أيار (مايو) 2009

يتحدّث الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا عن أن المسيح هو الراعي الصالح. وفي حديثه عن رعايته الصالحة يقول أيضاً أنه الباب. وهناك علاقة كبيرة بين الباب وعمل الراعي. فالراعي هو الباب، ذلك أن حظيرة الخراف كانت قطعة أرض مسوّرة من ثلاثة جوانب. الجانب الرابع منها كان ضيّقاً لا سور له، وكان هو المدخل أي الباب الذي منه يُدخِل الراعي قطيعه إلى الحظيرة وينام في تلك الفتحة. وهكذا يكون الراعي باب الحظيرة.

لا أحد يدخل إلى الحظيرة إلا به، ولا أحد يخرج إلى خارج الحظيرة إلا ويحسّ به، ولا يعتدي غريب على الحظيرة إلا إذا مرّ على الراعي أولاً. فالراعي الصالح هو الباب. قال المسيح: ”أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى“ (يوحنا 9:10). لا يستطيع أحد أن يدخل الحظيرة ليكون من ضمن الرعية إلا من خلاله وبواسطته. والذي يصبح ضمن الحظيرة - واحداً من ضمن القطيع - يتمتّع بأن يدخل ويخرج في أمن واطمئنان لأنه في رعاية الراعي، ويجد مرعى. فالراعي مسؤول عن رعيته. ”وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ“.
يا من دخلتم حظيرة الخراف، أهنّئكم تهنئة قلبية بانتمائكم إلى الراعي الصالح، وأنبّهكم إلى أن هناك خرافاً أخر ليست بعد في الحظيرة، ستجيء إلى الحظيرة، وأنتم مسئولون أن تعملوا مع الراعي لتكون هناك رعية واحدة وراعٍ واحد.
قال يسوع: ”أنا هو الباب“ - لذلك قال إن الذي ”لاَ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ“. ثم قال في الآية الثامنة: ”جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ، وَلكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ“. فجماعة القادة من الفريسيين والكتبة والصدوقيين لم يدخلوا عن طريقه هو، بل قاوموه، وطلعوا من موقع آخر ورفضوا ”الباب“، فهم سرّاق ولصوص، والذين يريدون أن يرعوا رعية المسيح عليهم أن يدخلوا من الباب - من المسيح.
كان الأقدمون يقولون إن قبة السماء الزرقاء ليست مغلقة لكن بها باب يؤدي إلى محضر الله، وكأن المسيح يريد أن يقول لنا: ”نعم، ليست السماء مغلقة عنكم أبداً، إن هناك باباً مفتوحاً لكم في السماء - وأنا هو الباب“.
في تكوين 28 نقرأ عن يعقوب عندما كان مسافراً من بيت أبيه إلى بيت خاله، رأى السماء مفتوحة، ورأى السلم منصوبة.
وقال المسيح: ”الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلاَئِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ“.
المسيح هو الباب الذي به يمكننا أن نصل إلى السماء ونتمتّع بالمجد كله.
المسيح هو الباب الذي يوصّلنا إلى السماء ويمنحنا بركاتها.
في هذه الآية يقدم لنا المسيح ثلاث بركات:
”إن دخل بي أحد فيخلص“. هذه هي البركة الأولى.
البركة الثانية: ”يدخل ويخرج“.
البركة الثالثة: ”يجد مرعى“.
ربما دخل أحدنا من الباب وخلص لكنه يحتاج أن يتمتّع بحرية الدخول والخروج، ”فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً“.
ربما يوجد واحد من أولاد الله يعاني فقراً روحياً - عنده نقص تغذية، لأنه لا يتمتّع بكل بركات الراعي، فيقول له: يمكنك أن تجد مرعى. ليعطنا الرب هذه البركات الثلاث:
1- بركة الخلاص
”إن دخل بي أحد فيخلص“:
