أيلول (سبتمبر) 2005

لم أكن أحلم يوماً قط أن تصبح جامعتي University of California — Hasting School of Law في مدينة سان فرانسيسكو التي أدرس فيها، المحكَّ الفعلي الذي سيبلورُ إيمانيَ المسيحي ويجعلُ مني فتاةً أفضل وأكثرَ نضجاً وفهماً روحياً. لذا فإنَّني أشعرُ أنني مَدينةٌ بالحق لجامعتي، وبالذات لكليةِ الحقوق التي أدرس فيها سنتي الثانية.

 

ففي بداية سنتي الجامعية الثانية في أيلول سبتمبر عام 2004 قررتِ الجمعيةُ المسيحية في هذه الجامعة Hasting Christian Fellowship (HCF)  الانضمام تحت لواء الجمعية المسيحية القانونية في الولايات المتحدة National Christian Legal Society (CLS) .لكننَّي مثل باقي الإخوة الأعضاء في الجمعية، لم أكن أعلم يوماً أنَّ الطموح غالباً ما يؤدي وبشكل مباشر إلى معركةٍ قانونية. فدستور (CLS) الذي قُمنا بالتوقيع عليه وتقديمه إلى إدارة الجامعة لم يكن على وفاقٍ مع سياسة عدم التمييز التي تتبنَّاها الجامعة، لذلك فلقد رُفض طلبُنا من قِبل الإدارة.  فسياسة الجامعة هي أن  تمنع أياً كان من التمييز بين الطلاب على أساس الانتماءات الدينية وأسلوب الحياة الجنسية المتَّبع للأفراد.

قد تبدو هذه السياسة لأول وهلةٍ جيدة وسليمة، لا بل عظيمة. لكن إذا قمنا بتبنِّيها وتطبيقِها في الجمعية، فإنَّنا سرعانَ ما سنجد أن إدارة HCF نفسها ستصبح مكتوفةَ الأيدي في شأن اختيار قادة مكرّسين للرب يعيشون قولاً وفعلاً بحسب تعليم الكتاب المقدس ودون أيةِ مساومة. وبالإضافة إلى ذلك ستمنع سياسة الجامعة هذه، الجمعيةَ أيضاً من مطالبةِ الطلاب الذين يبغون الانضمام إليها من التوقيع والموافقة على قانون إيمانها المسيحي الذي لا يتوافق معها.

وعليه قمنا في بحثٍ معمَّق لسياسة الجامعة، فوجدنا أنه لا يمكننا أن نوقِّع على سياسةٍ آملين ألاَّ تُستخدم ضدنا. وكذلك فإن التوقيع عليها - ونحن نعلم علم اليقين أننا لن نقوم بتطبيقها - كان ضرباً من المُحال. لذا ففكّرت في داخلي  - ولكي نتلافى أيَّ صراع - أنَّه ليس أمامنا من حلّ سوى أن نبقى كما نحن جمعية مسيحية طلابية غير مسجلة. لكننا لم نُردْ أن نساوم على إيماننا. وفي نفس الوقت راودني السؤال: ما هي النتائج التي ستتأتى على جمعيتنا HCF إذا ما رفعنا دعوى قضائية ضد الجامعة بسبب رفضها للدستور المسيحي الذي نود اتِّباعه؟ وكيف سينظر الطلاب إلى المسيح، والمسيحيين، والمسيحية؟ ثم هل أقدر أن أحتمل الضغط الجسدي والنفسي والروحي الذي سيرافق هذه الدعوى القضائية؟ مع أنَّ تجنُّب الصراع يبدو لي أسلمَ حل، لكنني لم ولن أشعر في سلام في داخلي إذا ما تناسيت أو تجاهلت دعوة الرب لي: مَن أرسل ومن يذهب من أجلنا؟ (إشعياء 6: 8).

لكنَّ القصة الحقيقية ليست هي القانون، أو عبارة "عدم التمييز". لا، ليست هي أيضاً إدارة الجمعية المسيحية HCF. بل القصة الحقيقية من وراء كل ذلك هي: هل أثق أنا كطالبة مؤمنة  بالله بأنه سيحقِّق لي مواعيده؟ هنا يكمنُ بيتُ القصيد. لأنه لو أردتُ أن أقيمَ دعوى قضائية ضد الجامعة التي أدرس فيها أنا نفسي القانون، فهذا معناه وبشكل واضح أنها طريقة سريعة في القضاء على مستقبلي كمحامية، واحتمال ضربة كبيرة لعلاماتي، وتراجعٌ ملحوظ في عدد الطلاب الذين يحضرون اجتماعات هذه الجمعية. وبالطبع فليس واحد من هذه الاحتمالات بعيداً عن الواقع. لكنني على وجه السرعة تعلمتُ أن خضوعي الكامل للرب وسماعي لصوته هو الطريق الوحيد للنجاح. لأن أيَّ اهتمام آخر سيستحوذ على كياني سيكون نابعاً من الفكرة بأنني أنا المسيطرة (وليس الله) على حياتي ومستقبلي، ومَن سيحضر اجتماعات هذه الجمعية، بدلَ أن أهتم بجلب النفوس المحتاجة إلى معرفة الرب.

