آب (أغسطس) 2006

بغضّ النظر عن المكان الذي نحن فيه، أو العصر الذي نعيش فيه، فإن هذا السؤال كثيراً ما يطفو على السطح. وفي أحوال كثيرة يكون الهدف منه هو محاولة إعفاء أولئك الذين لم يسمعوا عن المسيح من أية مسؤولية شخصية نحو الله.

 

لمواجهة هذا السؤال ينبغي أن نقرر بعض الحقائق من كلمة الله. إن الكتاب المقدس يوضّح بكل صراحة أنه لا يمكن لأحد أن يأتي إلى الله إلا عن طريق الرب يسوع المسيح. قال السيد المسيح: ”أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي“ (يوحنا 6:14). إن الأساس الوحيد لغفران الخطية والحياة الأبدية هو الطريق الذي صنعه الرب يسوع. ويعتقد البعض أن هذا يستلزم أن أولئك الذين لم يسمعوا سوف يدانون بطريقة أوتوماتيكية، إلا أننا في الواقع لا نعلم إن كان الأمر هكذا على وجه اليقين.

ومع أن الكتب المقدسة لا تعلّم صراحة عن مصير أي شخص لم يسمع إطلاقاً عن الرب يسوع المسيح وعن إمكانية خلاصه، إلا أننا نؤمن أن كل شخص قد أعطى له الرب فرصة لكي يتوب، ولا يستثنى من ذلك أي إنسان، لا لسبب إلا لأنه وُلد في المكان غير المناسب، أو في العصر غير المناسب. قال يسوع: إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم، هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي“ (يوحنا 17:7).

كما أن الكتاب يعلن أن الإنسان بلا عذر، ”إذ معرفة الله ظاهرة فيهم، لأن الله أظهرها لهم. لأن أموره غير المنظورة تـُرى منذ خلق العالم مُدرَكة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته، حتى إنهم بلا عذر“ (رومية 19:1-20).

كل الجنس البشري يستطيع أن يدرك أنه يوجد خالق، والخليقة خير شاهد لذلك، وهي تشهد لكل البشر من مختلف الأجناس. ومع أنه قد يتوافر لدى الناس معلومات كافية عن وجود الله، إلا أنهم باختيارهم قد يجهلون أمور الله لأن قلوبهم شريرة.

يقول الكتاب أن غير المؤمنين ”يحجزون الحق بالإثم“ (رومية 18:1)، ولذلك فإن الإنسان عوض أن يسعى لكي يطلب الرب، فإنه يهرب من وجه الرب. ويقول الرسول: ”ليس من يفهم. ليس من يطلب الله“ (رومية 11:3). لذا نستطيع أن نقول إن الله لا يمكن أن يرفض تبليغ كلمته إلى أي إنسان يبحث بإخلاص عن الحق.

ونحن أيضاً نعلم أن الله لا يشاء أن يهلك إناس، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة (2بطرس 9:3). وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن الله يهتم بأولئك الذين لم يسمعوا الإنجيل، وقد أثبت ذلك بإرسال ابنه ليموت بدلاً عنهم، لأنه ”ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا“ (رومية 8:5).

الكتاب يعلّمنا أن الله سوف يدين العالم بالعدل والبرّ، ”لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل“ (أعمال 31:17). وهذا يعني أنه حينما تنكشف كل الحقائق فإن اسم الله سوف يتبرّر، فلا يمكن لأي إنسان أن يتهمه بالظلم.

ومع أننا لا نعرف بالتحديد كيف سيتعامل الله مع أولئك الذين لم يسمعوا، إلا أننا نعلم أن دينونته ستكون عادلة. ولعلّ هذه الحقيقة تقنع كل من يتساءل عن موقف الله من الذين لم يسمعوا.

يشهد الكتاب على أن هناك من سيطلبون الرب، ويتجاوبون مع دعوته من كل شعوب الأرض: ”لأنك ذُبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة“ (رؤيا 9:5).

ويعطي الكتاب مثالاً عن إنسان كان في موقف مخالف لموقف الكثيرين اليوم، رجل اسمه كرنيليوس كان تقياً ويصلي إلى الله في كل حين، ولكنه لم يكن قد سمع عن الرب يسوع المسيح، إلا أنه كان يطلب بإخلاص أن يُظهر الله ذاته له. ولقد استجاب الله لصلاة كرنيليوس، وأرسل إليه الرسول بطرس ليقدّم له الرب يسوع المسيح. وحينما بشّره بطرس، وضع كرنيليوس ثقته في شخص الرب يسوع المسيح. إن هذا المثل يبيّن أن أي إنسان يشتاق لأن يعرف الله لا بدّ أن يعرفه عن طريق الرب يسوع المسيح.

يوجد الكثيرون اليوم مثل كرنيليوس، فهم يصلّون نفس الصلاة، ويريدون أن يعرفوا الإله الحي الحقيقي، وقد وصلوا فعلاً إلى هذه المعرفة بغضّ النظر عن المكان الذي يعيشون فيه. وقد أعلن سمعان بطرس ”أن الله لا يقبل بالوجوه، بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده“ (أعمال 34:10-35).

وهناك أمثلة أخرى في الكتاب المقدس عن أناس قبلهم الرب مع أن معرفتهم به كانت محدودة للغاية.

راحاب الزانية كانت لها المعرفة الضئيلة جداً عن الله، ولكن الكتاب يتحدّث عن إيمانها، وامتدح أعمالها (يشوع 9:2؛ عبرانيين 31:11).

نعمان السرياني مُنح سلاماً مع الله لأنه مارس الإيمان، مع أنه كان يعيش في بيئة وثنية (2ملوك 15:5-19).

يونان النبي أُرسل إلى نينوى حيث المجتمع الوثني، إلا أنهم تابوا بمناداته (يونان 5:3).

سوف لا يدان أحد لم يسمع إطلاقاً عن الرب يسوع المسيح، ولكن سوف يدان كل من دنّس ناموسه الأدبي، ”لأن الأمم الذين ليس عندهم ناموس متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس فهؤلاء إذ ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم. الذين يظهرون عمل الناموس مكتوباً في قلوبهم، شاهداً أيضاً ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة. في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس حسب إنجيلي بيسوع المسيح“ (رومية 14:2-16).

وبناء على ما سبق من الأمثلة من الكتاب المقدس يمكننا أن نقول أن الله سوف يدين المسكونة بالعدل، ولا يمكن لأي إنسان أن يدّعي غير ذلك. والذين يسألون هذا السؤال ينبغي أن يكونوا حريصين ألا يستخدموا هذا الأمر كمبرّر لعدم إتيانهم إلى المسيح وإيمانهم به.

إن ما تعتقد أنه سوف يحدث أو سوف لا يحدث لأي شخص آخر، لا يعفيك أنت شخصياً من مسؤوليتك أمام الله في يوم الدينونة. ومع أننا قد لا نكون قادرين أن نجيب عن موقف الله بالنسبة لأولئك الذين لم يسمعوا إجابة ترضي كل واحد، إلا أنه توجد أمور معينة قد أوضحها الكتاب تماماً.

قال أحد المفكّرين: ”هناك أشياء كثيرة في الكتاب قد لا أفهمها، وهناك أشياء كثيرة أعتقد أنني أفهمها، ولكن توجد أشياء أكثر لا يمكن أن أسيء فهمها، إنها في غاية الوضوح حتى لا يمكنني إلا أن أؤمن بها“.

المجموعة: آب August 2006