تشرين الثاني (نوفمبر) 2005

عندما قال الزوج: ”زواجنا يجب أن ينتهي“... هل يرحل ويتخلى عني وعن أولادنا؟ أود أن أغيِّر مشاعري لكنني لم أستطع!

منذ بضعة سنوات مضت، فوجئت براشد زوجي يقول: ”إن زواجنا لا يمكن أن يستمر على هذه الحال التي وصلنا إليها“، إنه لم يعد يحبني وينوي السفر ليرحل عنا أنا والأولاد. في ذلك اليوم، استمعت إليه وهو يعدد الأخطاء التي كنت دائماً أرتكبها في حقه، منها قائمة بكل الانتقادات التي كنت أوجهها إليه، وعصبيتي الزائدة معه، وغضبي من أبسط الأشياء. لم أستطع وقتها الدفاع عن نفسي، فقد كان على حق!

 

طلبت مراراً من راشد أن يسامحني. وحاولت باجتهاد بالغ أن أغير من مواقفي تجاهه وردود أفعالي نحوه. فقرأت كتباً عن كيفية مساعدة النفس للتغلب على المشكلات والأزمات. وكنت أحاول أن أضبط ثورتي وغضبي، لكن صبري نفد. وفي نهاية الأمر لجأت إلى طلب مساعدة من صديقة تكبرني سناً، وأثق فيها. فحكيت لها عن عادة الغضب التي نمت في داخلي منذ حداثتي.

لكم أمضيت الساعات وأنا أصرخ طالبة من الله تعالى أن يساعدني لكي أتغيَّر وأتخلّص من غضبي وعصبيتي الزائدة. وعلى مدار السنتين التاليتين، تغيّرت بالفعل على نحو مثير يدعو للدهشة. وذلك باعتراف راشد إذ صارحني مرة وقال: ”أنا لم أعد أكرهكِ، ولكني الآن أشعر بأنني لا شيء على الإطلاق. لذلك لا أقدر أن أعدكِ بأن تصبح علاقتنا على ما يرام من حب وتضحية“. فوقعت في حيرة من أمري، ماذا عساي أن أفعل، وراشد مصمم على موقفه، وبهذا الشكل؟ فما أن يحدث شيء جديد في علاقتنا، حتى يرغب هو في إيقاظ مشاعره النافرة تجاهي من جديد. شعرت بأنني وحيدة أكثر من ذي قبل، وأيقنت وقتها أنه لا يوجد معي الآن سوى الله سبحانه وتعالى.

لقد عاتبت نفسي مراراً.. وبكيت كثيراً... وامتلأ ذهني بالكثير من الأفكار السلبية عن زوجي وعن نفسي، وتملّكتني مشاعر الخوف والفزع على أولادي، وبقيت دائماً أنتظر حدوث شيء سيئ. فالحقيقة هي أنه لم يكن لراشد المقدرة على الرحيل، وكذلك لم تكن أمنيتي الحقيقية أن يرحل عنا، لأنني كنت أريد أن أقف أمام الله في يوم الحساب وضميري مستريح بأنني حاولت قدر المستطاع الحفاظ على زواجنا مصاناً.. كذلك كنت أرغب في حماية أولادنا من ألم الانفصال والطلاق! وتصوّرت أنه يمكننا أن نبقي على زواجنا كما هو حتى يكبروا على الأقل. وكنت دائماً قلقة خشية أن يتركني راشد،  وخفت من أن أُهجر أو أن أُهمل. إن العيش مع شخص لم يعد يحبني أو يهتم بي، كان أفضل بكثير من أن أعيش وحيدة. لم أكن أتخيل كيف سأصحو في أي صباح دون أن أجد شخصاً أتكل عليه، وأرتكن إليه مهما كان ذلك يبدو ضعيفاً.

إحساسي دائماً بأنني مواطنة من الدرجة الثانية كان يتزايد في داخلي، لأن زواجنا كان ميتاً وانقطعنا عن الحوار، فلا نتكلم مع بعض مطلقاً. وكنت لا أخفي عن نفسي شعوري بالحسد نحو الزيجات الناجحة التي فيها يتحاور الزوجان طوال الوقت ويعلن كل واحد حبه للآخر. أما راشد وأنا فلم نتحاور أبداً، وكنت أسأل نفسي: كيف سأحيا على هذه الحال؟

في البداية قرأت قصصاً عن زيجات تغير حالها، وتمنيت من كل قلبي أن يحدث هذا التغيير لنا. كنت كل بضعة شهور أسأل راشد ما إذا كانت مشاعره قد عادت نحوي بعد أم لا... وكانت كلماته ترن في أذني: ”كنت أود أن أغير مشاعري، ولكنني لا أستطيع!“

لم أستطع أن أفعل شيئاً سوى الانتظار. في الوقت نفسه تمنيت لو عرفت ماذا أفعل بألمي، وكيف أتخلص منه، وكيف أعيش بدونه... كثيراً ما أغرقت فراشي بالدموع، وكنت أصلي إلى الله حزينة على الحب الذي فقدته، وسألت الله أن يأتي إلى قلبي، ويملأ كياني كله، ويقنع كل خلية فيَّ بأنه حقاً يحبني، وينقذني بعونه من الإحساس بالندم والإشفاق على الذات وعدم قبولي لنفسي. كنت في كل يوم،  أدون شعوري بالغضب على ورقة، وأضع قائمة بكل ما يضايقني من تصرفات زوجي، ثم أصلي من أجل هذه النقاط، وأدعو له بالبركة لأنني فعلاً أحببته وما زلت أحبه! وهكذا بدأت أشعر بمحبة الله لي...

