شباط (فبراير) 2006

لكَمْ أضحكني ذلك المشهدُ الملتقطُ بعدسة جهاز التصوير للفيديو والذي عرضه الرائي (التلفزيون) مؤخراً في برنامج "الفيديو الأكثر إضحاكاً في أميركا" America’s Funniest Videos. كان المشهدُ لولدٍ صغير يبكي كثيراً حين يرى ظلَّه يتحرك مثلَهُ. وكان كلَّما رأى ظلَّه يرتعب ويحاول الفرارَ منه، فيقعُ تارةً ويقومُ أخرى ممَّا جعله يزداد بكاءً وصراخاً. ولقد ربح الوالدان مبلغاً كبيراً من المال كجائزة لالتقاط هذا المشهد الذي أضحك الحاضرين والمشاهدين معاً.

 

هذا على صعيد التفكير الطفولي، لكن هل اجْتذبكَ قارئي يوماً مشهد دجاجةٍ تظلِّل فراخَها بجناحيها؟ أم هل أُخذتِ قارئتي بمنظر طفلٍ صغير مستسلمٍ للكَرى في حضن أمه الحنون وهو محاطٌ بذراعيها ويشعر بالأمان التام؟  أم هل شهدْتَ مرةً يا صديقي منظرَ نسرٍ وهو يهزُّ عشَّ أولاده الصغار كيما يرغمُهم على التعلُّم على الطيران واستخدام أجنحتهم الليِّنة؟ وحين يفعلون ويبدأون بالتحليق بمفردهم نراه يهبُّ لمساعدة مَنْ بدأ منهم بالسقوط. فيرفعُه على جناحيه القويَّين مسرعاً به إلى العلاء، ومن بعدِ ذلك إلى عشِّ الأمان والراحة من جديد. 

مناظرُ جميلة وأخَّاذة تسحَرُ الألباب وتجعل الواحد منا يتعجَّب من هذه الخليقة التي حبانا إياها الله لنتمتعَ فيها ونكشفَ أسرارها، ونتعلَّم من خفاياها. لكن، أليست الطبيعةُ تعكسُ صورةَ خالقِها المنَّان والمنعمِ الجوَّاد؟ بالطبع نعم. فكلُّ ما في الخليقة يعبِّر عن الخالق المبدع العظيم. ولسنا نحن بمَعزلٍ عن ذلك البتة، لأنَّه خلقنا على صورته ومثاله. فنحن ننتمي إليه، ونعيش تحت ظلِّه، وفي كَنَفِه، ونتمتّع بنعمته، ومحبته، وحنانه، وعطفه، إذا كنا حقاً على علاقة معه تعالى وفي شركةٍ حية نجني خلالها كلَّ بركاتِ الانتماءِ إليه، التي لا تعدُّ ولا تُحصى. فهل تنتمي أخي، أختي، إلى عائلة بيتِ الله المقدسة؟

 بعثت لي قريبتي العزيزة في رسالتها الإلكترونية معلّقةً، بعد أن أنهت صف تعليم الصغار في الحي الذي تقطنه في إحدى ضواحي شيكاغو، بهذه الكلمات: "ما أعظم هذا الامتياز الذي منحنا إياه الرب أن نشارك الأولاد الصغار عن محبة الله العظيمة. لأن مهما كانت حال الإنسان في هذا العالم، فإنها تظلُّ تُعتبر قمةَ البؤس والشقاء إذا ما قورنت بحياة المؤمن الحقيقي والأمان والاستقرار اللذين يتمتع بهما،  وبالسعادة  الأبدية التي ينتظرها حين يراه وجها لوجه." بالحق لكم أصابت قريبتي في كلامها هذا. الأمان وطمأنينة القلب، أوليس هذان ما يفتش عنهما الكثيرون خاصة مع بداية عام جديد؟ لَكَم كثُر التكلمُ في التلفزيون والجلسات الخاصة عن تنبؤات عام ألفين وستة. والتقى مقدِّمو الحلقات التلفزيونية العديد من قُرَّاء الكف، والمبصِّرين، والمنجِّمين عساهم يجدون عندهم الأجوبة التي تشفي غليلَ فضولهم الكبير في مطلع سنة أخرى. فقالوا: ترى ماذا تحمل هذه  السنة من أحداث هامة؟ ومن سيُقتل من الرؤساء؟ ومَن سيُنصَّب؟ ومَنْ سوف ينجح في عمله؟ ومَن سيصل إلى قمة الشهرة؟ ومَنْ سيجد العريس المناسب؟ ومَنْ ستُطلَّق من نجوم هوليوود؟ وما إلى ذلك من حبّ الفضول والاستطلاع لمعرفة الغيب والمستقبل المجهول. ثم ازدادت الأسئلة لتشمل الحال في العالم اليوم. فقالوا: هل سننعم بالسلام في عالمنا بعد هذه الحروب والفوضى اللتين تعمَّانه؟ هذه أسئلة لا يزال الإنسان يطرحها على قارئي الأبراج ومدّعي المعرفة. ويبقى الإنسان متعلِّقا بحبالٍ واهية عساه يصل من خلالها إلى بَرِّ الأمان وشاطئ السلام. أما الأمان والسلام فهما يبدوان بعيدَي المنال ومستحيلَي التحقيق في عالم البشر.  

