أيلول (سبتمبر) 2009

الاستعداد صفة مستحبة لدى الإنسان إذ هي من العوامل الفعالة التي تساعد على نجاحه. وعدم الاستعداد إن دلّ على شيء إنما يدلّ على الغباوة والجهل. تصوّروا معي تلميذاً لا يستعد لامتحاناته، ألا يكون نصيبه الفشل والرسوب؟ أو موظفاً لا يأبه لأشغاله، ألا يكون نصيبه الطرد من عمله؟ إذاً، الاستعداد هو العامل الذي يعمل على رقي الإنسان ونجاحه في الحياة.


ألم يلعب الاستعداد دوراً فعّالاً في نجاح العذارى الحكيمات؟ فهناك عشر عذارى مدعوّات للعرس. وكما كانت العادة في ذلك الوقت، حملت كل واحدة منهن مصباحاً من الزيت. والجدير بالذكر أن الرب يسوع قسّم هؤلاء العذارى بالنسبة إلى ما قمن به إلى قسمين: حكيمات وجاهلات. فالجاهلات أخذن مصابيحهنّ ولم يأخذن زيتاً إضافياً، إنما الحكيمات أخذن زيتاً في آنيتهنّ مع مصابيحهن. وهذا ما نراه اليوم في عالمنا... هناك فئة من البشر تنجرف مع التيار العالمي متلهّية بالحاجات العالمية والأغراض الشخصية وتُعرِض عن الاستعداد لمجيء العريس واستقبال المسيح، وهناك أيضاً فئة أخرى من الناس قد أحضرت مصابيحها مع زيتها وهي على استعداد لمجيء العريس وحضور العرس.
نلاحظ هنا في هذا المثل أن للزيت دوراً هاماً وفعّالاً، فعدم تحضيره أدّى إلى منع دخول العذارى الجاهلات إلى العرس. وهكذا، فإن للزيت أهمية في حياتنا اليومية وأهمية في الكتاب المقدس؛ ففي العهد القديم كان الأنبياء والكهنة والملوك يُمسَحون بالزيت حين يعيَّنون لأعمالهم. فالملك الممسوح بالزيت كشاول، هو المعيّن من الله على تمثيله بالحكم والسياسة، أما الكاهن أو النبي الممسوح بالزيت كهرون وداود فهو الذي يؤيده الله ويمتّعه بموهبة المعرفة الروحية. أما في العهد الجديد فالزيت هو موهبة الروح القدس ونعمته للكنيسة، لعمل الخدمة وبنيان جسد المسيح.
المصدر الوحيد لنعمة روح الله القدوس هو المسيح الغفور الذي كان ولا يزال يستقبل كل خاطئ أثيم بصدر رحب ليغفر كل ذنوبه وآثامه.. وقد قال: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". وقال أيضاً: "من يقبل إليّ لا أخرجه خارجاً". إذاً، كل من يقبل المسيح مخلصاً لحياته يريد بفارغ الانتظار أن يأتي المسيح ثانية. وريثما يأتي المسيح عليه أن يستعد لمجيئه وذلك بالوسائل التالية:
1- قراءة كلمة الله
2- المواظبة على الصلاة
3- السيرة الحسنة
قراءة كلمة الله
من خواص الزيت أنه يترك بقعاً على الورق إذا وُضع عليها. هكذا أيضاً كلمة الله تبقع وتؤثر على حياتنا وتنيرها كالسراج حسب قول داود: "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي"، فتصبح حياتنا منيرة حسب أمر المسيح "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات". وكما أن الزيت أيضاً يجعل المصابيح تضيء وتعطي نوراً، هكذا كلمة الرب الألين من الزيت - كما وصفها النبي داود - تعطي نوراً للمؤمنين لكي يضيئوا وسط عالم وُضع في الشرير.
المواظبة على الصلاة
من المعروف والمعلوم عن الزيت أنه عصارة الزيتون. هكذا الصلاة، إنها أنابيب الغذاء التي تعطينا العصارة الروحية من خزائن نِعَم وبركات الرب. فالمسيح أدرك ماهية الصلاة وفعاليتها، لذا أوصانا قائلاً: "ينبغي أن يُصلّى كلّ حين ولا يُملّ"، وهذا ما أدركه الرسول بولس بقوله: "صلوا بلا انقطاع". ولقد شدد المسيح على أهمية الصلاة والاستعداد لمجيئه بقوله:
”اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم". أي يجب أن يكون اهتمامنا الأجلّ بملكوت الله العلوي ولنستعدّ لنكون بمستوى هذا الملكوت. فالصلاة إذاً هي الطريقة التي بواسطتها نقترب من الله وهذا يوافق قول النبي عزريا بن عوديد "الرب معكم ما كنتم معه وإن طلبتموه يوجد لكم".
السيرة الحسنة
لكي يستطيع المؤمن أن يكون على استعداد تام لمجيء المسيح عليه أن يظهر هذا الاستعداد بسيرته المقدسة كما قال الرسول بطرس: "أي أناس يجب أن تكونوا أنتم في سيرة مقدسة وتقوى منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب". وقوله أيضاً "لتكن سيرتكم بين الأمم حسنة".
فنحن إذن نستطيع أن نستعد لملكوت الله بكلمته الحية المميِّزة أفكار القلب ونياته، وبصلاتنا اللاإنقطاعية التي تمدنا بمعونة من لدن الرب، وبسيرتنا المقدسة وسط جيل معوّج وملتوٍ نضيء بينهم كأنوار في العالم، وبهذا نتمثّل بالعذارى الحكيمات اللواتي أخذن مصابيحهن مع الزيت الإضافي وكنّ على استعداد لمجيء العريس واستقباله وحضور العرس.
فهلا تستعد لمجيء المسيح؟!
بقلم س سمعان

المجموعة: 200909