هذه هي البركة الأولى. إننا بفضل المسيح يمكننا أن نجد خلاصاً. قال المسيح في (يوحنا 6:14): ”أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي“. لقد أدرك بطرس هذه الحقيقة فقال في الأصحاح الرابع من سفرالأعمال: ”وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ“. وقال عنه بولس الرسول في الأصحاح الثاني من رسالة أفسس: ”لأن به لنا قدوماً إلى الآب“. وكلمة قدوم تعني دخول بغير استئذان، فنحن نستأذن لندخل على الغريب، لكننا لا نستأذن لندخل إلى الآب، لأننا أبناء. بالمسيح لنا قدوم إلى الآب، كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: ”فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى الأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ... لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ“.
ربما يثير أحدنا سؤالاً: ولماذا هذا التحديد؟ لماذا ليس بأحد غيره الخلاص؟ لماذا هو وحده الباب؟ لو أن سيدنا كان نبياً عادياً لكان متجنياً وهو يقول: ”أنا هو الباب“. لكنه أعظم من نبي... أعظم من سليمان... أعظم من يوحنا المعمدان، ذلك لأنه الله الذي ظهر في الجسد - صاحب الطبيعتين - هو الإله الكامل وهو الإنسان الكامل. ولا يمتلك أحد هاتين الصفتين إلا هو. نعم، هو الباب الذي به وحده الخلاص، لأنه ابن الله الذي جاء ليصالحنا مع الله بعد أن ضيّعنا الصلة التي بيننا وبينه.
في المسيحية هناك عثرة الصليب.. وهي كامنة في أن البشر يريدون أن يدفعوا ثمن خلاصهم بصلوات يؤدونها، أو بطقوس يمارسونها، أو بأموال وتبرعات يدفعونها، وهم يريدون أن يشتروا حقهم في السماء، ولكن صليب المسيح يقول لنا: ”قد أُكمل“. وعليكم أيها البشر أن تتقدموا لتنالوا. أدرك بولس هذه الفكرة بعد أن صرف سنوات يمارس طقوس الدين اليهودي كأفضل ما يكون الأداء. كان في غاية الغيرة على دين الآباء، ولكنه اكتشف يوماً أن عليه اللوم كله، لأنه كان يحتمي بشيء فعله، وكان محتاجاً أن يحتمي بالمسيح، فجاءنا يقول بعد أن التقى به المسيح في طريقه إلى دمشق: ”بالنعمة أنتم مخلصون“. فالخلاص عطية. وفي الأصحاح الثالث من الرسالة إلى أهل رومية يقول الرسول بولس: ”لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما“...
قال يسوع: ”أنا هو الباب“ الذي قام بكل شيء، إن دخل بي أحد فيخلص. إن عثرة الصليب كامنة في أن البشر لا يريدون أن ينالوا أي شيء مجاناً، لأن كبرياءهم تمنعهم عن أن يأخذوا مجاناً، بل يريدون أن يدفعوا ثمن ما يأخذون. ولا يستطيع البشر أن يدفعوا ثمن خلاصهم، لذلك في ملء الزمان أرسل الله ابنه إلينا مولوداً من امرأة ليدفع عنا أجرة خطيتنا. الذي لم يعرف خطية جُعل خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. أدعو كل إنسان لم يختبر الخلاص أن يدخل من الباب الوحيد - الرب يسوع المسيح - إن دخل بي أحد يخلص.
2- يدخل ويخرج
البركة الثانية: ”إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ... يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ“. قال القديس أوغسطينوس أن هذه تعني الدخول به إلى الحياة الجديدة والخروج معه بالموت إلى الحياة الأبدية. هل يوجد ما هو أعظم من هذا؟! آخر عدوّ يُبطل هو الموت، لكن المؤمن يقف ليقول للموت: ”أين شوكتك يا موت؟“ يدخل إلى حياة جديدة، ويخرج إلى حياة أبدية.. حياتنا معه وموتنا فيه. هنا نحيا في الجسد متغرّبين عنه، لكن هناك نحيا في محضره، في بيته الأبدي... لا حزن، لا دموع، لا آلام بل في محضره نشدو ونرنّم ليلاً ونهاراً.