ذكَّرني كلُّ هذا بما قرأته يوماً عن وعدٍ هام قام به أحد مكاتب التحقيقات في فلوريدا. والوعد هو بأن المكتب سيعمل جاهداً على إرجاع الشعور بالأمان والاستقرار اللَّذين تستحقُّهما العائلة. وأنتَ، هل وجدت المكان السرِّي الذي تشعر فيه بالطمأنينة، يا قارئي؟ لقد كتب صاحب المزامير في الكتاب المقدس الثمين، وبالذات في المزمور الحادي والتسعين مَسوقاً بالروح القدس، هذه الكلمات المعبرة التي تبيِّن لنا أنه قد وَجد حقاً هذا المكان الذي يحظى فيه بالسلام والأمان فقال: "الساكنُ في ستر العلي في ظل القدير يبيت." فالظل يؤمِّن للإنسان الحماية من حرِّ الشمس المباشر. فإذا كانت الشمس محرقةً فإنَّ الظلَّ يخفِّفُ من وطأة الحرِّ الذي نشعر به. وعليه فعندما نعيش ونوجد في ظلِّ القدير فإننا لن نشعرَ بوطأة حرِّ الصعوبات والتجارب التي نمرُّ بها في حياتنا. لم يصف صاحب المزامير اللهَ القدير بأنه سترُ حماية لنا وظلٌّ للإنسان المؤمن الذي يعيش تحت لوائه فحسب،  بل وصفه أيضاً:"أقولُ للرب ملجأي وحصني إلهي فأتكل عليه." فالله الآب هو الحصن الحصين، القويُّ بالحق، الذي يمكِننا أن نهرعَ إليه لطلبِ العون والمساعدة في أيِّ وقت. لأنه ما من شيءٍ يقدر أن يمنعه من تحقيق خطته الأفضل لحياتنا. وأكمل صاحب المزامير في العدد الرابع من مزموره الحادي والتسعين ليقول: ”بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي“. فعناية الله العلي القدير العجيبة وحنانه الكبيران يُشبَّهان بعناية الدجاجة بفراخها الصغار. فالدجاجة تضم صغارها تحت جناحيها حيث الدفء والأمان والاستقرار. والدجاجة الأم لا تفعل ذلك إلا إذا شعرت بأن صغارها يتعرَّضون للخطر. فتهب لجمعِهم تحت جناحيها. هكذا العلي القدير أيضاً يخبئنا في ستره وحمايته حين نواجه الصعاب والتجارب، ولا يمكن أن يطردَنا من محضره، لأننا ننتمي إليه ونحن له، شعبه وغنم مرعاه. فجناحاه يعبِّران عن مدى قوته العظيمة لحمايتنا.        

وفي العدد التاسع والعاشر من هذا المزمور نقرأ: "لأنك قلتَ: أنت يا رب ملجأي. جعلت العليّ مسكنك، لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك. لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك." فالله القدير هو محط رحالنا، ومستقرُّنا، وملجأنا في كل حين، الآن وإلى الأبد. فالأمان والاستقرار والطمأنينة والسكينة والراحة الحقة لا توجد هذه كلها إلا في شخص الرب يسوع المسيح، الذي وحده وعد بأنه معنا ولن يتركنا أو يهملنا. وإذا أعلنَّا هذا الإيمان به والثقة فيه، فإنه سيحفظنا في وقت مخاوفنا وسيحمينا عبر كل أخطار الحياة. فهو لا يعدنا بعالمٍ خالٍ من الخطر لكنه يَعدُ بحمايتنا وسط الخطر. 

 فهل حقا تعيش، أنتَ يا قارئي، وتعيشين أنتِ يا قارئتي، في ظل القدير،  وتتنعمان بالحنو والرفق والأمان والسلام الحقيقيين المفقودين في عالم الإنسان منذ أن دخلت الخطية إليه؟ أجل، هل تستطيعان القول وبثقة يا صديقيَّ أنكما به تحييان وتتحركان وتوجدان؟ إن الرب يسوع المسيح، الله الظاهر في الجسد، الخالق المبدع، والوسيط الوحيد بين الله الآب والإنسان. هو الوحيد الذي جاء إلى عالمنا لكي يموت على الصليب، ويفدي أنفسنا من عقاب الخطية، ويحررنا من عبوديتها، ويمنحنا غفراناً كاملاً عنها.  جاء لكي يهب الإنسان نعمته الغنية، وخلاصاً كاملاً، وحياة أبدية في دار النعيم. وهو الوحيد الذي مات وقام من بين الأموات غالباً ومنتصراً على الموت ليمنح كل من يأتي إليه حياة جديدة وامتيازاً لأن يصبح من أولاد الله وعائلته المقدسة. كفَّ عن التفتيش إذن، يا أخي، هنا وهناك، وتعال إليه بالإيمان فتَنَلِ الأمان والسلام والراحة لأنك عندما تفعل ذلك تصبح ساكناً في ستره وبائتاً في ظلِّه.  بالفعل، ما أجمل ما فاه به المرنم حين قال:

إن حاقَني اضطرابٌ في سبلِ الحياة

أو عصفتْ رياحٌ وطغت المياه

فإنَّما مِرساتي صخرُ الرجاء الوحيد

ربي يسوع الفادي عوني الأكيد

أرسيتُ في المسيح ملاذيَ الوحيد

أرسيتُ في المسيح عماديَ الوطيد

فالموجُ إن هاج في صخبه الشديد

ففي يسوع صخري أرسيتُ....

المجموعة: 200602