أيار May 2005

المدينة الأولى هي أورشليم الأرضية

المدينة الثانية أثينا القديمة

والمدينة الثالثة هي أورشليم السماوية

"وفيما هو يقترب نظر إلى المدينة وبكى عليها" (لوقا 41:19)

"وبينما بولس ينتظرهما في أثينا احتدت روحه فيه إذ رأى المدينة مملوءة أصناماً" (أعمال 16:17).

 

"أنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروسٍ مزينةٍ لرجلها" (رؤيا 2:21)

المدينة الأولى، أورشليم الأرضية

بكى يسوع عليها لأن أهلها عرفوا لكنهم ما أرادوا.. عرفوا الحق كما أعلنه الأنبياء لكنهم لم يريدوا أن يقبلوه.

المدينة الثانية، أثينا

أهلها أرادوا أن يعبدوا الإله الحقيقي لكنهم لم يعرفوه، فأقاموا تمثالاً لإله مجهول.

المدينة الثالثة، أورشليم السماوية

أهلها عرفوا وأرادوا الحق.. حررهم ومجدهم الحق.

المدينة الأولى

نحن نعلم أن المسيح دخل هذه المدينة هذه المرة ولكنه في دخوله الانتصاري - قبل صلبه بأيام قليلة - نظر إلى المدينة وبكى عليها. لماذا؟

قال: "كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا".. أنتم لم تريدوا... إنه حديث يخرج من قلب المسيح المتألِّم، المحبة التي جُرحت، وأرادت أن تُغدق البركة، وأرادت أن تحمي أولاد هذه المدينة، ولكن المدينة لم تُرِدْ. كان المسيح يرى خطراً روحياً لأهل هذه المدينة إن هم لم يخضعوا للمسيح. فالمدينة ليست وحدها التي ستخرب لكنهم هم سيهلكون، سيموتون موتاً روحياً أبدياً لأن المسيح وحده طريق الخلاص.

وهذه المدينة، أورشليم الأرضية ليست بقعة جغرافية على خريطة هذا العالم، لكنها تمثـِّل قوماً في كل مكان، وفي كل أزمنة هذا التاريخ.. أولئك الذين عرفوا المسيحية لكنهم لم يخضعوا للمسيح رباً ومخلصاً. إن المسيح إذ حذر أورشليم القديمة يحذرنا اليوم قائلاً: ”إنكِ لو علمتِ حتى في يومك هذا ما هو لسلامك.. كم مرة أردت أن أجمع أولادك.. ولم تريدوا!

وهناك الذين عرفوا الحقائق المسيحية لكنهم لم يصدقوها.

ثم هناك الذين عرفوا وصدقوا لكنهم لم يخضعوا، هم يعرفون أن الله قد جاء في المسيح ليخلصهم لكنهم لا يخضعون للمسيح ظناً منهم أنهم إن خضعوا للمسيح فإنه يسلبهم إرادتهم، فالمسيح حين شبّه ملكوته لم يشبهه بمأتم لكنه شبهه بعرس.. المسيحية إن كانت عبودية فهي عبودية أكثر حرية من كل حرية.. العبودية للمسيح هي كل معنى الحرية، المسيحية إن كانت تعطينا قيداً على الخطية فإنما تعطينا انطلاقا لحرية مجد أولاد الله. إنهم عرفوا لكنهم لم يخضعوا.

ثم هناك الذين عرفوا معرفة عقلية لكنهم لم يعرفوا معرفة شخصية اختبارية. كثيرون يعرفون المسيح معرفة تاريخية، إنه عاش منذ ألفي عام، ولد في المذود، جاع، عطش، تعب، صلب، قام، لكن لا علاقة شخصية لهم بهذا الشخص التاريخي. إنه مسيحنا ليس مجرد ذكرى في التاريخ لكنه مسيح كل جيل ومسيح التاريخ كله، هو الإله الحيّ الذي ينبغي أن نعرفه ليس فقط معرفة عقلية وإنما نختبره حياً في حياتنا، غافراً لخطايانا، ساكناً في قلوبنا، وإلا فإننا نكون من سكان أورشليم الأرضية.

ثم هناك الذين عرفوا وصدقوا لكنهم يؤجلون هذا القرار إلى وقت مناسب. ولهذا فهم يحرمون أنفسهم من الحياة السعيدة مع الله المغفورة من كل إثم.

المدينة الثانية

هي أثينا القديمة. نظر بولس إليها واحتدت روحه فيه من أجلها إذ رأى المدينة مملوءة أصناماً، وهي التي تمثل قوماً أرادوا معرفة الحق لكنهم لم يعرفوا الله الحقيقي. فرأى بولس أن هذه الأصنام تعبِّر عن رغبة دفينة عند أهل هذه المدينة أن يعبدوا الله ولكنهم لم يعرفوه.

إن أثينا القديمة ليست مكاناً على خريطة العالم لكنها تمثل بعض الناس في كل مكان.. أولئك الذين يريدون لكنهم لا يعرفون، أولئك الذين يعبدون إلهاً مجهولاً، وبولس حذر قوماً لا يعرفون هذا الإله الحقيقي الحي.

هناك قوم يعبدون إلهاً مجهولاً لا يعرفون عنه شيئاً: هل هو إله محب؟ هل هو قاس؟ وهناك قوم يعبدون أنفسهم، يعبدون أموالهم، مراكزهم. نظر المسيح إلى أورشليم الأرضية وبكى ونظر بولس إلى أثينا القديمة واحتدّت روحه، ترى هل نحن الذين عرفنا الله... هل نبكي على الذين عرفوا ولم يريدوا؟ هل نحزن وتحتد نفوسنا على الذين يريدون لكنهم لا يعرفون؟ أم أننا لا نبالي، إن كنا حقاً عرفنا المسيح الحقيقي فلا بد أن نقول قول إرميا: "يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأبكي نهاراً وليلاً"، هل نبكي على الذين لم يعرفوا المسيح؟ هل نبكي على الذين عرفوه معرفة تاريخية ولم يعرفوه معرفة شخصية؟ هل تحتد نفوسنا على قوم يعبدون آلهة كثيرة لكنهم لا يعرفون الإله الحقيقي؟

المدينة الثالثة

 وأخيراً نأتي إلى أورشليم السماوية، حيث يقطنها قوم عرفوا وأرادوا واختارهم الله، حرّرهم ومجدهم الله. هذه المدينة نظر إليها يوحنا الرائي وتهلل وقال: آمين، تعال أيها الرب يسوع. أورشليم السماوية هي الكنيسة، وهي مسكن الله مع الناس والمدينة السماوية لا تحتاج إلى الشمس ولا القمر لأن مجد الله قد أنارها والخروف سراجها.

قصة المدن الثلاث:

أورشليم الأرضية

بكى عليها يسوع لأن أهلها عرفوا الحق كما أعلن الأنبياء ولكنهم لم يريدوا أن يخضعوا للمسيح.

أثينا القديمة

احتدت نفس بولس عليها وقد امتلأت أصناماً.. أرادوا لكنهم لم يعرفوا.

أورشليم السماوية

يسكنها قوم عرفوا وأرادوا واختبروا وخضعوا ومجَّدهم الله بأن يعيش معهم.

ترى في أي مدن نحن؟ هي دعوة لنا أن نخرج من أورشليم الأرضية وأن نخرج من أثينا القديمة وأن نتهلل بالمسيح الذي أعلن الله لنا ومات عنا وقبلنا وهو يشفع فينا للأبد.

المجموعة: أيار May 2005