هناك تفسير آخر للقول ”يدخل ويخرج“، إن دخل بي أحد يدخل إلى حياة الشركة مع الله ثم يخرج إلى حياة الخدمة لله. فنحن ندخل مخدعنا ونغلق بابنا ونصلي إلى أبينا الذي في الخفاء، ثم نخرج لنخدمه في العالم بالمواهب التي أعطاها لنا، وبالنعمة التي أخذناها منه في مخدع صلواتنا.
يا جماعة المؤمنين، أية كلمة من هذه تخاطبكم: يدخل للمخدع؟ أو يخرج للخدمة؟ أهنّئ الذين دخلوا منكم لمخدع الشركة مع الله، وخرجوا لدائرة الخدمة... ليبارككم الرب وليزدكم إلهنا من هذه النعمة. أما المؤمنون الذين لا يزالون يعرّجون في ضعف، فالروح القدس يخاطبكم بهذه الكلمة: إن دخل بي أحد فيخلص... يدخل إلى عمق الشركة ويخرج إلى ميدان الخدمة.
هناك معنى ثالث لـ ”يدخل ويخرج“. معناها أنك تثق أنك في بيت الآب. إذا ذهبنا لزيارة أصدقاء ثم خرجنا وقد نسينا شيئاً، نعود ونقرع الباب لنأخذ ما نسيناه، ونعتذر لأصحاب البيت: دخلنا للزيارة فرحّبتم بنا، وخرجنا فودّعتمونا، فلماذا ندخل مرة ثانية؟ لكن من هو الذي يدخل ويخرج مرات بدون عدد. إنه صاحب البيت - أصبحنا في المسيح ”أهل بيت الله“ من أفراد الأسرة. إن المسيح يريدنا أن نكون أهل بيته فعلاً، ثابتين فيه. هل أدركنا مقدار الامتياز الذي يعطيه لنا. إن الله يريد لك انتمائية عميقة واتحاداً صادقاً معه.
وهناك معنى رابع لـ ”يدخل ويخرج“ وهو ”النضج“. قال سليمان الحكيم في (1ملوك 7:3) يخاطب الله: ”وَأَنَا فَتىً صَغِيرٌ لاَ أَعْلَمُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ“. لكنه عندما كبر ونضج، صار قادراً على أن يدخل ويخرج.
الصغار هم الذين يعجزون عن أن يدخلوا ويخرجوا بحرية، فيريدون شخصاً يصاحبهم. أما الذين كبروا وصاروا بالغين فهم الذين يستطيعون أن يدخلوا ويخرجوا. والرب يقول لك: أيها المؤمن، أريدك ناضجاً، لا أريدك معتمداً على غيرك، ”بسبب طول الزمان الذي تعلمتم فيه كان يجب أن تكونوا معلمين“، لكن من العيب علينا أننا ما زلنا نطلب اللبن طعام الأطفال. ”انموا في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح“. و”إن أراد أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم“. إننا نمارس فنتعلم.. يدخل ويخرج لأنه صار كبيراً ناضجاً بالغاً.
أشارككم في معنى خامس لـ ”يدخل ويخرج“، هو أن تصبح قائداً في جماعة الرب. في سفر العدد  (15:27-17) قال موسى للرب: ”لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ رَجُلاً عَلَى الْجَمَاعَةِ، يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ، لِكَيْلاَ تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالْغَنَمِ الَّتِي لاَ رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ، رَجُلاً فِيهِ رُوحٌ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ“ ليتخصص لهذا العمل. هل تظنون أن راعي الكنيسة يستطيع أن يقوم بكل عمل الرعاية؟ مستحيل!! لأنه ليس هو الروح القدس، لأنه غير قادر أن يوجد في كل مكان وفي كل وقت. لكن أنتم يا جماعة المؤمنين مطلوبون أن تخرجوا وتدخلوا أمام جماعة الرب لتدخلوهم ولتخرجوهم لمجد الرب.. نحتاج إلى قائد يرمم المذبح المنهدم، ويفتقد نفساً ضائعة، ويساعد نفساً متعبة. أثق أن الله يريد أن يكلف كثيرين منكم ليخدموه. نحتاج إلى قائد!
3- يجد مرعى
أما البركة الثالثة فهي أنه يجد المرعى النضير في رعاية الراعي الصالح..
ليعطنا إلهنا هذه البركات الثلاث.

