلب والسرطان. ويتوقع المختصون أن أكثر من عشرة ملايين سيصابون بهذا المرض خلال العشرين سنة القادمة، وعلى الأجيال القادمة من عائلات وهيئات اقتصادية وأنظمة صحية الاستعداد لهذه الحاجة الإنسانية. إنه بالأولى واجب الأبناء تجاه والديهم. كانت العصور القديمة تحافظ على إيفاء الوالدين حقوقهم. فشريعة حمورابي البابلية ترى أنه على الابن الذي يلطم أباه تقطع يده. السومريون القدماء كانوا يقضون بأن الابن الذي ينبذ أباه ولا يراعي حق هذا الأب ينبغي أن يقيد ويبيعه، وإذا نبذ الابن أمه كان يربط بحبل ويطاف به في المدينة ثم يطرد من البيت. أما الأثينويون فكانوا يجردون الابن الذي لا يراعي حق الأبوة من الحقوق المدنية. وإذا شاهد أحدهم ابناً يضرب أبويه ولم يبلّغ عنه، يعاقب هذا الشاهد عقاباً قاسياً، كما يحكم على الضارب بالنفي والموت. أفلاطون وأرسطو يطالبان بأن يكون مركز الآباء بعد مركز الآلهة. أما صالون المشرع اليوناني لم يخطر بباله هذه الجريمة لأنها كانت في نظره من المستحيلات التي يقدم عليها انسان به تفكير، لذلك لم يضع هذه جريمة عدم إكرام الوالين بين الجرائم. وفي التلمود "إن من واجب الابن أن يطعم أباه ويسقيه ويلبسه ثيابه ويحميه ويخرجه ويدخله ويغسل له وجهه ويديه وقدميه. أما المسيح فقد أكد وعده الإلهي "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض"، فشرَّفَ الأمومة، وكرَّم العلاقات الأسرية، وأرسى مفهوم العائلة السعيدة، وقرّرمصير التاريخ.
عادة ما يصاب المرء بمرض الألزهيمر في سنوات متأخرة من العمر مما يؤخر ظهور أعراض الألزهيمر وشفائه. ويظل الاكتشاف المبكر للمرض فرصة أفضل للعلاج بواسطة منع تلف خلايا المخ وتنشيط الأعصاب الخامدة وتزويد خلايا المخ بالطاقة. إن الأدوية الحالية تسعى لتتجاوب مع حصانة الجسم والحدّ من المواد السامة التي تهدم البنية الصحية للجسم لتعيد بناء صفائح المخ. إن العلاج يتطلب أيضا القيام بأنشطة عقلية كالقراءة، والزراعة، والمشي، والركض بانتظام، والرحلات، مما يجدد خلايا المخ ويعالجها؛ والصلاة، وحب الغير، وعدم الارتباك بأمور الحياة، وعدم القلق على المستقبل الذي هو في يد الله، ومراعاة الأكل الصحي، والتصالح مع الأعداء كما قال المسيح: "أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ"، وتسليم الحياة للمسيح الفادي والمخلص، كما أن الأنشطة الاجتماعية مع الأصدقاء والعائلة والصحبة المخلصة تقلل من الضغوط النفسية، وتساعد على تحسّن العمليات الصحية بين الجسم ككل وخلايا المخ. وينصح الخبراء بالطعام المتكامل والمعتدل وممارسة قدر ما من الرياضة البدنية والإكثار من الخضراوات والفاكهة ومراعاة ضغط الدم العالي.
هل تعلم أنه ينبغي أن ننسى وأن لا ننسى أيضاً؟ وماذا لونسينا أو تناسينا؟ وهل الله ينسى؟ في الحقيقة ليس كل نسيان مرضاً، فهناك أسباب محتملة للنسيان السوي. عندما تنسى أين تركت سيارتك، أو نسيت ما تريد أن تقوله، أو تاهت كلمة منك وأنت تحكي قصة ما، أو نسيت موعد زيارة الطبيب، فلا تقلق فالنسيان طبع الإنسان، وجل من لا يسهو. إنها قد تكون بمثابة مؤشرات صحية ضرورية. لكن لو نسيت ما نوع سيارتك، أو نسيت كيف تحرر شيكاً تعوّدت على كتابته، أو نسيت الكلمات والعبارات المستعملة يومياً، أو تاهت قدماك عن معرفة منزلك أو معارفك وأقاربك، فأنت بحاجة لمشورة طبية. إن المخ يتغير كباقي أجزاء الجسم، وعندما يفقد المخ بعض الخلايا، ينتج مواداً كيماوية أقل ضرورية لتشغيله. قد يبدأ هذا في سن العشرين، لكن الله جهّز الجسم لتخزينها واستعادتها. وكم من نعمة في نقمة طويت، ولم تعرف بها الأنام.
أما الله العالم بكل شيء، فمع أنه يغفر لنا خطايانا عندما نتوب إليه، لكنه لا يذكرها ليعيّرنا بها كما يقول: "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا“. ويقول أيضاً: ”قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ“.
إن طبيعة غفران الله لخطايانا هو تعبير عن الحب الفائق الذي لا يحمل تعييراً، أو إذلالاً، أو احتقاراً، أو رجوعاً عن قراره في المستقبل. وهكذا رعايته إذ يقول: "هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ".
وقف النحات الكبير ميخائيل أنجلو أمام قطعة كبيرة من الرخام المشوّه القذر كان قد رفضها البناؤون لأنه رأى فيها ملاكاً جميلاً. جلس بجانبها وفي يده إزميله، وبعد وقت برز الملاك الجميل. وهكذا يسوع المسيح يرى فينا ملاكاً مباركاً بل ابنا له رغمًا عن كل عيوبنا ونقصاتنا. فإياك أن تنسى محبته لك.
محتويات العدد

المجموعة: 200905