نيسان (إبريل) 2006

"فجاء يسوع والأبواب مغلّقة، ووقف في الوسط وقال سلام لكم" (يوحنا 26:20).

ما أكثر المغاليق التي قهرها!

ففي ميلاده قهر النواميس الطبيعية!

وفي صباه قهر مغاليق الطفولة الفكرية!

 

وفي رجولته حطم مغاليق الأدواء المستعصية! وفي تواضعه وتجسده كسر مغاليق الفوارق الطبقية! وفي تعاليمه زلزل مغاليق الديانة الصورية! وفي قيامته المجيدة ظفر بمغاليق السلطة الرومانية بل والموت والهاوية!

فهل يبدو غريباً أن يأتي المسيح إلى تلاميذه والأبواب مغلقة.. فيقهر مغاليق تلك العلية؟!

أجل.. جاء يسوع والأبواب مغلّقة.. والمقصود بها تلك الأبواب التي أغلقها التلاميذ على أنفسهم بسبب الخوف من اليهود.

والقول: "مغلّقة".. ليس مجرد "مغلقة" يفيد أن تلاميذ المسيح قد أحكموا إغلاقها تماماً. هل جاءوا بمغاليق إضافية.. غير تلك التي كانت من قبل؟! ثم هل كانت هذه المغاليق خشبية، أم حديدية، أم نحاسية؟ ثم هل أتوا بأثاث المكان ووضعوه خلف الأبواب؟! ثم كم عدد الأبواب التي أغلقوها؟ وفي أية غرفة من الغرف الداخلية كانوا يحتمون ويتحصّنون؟!

كل هذا لا يهم.. فالمهم أن مسيحهم الحي، الذي حطم مغاليق القبر والموت جاء وظفر بكل هذه المغاليق جميعاً! فهل تندهشون وتتحيرون وتتعجبون لذلك؟

لا تندهشوا، ولا تتحيروا ولا تتعجبوا.. فلم تكن تلك هي كل المغاليق التي قهرها في عشية ذلك اليوم الأغرّ... بل لقد قهر مغاليق أقوى وأعتى... مغاليق أشرّ وأمرّ... لا يمكن أن تُحسب تلك المغاليق خشبية كانت أم حديدية أو نحاسية إلاّ صورة باهتة لها!!

هل أذكر لكم بعضاً منها؟

إنها مغاليق النكران الأثيم، بل هي مغاليق الشك الذميم.. بل هي مغاليق الجهل العظيم!

1- إنها مغاليق النكران الأثيم

وفي الحقيقة لو لم تكن هناك أية مغاليق على الإطلاق تعطل مجيئه إليهم، لكانت هذه المغاليق في ذاتها أكثر من أن تكفي!!

تفكروا في هؤلاء التلاميذ الذين كانوا نكرة القوم، فصيّر منهم الصفوة المنتقاة.. كانوا مجموعة من صيادي الجليل، فجعلهم غرة في جبين التاريخ. تذكروا ما عمله أمامهم.. وما عمله لأجلهم.. بل وما عمله بهم..

ثم استمعوا إلى وعودهم وعهودهم.. إلى ما قاله كبيرهم: وإن شك فيك الجميع فأنا لا أشك.. إن أنكرك الكل فأنا لا أنكرك.. إن اضطررت أن أمضي معك حتى إلى السجن بل إلى الموت!!

يقول الكتاب: وهكذا أيضاً قال بقية التلاميذ.. فماذا حدث عندما جاء الأعداء ليلقوا القبض عليه؟!

الجواب: حينئذ تركه جميع التلاميذ وهربوا! أما كبيرهم.. أما زعيمهم فقد أنكره أمام جارية.. فتحققت بذلك نبوة سيده: "الحق أقول لك إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات".

يا للعجب.. وبعد ذلك يجيء إليهم.. ثم ينظر في وجوههم ثم يتعامل معهم بالحب والرحمة والحنان!

أبهتي أيتها السموات واقشعري أيتها الأرض!!

2- بل هي مغاليق الشك الذميم

هل تذكرون مواعيده الأمينة لهم قبل الصليب؟ هل تذكرون قوله القاطع الساطع؟ إنه سيقوم من الأموات.. هل تذكرون ما قاله لليهود أمامهم "انقضوا هذا الهيكل  (هيكل جسده) وأنا في ثلاثة أيام أقيمه“؟

هل تذكرون قوله: "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً"؟

لكن ماذا كان منهم؟ المدهش أن الشك لم يملأ قلوبهم عند الصليب وبعده فقط.. بل إن بقايا الشك كانت تُعشش في عقولهم حتى بعد القيامة.. وبعد أن رأوه جسماً ولحماً وعظماً بينهم!!

يخبرنا البشير متى قائلاً: "ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكوا" (متى 17:28). كما ظل أحدهم على شكه أسبوعاً كاملاً.. بعد سماعه بأمر قيامته!

أما هو.. وهو العالم بخبايا القلوب الكاشف لكل ما فيهم من مثالب وعيوب، فإنه يأتي إليهم شافياً لضعفهم.. مبدداً لخوفهم.. متغاضياً عن كل اهتزازات إيمانهم وشكهم!!

أجل.. لقد جاء قاهراً لمغاليق النكران الأثيم، ومغاليق الشك الذميم.

3- مغاليق الجهل العظيم

ويا له من جهل!!

هل كانوا يتصورون أن سيدهم لا يقوم.. أن ربّ الحياة.. ومانح الحياة.. وحياة الحياة لا يقوم!!

الذي صنع المعجزات وأقام الأموات، وأعلن سلطانه على الموت والحياة.. لا يقوم؟

"الذي به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا 3:1)؛ وهو "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته"
(عبرانيين 3:1).

الذي قال: "من آمن بي ولو مات فسيحيا. وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد" (يوحنا 25:11).

هل كانوا يتصورون أنه سيقوم؟!

ذاك الذي أسكت الرياح الثائرة، وأبكم الأمواج بكلمة أمره، وزلزل مملكة الشياطين بقدرة قادرة، هل كان من الممكن أن مثل هذا لا يقوم؟!

حقاً.. ما أرهب المغاليق التي قهرها.

لكن هل نتحدث عن المغاليق التي قهرها، ولا نتحدث عن البركات التي أحضرها، والمعاني الجليلة التي أظهرها؟ أما البركات التي أحضرها فما أكثرها!!!

هل أتحدث عن السلام والطمأنينة؟ أم أتحدث عن الدليل والبرهان؟ أم أتحدث عن القوة والسلطان؟

أما المعاني التي أظهرها فما أكبرها!

فهاك قوة الحب، وهاك قيمة الفرد، وهاك أمانة الوعد، وهاك قدسية الأحد، وهاك حتمية انتصار الحق على مستوى الزمن والأبد.. و.. و.. ولا نهاية!!

سيدي وإلهي.. ليتك تقهر كل شك في حياتي.. وليتك تُعينني على مخاوفي وضعفاتي.. وليتك تضمن سلامي ونصرتي وثباتي..

اسمعني يا سيدي فليس لي غيرك، أرفع إليك صلاتي..

ولك يا رب المجد كل شكر وحمد من الآن وإلى الأبد آمين.

المجموعة: 200604