 

يتحدّث الأصحاح العاشر من إنجيل يوحنا عن أن المسيح هو الراعي الصالح. وفي حديثه عن رعايته الصالحة يقول أيضاً أنه الباب. وهناك علاقة كبيرة بين الباب وعمل الراعي. فالراعي هو الباب، ذلك أن حظيرة الخراف كانت قطعة أرض مسوّرة من ثلاثة جوانب. الجانب الرابع منها كان ضيّقاً لا سور له، وكان هو المدخل أي الباب الذي منه يُدخِل الراعي قطيعه إلى الحظيرة وينام في تلك الفتحة. وهكذا يكون الراعي باب الحظيرة. لا أحد يدخل إلى الحظيرة إلا به، ولا أحد يخرج إلى خارج الحظيرة إلا ويحسّ به، ولا يعتدي غريب على الحظيرة إلا إذا مرّ على الراعي أولاً. فالراعي الصالح هو الباب. قال المسيح: ”أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى“ (يوحنا 9:10). لا يستطيع أحد أن يدخل الحظيرة ليكون من ضمن الرعية إلا من خلاله وبواسطته. والذي يصبح ضمن الحظيرة - واحداً من ضمن القطيع - يتمتّع بأن يدخل ويخرج في أمن واطمئنان لأنه في رعاية الراعي، ويجد مرعى. فالراعي مسؤول عن رعيته. ”وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ“.

يا من دخلتم حظيرة الخراف، أهنّئكم تهنئة قلبية بانتمائكم إلى الراعي الصالح، وأنبّهكم إلى أن هناك خرافاً أخر ليست بعد في الحظيرة، ستجيء إلى الحظيرة، وأنتم مسئولون أن تعملوا مع الراعي لتكون هناك رعية واحدة وراعٍ واحد.

قال يسوع: ”أنا هو الباب“ - لذلك قال إن الذي ”لاَ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ إِلَى حَظِيرَةِ الْخِرَافِ، بَلْ يَطْلَعُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ، فَذَاكَ سَارِقٌ وَلِصٌّ“. ثم قال في الآية الثامنة: ”جَمِيعُ الَّذِينَ أَتَوْا قَبْلِي هُمْ سُرَّاقٌ وَلُصُوصٌ، وَلكِنَّ الْخِرَافَ لَمْ تَسْمَعْ لَهُمْ“. فجماعة القادة من الفريسيين والكتبة والصدوقيين لم يدخلوا عن طريقه هو، بل قاوموه، وطلعوا من موقع آخر ورفضوا ”الباب“، فهم سرّاق ولصوص، والذين يريدون أن يرعوا رعية المسيح عليهم أن يدخلوا من الباب - من المسيح.

كان الأقدمون يقولون إن قبة السماء الزرقاء ليست مغلقة لكن بها باب يؤدي إلى محضر الله، وكأن المسيح يريد أن يقول لنا: ”نعم، ليست السماء مغلقة عنكم أبداً، إن هناك باباً مفتوحاً لكم في السماء - وأنا هو الباب“.

في تكوين 28 نقرأ عن يعقوب عندما كان مسافراً من بيت أبيه إلى بيت خاله، رأى السماء مفتوحة، ورأى السلم منصوبة.

وقال المسيح: ”الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلاَئِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ“.

المسيح هو الباب الذي به يمكننا أن نصل إلى السماء ونتمتّع بالمجد كله.

المسيح هو الباب الذي يوصّلنا إلى السماء ويمنحنا بركاتها.

في هذه الآية يقدم لنا المسيح ثلاث بركات:

”إن دخل بي أحد فيخلص“. هذه هي البركة الأولى.

البركة الثانية: ”يدخل ويخرج“.

البركة الثالثة: ”يجد مرعى“.

ربما دخل أحدنا من الباب وخلص لكنه يحتاج أن يتمتّع بحرية الدخول والخروج، ”فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً“.

ربما يوجد واحد من أولاد الله يعاني فقراً روحياً - عنده نقص تغذية، لأنه لا يتمتّع بكل بركات الراعي، فيقول له: يمكنك أن تجد مرعى. ليعطنا الرب هذه البركات الثلاث:

1- بركة الخلاص

”إن دخل بي أحد فيخلص“:

هذه هي البركة الأولى. إننا بفضل المسيح يمكننا أن نجد خلاصاً. قال المسيح في (يوحنا 6:14): ”أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي“. لقد أدرك بطرس هذه الحقيقة فقال في الأصحاح الرابع من سفرالأعمال: ”وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ“. وقال عنه بولس الرسول في الأصحاح الثاني من رسالة أفسس: ”لأن به لنا قدوماً إلى الآب“. وكلمة قدوم تعني دخول بغير استئذان، فنحن نستأذن لندخل على الغريب، لكننا لا نستأذن لندخل إلى الآب، لأننا أبناء. بالمسيح لنا قدوم إلى الآب، كما قال كاتب الرسالة إلى العبرانيين: ”فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى الأَقْدَاسِ بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ... لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ“.

