أيار (مايو) 2009

من المعروف لدى معظمنا أن المسيح يُشَبَّه في العهد الجديد بالعريس. هذا واضح في الأمثال التي كان المسيح يُعَلِّم بها وفي كلام يوحنا المعمدان حين "جَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ، هُوَ يُعَمِّدُ، وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ. أجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ: لاَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ السَّمَاءِ. أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ"  (يوحنا 26:3-30).


يقول المفسرون أنه لو كانت الأمة قبلته لكانت قد أصبحت عروسه الأرضية، ولكننا نعلم أن المسيح "إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ". وهو قد صعد إلى السماء وله الآن عروس سماوية وهي الكنيسة. هذه الكنيسة التي هي جسده كما رأينا في دراسة سابقة، هي أيضاً عروسه، وهي تتكوّن من جميع المؤمنين منذ يوم الخمسين إلى أن يأتي المسيح ويأخذها إلى السماء. وقد أشار الرسول بولس في 2كورنثوس 2:11 إلى كون المؤمنين في هذا العصر هم عروس المسيح بقوله: "فَإِنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ، لأَنِّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُل وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ". وعروس المسيح يجب أن تكون عذراء عفيفة. وكلمة "عذراء" تشير إلى ولائها وإخلاصها ومحبتها لواحد هو عريسها. نرى رمزاً لهذا في قصة إسحق ورفقة إذ يقول الوحي المقدس عن رفقة: "وَكَانَتِ الْفَتَاةُ حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا، وَعَذْرَاءَ لَمْ يَعْرِفْهَا رَجُلٌ" (تكوين 16:24).
كذلك نرى إشارة إلى علاقة الكنيسة بالمسيح كعروسه وكجسده في أفسس 25:5-27:
"أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ".
إذ ننتقل إلى سفر الرؤيا نتعلم في الفصل السابع عشر والثامن عشر أنه هناك من تدَّعي أنها العروس، ولكنها امرأة زانية بل الزانية العظيمة وأم الزواني. هي الديانة البشرية الباطلة التي منذ فجر التاريخ اضطهدت المؤمنين، "وَفِيهَا وُجِدَ دَمُ أَنْبِيَاءَ وَقِدِّيسِينَ"، هذه ستُباد من الوجود وستفرح السماء بهلاكها، كما جاء في رؤيا 1:19-3 "وَبَعْدَ هذَا سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِي السَّمَاءِ قَائِلاً: هَلِّلُويَا! الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلهِنَا، لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا. وَقَالُوا ثَانِيَةً: هَلِّلُويَا! وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ". وفي الأعداد 6-8 "وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: هَلِّلُويَا! فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ! لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ".
العروس كانت مخطوبة له، ولكن جاء الوقت لتصبح امرأته.
كيف هيّأت نفسها؟
إن هذا الثوب النقي البهي الذي أُعطيت أن تلبسه، نسجته وهي على هذه الأرض وهي تنتظر رجوع حبيبها.
هذا الثوب هو ”تبرّرات“، أي أعمال البر التي عملها قديسو الرب، أي المؤمنون في كل تاريخ الكنيسة. وسيرى الجميع ما عملته نعمة الله بواسطة المؤمنين من تبشير واستشهاد، من عناية بالفقراء والمساكين واليتامى والأرامل، من محبة للأعداء، ومن حياة التقوى في وسط عالم غارق في الشر والفساد - ولا يسعنا المجال أن نعدّد كل ما قام به المؤمنون بالمسيح في كل تاريخ الكنيسة - هذه كلها سيُنسج منها ذلك الثوب الجميل.