إن هذه الصديقة التي أثق بها، كلما أفضيت لها بغضبي الرهيب تجاه نفسي وزوجي؛ كانت تقدم لي حباً مطلقاً، وبعباراتها الرقيقة وتصرفاتها الحانية كانت تعكس محبة الله الحقيقية. شدتني آية من الإنجيل كانت دائماً ترددها: ”لأن المسيح، إذ كنا بعد ضعفاء، مات في الوقت المعين لأجل الفجار“ (رومية 6:5)، وبدأت أؤمن بأن محبة الله لي عندما كنت أكره نفسي، والعالم، وكل المحيطين بي هي بقدر محبته لي عندما كنت أقوم بالأعمال الصالحة والخيرة الحميدة. وشعرت بأن الله افتقدني لأن المسيح مات عني دافعاً قصاص ذنوبي وأن قيمتي غالية جداً في نظر الله فهو الذي غيّر قلبي.

واجهت الحقيقة، وخفت من أن قلب راشد قد لا يتغير أبداً، ولكن هذا لا يلغي قيمتي الذاتية لأنها مبنية على محبة الله لي التي لا تتغير. وسيمكنني الله من مواجهة الحياة بقية عمري وأتحمّل هذه العلاقة التي لست محبوبة فيها، مع أنه لا يوجد بصيص أمل بأنها ستتحسّن. فمن وقت لآخر، كنت أعود بتفكيري إلى الوراء وأؤكد لنفسي بأنني أستحق شيئاً أفضل، ولكنني بعد ذلك أسلم أمر زواجي ثانية إلى الله وأضعه بين يديه. وأدركت أن كل التغييرات التي حدثت لي عندما أعترف لله بغضبي وثورتي ووحدتي، قد أفادتني كثيراً في كل مجالات الحياة. فكتبتها بخط واضح وكبير: ”لقد تغيرت ليس إرضاء لزوجي بل لك أنت يا إلهي وربي. فحتى ولو لم يتغير زوجي أبداً، سأظل سعيدة بأنني تغيرت وأصبحت قريبة منك“. وإذ شعرت ”بالرفقة الإلهية“ معي وجدت فرحاً وسروراً في العطاء وبدون أي محاولة مني لتغيير قلب راشد، أو أن أفرض عليه أن يحبني. لقد كانت تجربة كبيرة!

جلست في غرفة ”الانتظار“ هذه عدة سنوات. نعم، في هذه الفترة الطويلة من الجفاف، ساعد راشد وأنا كل واحد منا الآخر، واحترم كل واحد منا الآخر، وأحببنا أصدقاءنا وجيراننا. والآن أنا مستوعبة الحقيقة بأن زواجي على حالته هذه لن يمنعني من أداء واجباتي الاجتماعية تجاه الآخرين، وحبي لهم، وتقديم المساعدة لمن هو في احتياج.

أفسحت هذه السنوات مجالاً لراشد لكي يغير مشاعره تجاهي، ووصلنا إلى نقطة المصالحة بسلاسة وسهولة، لدرجة أنني لم أعرف أنها تحدث بالفعل. وفي ذات يوم قال لي راشد في مكالمة هاتفية: ”أحبك“!!! فاندهشت لدرجة أنني سألته: ”هل أنت متأكد؟.

إن قصتي هذه رغم كل ما حدث فيها لا يمكن اختصارها بأي معادلة. فلم تكن رغبتي في الانتظار لتصحيح علاقتنا هي الطريقة لكسب عودة حب زوجي لي، وفي كل هذه السنوات لم يكن لسان حالي هو ”أن أفعل كل ما يرضي الله حتى يصلح أمر زواجي“، كأنني أقدّم شيئاً وأنتظر شيئاً آخر مقابله. في وقتها، كان من الممكن أن تسير الأمور بالعكس. لم يكن في استطاعة راشد أن يعطيني الاهتمام الدائم الذي كنت أحتاج إليه؛ لم يستطع إقناعي بأنني ذات قيمة! لم يستطع أن يمحو أخطائي. الله وحده هو الذي يمكنه أن يغيرني. وهو وحده الذي استطاع أن يهبني قلباً جديداً عندما آمنت بالرب يسوع المسيح مخلصاً لحياتي. وفي صعوبات هذه الحياة، أجد الشجاعة لمواجهة تحديات كل يوم، لأنني الآن أومن بأن الله يحبني دائماً مهما كان الأمر.

المجموعة: تشرين الثاني November 2005