ربما يثير أحدنا سؤالاً: ولماذا هذا التحديد؟ لماذا ليس بأحد غيره الخلاص؟ لماذا هو وحده الباب؟ لو أن سيدنا كان نبياً عادياً لكان متجنياً وهو يقول: ”أنا هو الباب“. لكنه أعظم من نبي... أعظم من سليمان... أعظم من يوحنا المعمدان، ذلك لأنه الله الذي ظهر في الجسد - صاحب الطبيعتين - هو الإله الكامل وهو الإنسان الكامل. ولا يمتلك أحد هاتين الصفتين إلا هو. نعم، هو الباب الذي به وحده الخلاص، لأنه ابن الله الذي جاء ليصالحنا مع الله بعد أن ضيّعنا الصلة التي بيننا وبينه.

في المسيحية هناك عثرة الصليب.. وهي كامنة في أن البشر يريدون أن يدفعوا ثمن خلاصهم بصلوات يؤدونها، أو بطقوس يمارسونها، أو بأموال وتبرعات يدفعونها، وهم يريدون أن يشتروا حقهم في السماء، ولكن صليب المسيح يقول لنا: ”قد أُكمل“. وعليكم أيها البشر أن تتقدموا لتنالوا. أدرك بولس هذه الفكرة بعد أن صرف سنوات يمارس طقوس الدين اليهودي كأفضل ما يكون الأداء. كان في غاية الغيرة على دين الآباء، ولكنه اكتشف يوماً أن عليه اللوم كله، لأنه كان يحتمي بشيء فعله، وكان محتاجاً أن يحتمي بالمسيح، فجاءنا يقول بعد أن التقى به المسيح في طريقه إلى دمشق: ”بالنعمة أنتم مخلصون“. فالخلاص عطية. وفي الأصحاح الثالث من الرسالة إلى أهل رومية يقول الرسول بولس: ”لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما“...

قال يسوع: ”أنا هو الباب“ الذي قام بكل شيء، إن دخل بي أحد فيخلص. إن عثرة الصليب كامنة في أن البشر لا يريدون أن ينالوا أي شيء مجاناً، لأن كبرياءهم تمنعهم عن أن يأخذوا مجاناً، بل يريدون أن يدفعوا ثمن ما يأخذون. ولا يستطيع البشر أن يدفعوا ثمن خلاصهم، لذلك في ملء الزمان أرسل الله ابنه إلينا مولوداً من امرأة ليدفع عنا أجرة خطيتنا. الذي لم يعرف خطية جُعل خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. أدعو كل إنسان لم يختبر الخلاص أن يدخل من الباب الوحيد - الرب يسوع المسيح - إن دخل بي أحد يخلص.

2- يدخل ويخرج

البركة الثانية: ”إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ... يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ“. قال القديس أوغسطينوس أن هذه تعني الدخول به إلى الحياة الجديدة والخروج معه بالموت إلى الحياة الأبدية. هل يوجد ما هو أعظم من هذا؟! آخر عدوّ يُبطل هو الموت، لكن المؤمن يقف ليقول للموت: ”أين شوكتك يا موت؟“ يدخل إلى حياة جديدة، ويخرج إلى حياة أبدية.. حياتنا معه وموتنا فيه. هنا نحيا في الجسد متغرّبين عنه، لكن هناك نحيا في محضره، في بيته الأبدي... لا حزن، لا دموع، لا آلام بل في محضره نشدو ونرنّم ليلاً ونهاراً.

هناك تفسير آخر للقول ”يدخل ويخرج“، إن دخل بي أحد يدخل إلى حياة الشركة مع الله ثم يخرج إلى حياة الخدمة لله. فنحن ندخل مخدعنا ونغلق بابنا ونصلي إلى أبينا الذي في الخفاء، ثم نخرج لنخدمه في العالم بالمواهب التي أعطاها لنا، وبالنعمة التي أخذناها منه في مخدع صلواتنا.