كذلك هيّأت نفسها بمعونة المسيح الذي "يُقَدِّسَهَا مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ".
ثم تهيّؤها بعد اختطافها إلى السماء إذ تقف أمام كرسي المسيح. ويا له من فرق شاسع بين الوقوف أمام كرسي المسيح ووقوف غير المؤمنين أمام العرش العظيم الأبيض لكي يُطرحوا في بحيرة النار (رؤيا 11:20-15). أما الوقوف أمام كرسي المسيح فهو نصيب المؤمنين الذين لن يهلك منهم أحد. هناك يحترق كل ما هو "خشب وعشب وقش"، ويبقى ما هو "ذهب وفضة وحجارة كريمة" (انظر1كورنثوس 12:3-15). الهدف من الوقوف أمام كرسي المسيح هو أن يهيِّأنا للوقوف "أمام مجده بلا عيب في الابتهاج" (يهوذا 24). عندئذ يتحقق ما جاء في أفسس 27:5 "لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ".
وبما أن المسيح استخدم كثيراً تشبيهات من أفراح العرس بحسب التقاليد الشائعة في ذلك الوقت، سنسرد هنا الخطوات الأربعة التي يتم بها الزواج:
أولاً: يختار الرجل عروساً له، ويدفع المهر، فتصبح له هو وليس لأي شخص آخر. ونحن كذلك قد اختارنا عريسنا قبل تأسيس العالم. وفي ملء الزمان دفع الثمن وهو دمه الثمين (أعمال 28:20)، كما يقول أيضاً في 1كورنثوس 20:6 أننا اشتُرينا بثمن. ونجد رمزاً لهذا في بوعز حين قال أمام شيوخ شعبه "وَكَذَا رَاعُوثُ الْمُوآبِيَّةُ... قَدِ اشْتَرَيْتُهَا لِيَ امْرَأَةً" (راعوث 10:4). حقاً، ما أعظم الثمن الذي دفعه عريسنا المجيد إذ أحبّ الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها!
ثانياً: يرجع العريس إلى بيته ليعدّ لها مكاناً لتكون معه. وهذا ما قاله المسيح: "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا".
(يوحنا 2:14-3)
هذه هي الفترة التي نحن فيها الآن؛ العريس يُعدّ المكان، والعروس تستعدّ لملاقاته لأنها لا تعلم في أي ساعة سيأتي. إنها فترة مهمة جداً. لقد مضى عريسنا إلى السماء وأعطانا امتيازات كثيرة، منها الصلاة وقراءة الكتاب المقدس. وكأنه يقول لنا بخصوص الصلاة: يمكنكم أن تتصلوا بي في أي وقت على "هاتف" الصلاة، وأن تقرأوا في الكتاب المقدس لأن فيه رسائلي لكم. يا ترى، ماذا يكون شعور العروس إذا سألها عريسها: لماذا لم تتصلي بي كثيراً كما أوصيتكِ؟ وهل كنت تقرئين رسائلي؟ فتقول له: في الحقيقة كنت مشغولة، ولكن أحياناً قرأت بعض السطور من رسائلك!
ماذا سيكون شعورها؟ بل بالأحرى، ماذا سيكون شعوره هو الذي أحبّها وضحّى من أجلها تضحية عظيمة؟!
ليتنا نستيقظ لهذه الحقائق لكي لا نخجل منه في مجيئه. إن هذه الفترة مهمة ولن تتكرر - فليتنا لا نضيع الفرصة.
ثالثاً: يرجع العريس - بعد أن أعدّ لها مكاناً - ليأخذها إلى بيته. وهذا هو الرجاء المبارك الذي ننتظره، ويجب أن نترقّبه يومياً (انظر 1تسالونيكي 13:4-18).
رابعاً: بعد أن يحضرها إلى بيته يتم الاحتفال، وهو الذي يسمّى في سفر الرؤيا بـ ”عشاء عرس الخروف“، حين يُستعلن ربنا يسوع المسيح، أي حين يُظهر. "وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ" (1يوحنا 2:3).
يا له مشهداً بديعاً
به ستُبهر العيون
ما لم ترَه أي عين
أعدّه الرب الحنون
أخيراً، أختم هذا المقال بالشطر الأول من ترنيمة محببة عند كثيرين وعندي:
قومي عروس الرب لا
تعيي من السهد
لكِ عريس في العلا
وهو رجا المجد
آمين!

المجموعة: 200905