أنا بطبيعتي أتجنَّب الصراعات. وأنا والصراع على طرفَي نقيض. فإذا ظهر لي من هنا فتراني أهرب إلى هناك. فهل يُغفل على الله الكليِّ المعرفة أنني لست أهلاً لهذا الأمر؟ أما الرب فلقد رأى ما هو أبعد من خوفي من الصراعات ومن عجزي. لقد رأى قلبي. لقد كان يعلم بالطبع أنني كنت أصلي بحرارة من أجل طلاب صفي وأقول: "يا رب، امنحني فقط فرصة لكي أخدمك في هذه الجامعة." مع كل ذلك، لم أكن أدرك بعد، كيف يمكنني أن أكون شاهدة أمينة للمسيح من خلال رفع دعوى ضد الجامعة؟

علمت أن الرب سيعمل في قلبي أولاً وأنَّ اتِّباعه سيتطلَّب مني الكثير. قلقت كما قلق إشعياء النبي ، فلو تخلَّيت عن الدعوة فلسوفَ أبقى بين أناس لن يسمعوا أو يؤمنوا بالحق. وعدتُ لأتساءل من جديد :"هل نسي الله أنني لازلت طالبة حقوق!!" على الرغم من كل هذا، كنت أعلم بداخلي أن طريق الرب وحده هو الذي سيثمر خلاصاً للبشر وأن من خلاله وحده سيكون هناك فداء وبركة أكيدة (إشعياء 55: 8- 56: 1). وبقي السؤال: "إذا لم أكن أنا، فمن إذن؟" يرن في أذني. وحدث بعد ذلك شقاقٌ وتفاوتٌ في الآراء بين أعضاء الجمعية HCF وطلاب السنة الثالثة في الكلية. كانوا أكثر صلابة وعناداً من رفاقي حتى أنهم قالوا إن دعوى قضائية كهذه ضد الجامعة سوف تقضي على كل فرصة متاحة لنا للشهادة عن المسيح.  ولبعض الوقت ظهر وكأنَّ الجمعية ككل لن تصمد طويلاً. وبدا الصراع الداخلي بين الأعضاء في الجمعية، والصراع الخارجي مع الجامعة نفسها شيئاً صعباً للغاية. لكنني في تلك الأشهر القليلة منحني الرب لمحة بسيطة عن عظمة قدرته وحقيقة شخصه.

ولمَّا علم طلاب الجامعة عن الدعوى التي قمنا بتقديمها، اصطفَّ جميعُهم صفاً واحداً مع الإدارة لكي يعترضوا ضدَّنا. لكن وبتدبيرٍ إلهي عجيب، كنا نحن القادة في الجمعية المسيحية HCF نحضر مؤتمراً مع المؤسسة المسيحية الكبرى التي نودّ الانخراط تحت لوائها CLS. وهناك تلقَّينا المزيد من التعليمات والتشجيع والإرشادات. وبعدما عدنا من المؤتمر دوَّنتُ في صفحة مذكراتي هذه الكلمات:

"لقد عمل الرب عملاً عظيماً في حياتي. عدت للتو من المؤتمر العام الذي تم بترتيب عجيب من الرب والذي ساعدني لأوفِّق بين واجباتي الدراسية وتوقي الجامح للعبادة والشركة الأخوية. عندها أدركت أكثر من السابق أننا نحتاج أن نكون أقوياء روحياً، وأنه ينبغي أن نصلي ونصوم يومياً ونحن نخوض هذه المعركة. كان من الممكن أن أخاف، وأقلق، لا بل أرتعب. لكنني على العكس من ذلك، فإنَّي أشعر الآن بقوة في داخلي، وبجرأة في حنايا قلبي. يا رب - قلت في نفسي - لو بقيت دون هذا الدعم الذي تلقيته في المؤتمر في هذا الوقت بالذات، لكنت أخور. أشكرك على هذه المؤسسة المسيحية التي ترفع اسمك عالياً. أرجوك أن تباركهم."

لكن إثر عودتي فوجئت أنَّ وضع الطلاب في الجامعة قد خرج عن حدِّه. لأنني كنت قد رجوت بأن الدعوى القضائية ستمنحنا فرصة لكي نشارك إيماننا ونفتح حوارا بنّاء معهم. لكن الذي حدث هو العكس تماماً. وعلى الرغم من كل ذلك عدت وذكَّرت نفسي بأنه علينا أن نعيش بحسب وصايا الله . وأن المعركة ليست معركتنا نحن بل هي للرب. ومن طبيعة الله أنه يريد أن نجلب المجد كل المجد له وحده. وليس عليّ إلا أن أخضع لإرادته (إشعياء 42: 8 ومزمور 46: 10).