يا جماعة المؤمنين، أية كلمة من هذه تخاطبكم: يدخل للمخدع؟ أو يخرج للخدمة؟ أهنّئ الذين دخلوا منكم لمخدع الشركة مع الله، وخرجوا لدائرة الخدمة... ليبارككم الرب وليزدكم إلهنا من هذه النعمة. أما المؤمنون الذين لا يزالون يعرّجون في ضعف، فالروح القدس يخاطبكم بهذه الكلمة: إن دخل بي أحد فيخلص... يدخل إلى عمق الشركة ويخرج إلى ميدان الخدمة.

هناك معنى ثالث لـ ”يدخل ويخرج“. معناها أنك تثق أنك في بيت الآب. إذا ذهبنا لزيارة أصدقاء ثم خرجنا وقد نسينا شيئاً، نعود ونقرع الباب لنأخذ ما نسيناه، ونعتذر لأصحاب البيت: دخلنا للزيارة فرحّبتم بنا، وخرجنا فودّعتمونا، فلماذا ندخل مرة ثانية؟ لكن من هو الذي يدخل ويخرج مرات بدون عدد. إنه صاحب البيت - أصبحنا في المسيح ”أهل بيت الله“ من أفراد الأسرة. إن المسيح يريدنا أن نكون أهل بيته فعلاً، ثابتين فيه. هل أدركنا مقدار الامتياز الذي يعطيه لنا. إن الله يريد لك انتمائية عميقة واتحاداً صادقاً معه.

وهناك معنى رابع لـ ”يدخل ويخرج“ وهو ”النضج“. قال سليمان الحكيم في (1ملوك 7:3) يخاطب الله: ”وَأَنَا فَتىً صَغِيرٌ لاَ أَعْلَمُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ“. لكنه عندما كبر ونضج، صار قادراً على أن يدخل ويخرج.

الصغار هم الذين يعجزون عن أن يدخلوا ويخرجوا بحرية، فيريدون شخصاً يصاحبهم. أما الذين كبروا وصاروا بالغين فهم الذين يستطيعون أن يدخلوا ويخرجوا. والرب يقول لك: أيها المؤمن، أريدك ناضجاً، لا أريدك معتمداً على غيرك، ”بسبب طول الزمان الذي تعلمتم فيه كان يجب أن تكونوا معلمين“، لكن من العيب علينا أننا ما زلنا نطلب اللبن طعام الأطفال. ”انموا في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح“. و”إن أراد أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم“. إننا نمارس فنتعلم.. يدخل ويخرج لأنه صار كبيراً ناضجاً بالغاً.

أشارككم في معنى خامس لـ ”يدخل ويخرج“، هو أن تصبح قائداً في جماعة الرب. في سفر العدد  (15:27-17) قال موسى للرب: ”لِيُوَكِّلِ الرَّبُّ إِلهُ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ رَجُلاً عَلَى الْجَمَاعَةِ، يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ، لِكَيْلاَ تَكُونَ جَمَاعَةُ الرَّبِّ كَالْغَنَمِ الَّتِي لاَ رَاعِيَ لَهَا. فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: خُذْ يَشُوعَ بْنَ نُونَ، رَجُلاً فِيهِ رُوحٌ، وَضَعْ يَدَكَ عَلَيْهِ“ ليتخصص لهذا العمل. هل تظنون أن راعي الكنيسة يستطيع أن يقوم بكل عمل الرعاية؟ مستحيل!! لأنه ليس هو الروح القدس، لأنه غير قادر أن يوجد في كل مكان وفي كل وقت. لكن أنتم يا جماعة المؤمنين مطلوبون أن تخرجوا وتدخلوا أمام جماعة الرب لتدخلوهم ولتخرجوهم لمجد الرب.. نحتاج إلى قائد يرمم المذبح المنهدم، ويفتقد نفساً ضائعة، ويساعد نفساً متعبة. أثق أن الله يريد أن يكلف كثيرين منكم ليخدموه. نحتاج إلى قائد!

3- يجد مرعى

أما البركة الثالثة فهي أنه يجد المرعى النضير في رعاية الراعي الصالح..

ليعطنا إلهنا هذه البركات الثلاث.

المجموعة: 200905