وهكذا بدأنا نحن الباقين من قادة الجمعية المسيحية في الجامعة HCF، والآن أصبحنا جزءا من CLS، بقينا نقضي وقتا في الصلاة والصوم. وصلينا يوميا من أجل الطلاب الذين تظاهروا ضدنا. وكذلك صلينا من أجل بعضنا البعض ومن أجل أنفسنا أيضا حتى نتقوى وننمو في حياتنا وعلاقتنا مع يسوع المسيح. وعدنا واكتشفنا أنه عندما نتَّخذ موقفا صامداً من أجل المسيح، فإن البركات لا بدَّ أن تنهمر. وبدأت الجمعية تنمو روحيا وعدديا. وتعهَّدنا أن نصلي من أجل الطلاب في الصف مع بداية كل درس. ومع أننا كنا نبدو أحيانا صامتين خوفاً، إلا أننا من خلال الصلاة المرفوعة استطعنا أن نهيئ لعمل روحي في حصاد الرب.

وفي خلال هذه السنة فاض كأسي ببركات الرب التي لا يمكن أن أحصيها. فلقد سمع الرب للكثير من صلواتي حتى إن اهتمامي الكبير لم يعد الدعوى القضائية ضد الجامعة، بل أن أحصي البركات التي باركني بها الرب وشعرت بعجزي عن شكره وامتنانه. وعلى الرغم من أنني في بعض الأحيان كنت أحس وكأنني ألتقط أنفاسي، إلا أنني تقويت وشعرت بعمل روح الرب في داخلي بطريقة لم أعهدها من قبل. وأشهد أنه لولا نعمته الغنية لما استطعت أن أنجز دراستي ولما اختبرت يد الرب في قيادة مستقبلي. بينما كنت أنا غارقة في القضية، كان أترابي في الصف يدرسون ويجدُّون. فشعرت أنني مقصِّرة. كان جلُُّّ تفكيري مركَّزا على الرب، وكنت أعلم أنني لو حوَّلت نظري عنه لكنت سأُسحق من قبل الآخرين. ولما شرعت في التفتيش على عملٍ في وقت الصيف،  كنت أعلم تماماً أن يد الرب عليّ. وأذكر في إحدى عطل نهاية الأسبوع بينما كنت أقضي وقتا في الصلاة والتضرع عند أقدام الصليب صليت وقلت: "يا رب أنت تعرف المعركة التي هي أمامي وأنت تعرف أيضا مستقبلي. افتح أمامي باباً أستطيع من خلاله أن أمجد اسمك، وأجعله منسجماً مع مشيئتك." وبطريقة معجزية استجاب الرب لدعوتي وجاءني الجواب يوم الاثنين. فلقد دُعيت لأداء مقابلة مع أحد مكاتب المحاماة في بيكرزفيلد، وكان الشريك الإداري فيه هو أحد الأعضاء المؤسسين السابقين للجمعية المسيحية في الجامعة نفسها HCF. أليس هذا عجيباً؟ كما دُعيت أيضاً لكي أكون المرشدة Mentor لصف Blackstone Fellowship — Class 2005 الذي كنت أنا فيه طالبة Intern حيث تدرَّبت في الصيف الماضي في أريزونا .

الدعوى القضائية لا تزال في مراحلها الأولى. ولقد دُعيت في (يوليو) تموز 2005 لأداء الشهادة أمام القضاء ليس كمحامية بل كشاهدة أمينة للرب، وكلمته ووصاياه. أرجو متابعة الصلاة من أجل الجمعية المسيحية HCF حتى تبقى أمينة للحق وكذا المؤسسة المسيحية العامة في كل الولايات CLS. نعم إن الله مسيطر فعلاً. فقط توقَّف قليلا وتأمل في ذلك. لأنه ”إن كان الله معنا فمن علينا!... من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟ لأنه في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" (رومية 31:8 و 37 و 39).

أنا أعلم تماما أننا لم نخترْ الطريق السهل، كلاَّ أبداً، بل اخترنا طريق الرب. وهو قادر أن يقودنا على الرغم من المصاعب التي ستواجهنا. لهذا فلقد أحببتُ أن أشارك هذا الدرس الذي تعلَّمته أنا وأصدقائي في الجمعية المسيحية وهو ألاَّ نستخفَّ يوماً بمخلصنا، الرب يسوع المسيح الذي نخدمه معاً، لأنه بالحق وحده الإله الحي والقدير والجباّر.

دينة سمير حداد

طالبة الحقوق في جامعة كاليفورنيا 

سان فرانسيسكو

المجموعة: أيلول September 2005