شباط (فبراير) 2006

إذ ننظر للوراء بعد أن ودّعنا عاماً قد انتهى، ونتأمل ببركات الرب علينا، لا يسعنا إلا أن نقول مع المرنّم: ”باركي يا نفسي الرب، ولا تنسي كل حسناته“.

 

ولئن كان الشكر هو أهم فضيلة ينبغي التحلي بها، إلا أن الوضع الذي يولّد فينا روح الشكر المستمرة، هو وضع القناعة، ذلك لأن الإنسان القنوع يشكر الله دائماً.

القناعة درس ينبغي أن نتعلّمه. كان الرسول بولس شخصاً يتمتع بثقافة عالية، لكن أفضل درس تعلّمه في حياته هو درس القناعة، وتعلّمه عملياً في مدرسة المسيح. فأفضل المتعلمين وأصحاب الكفاءات، مهما بلغوا من علم، لا يزالون في سني الحضانة إذا ما قورنوا ببولس الرسول الذي تعلم هذا الدرس وتخرّج منه بتفوّق. فالقناعة هي أعلى درجة يمكن للإنسان أن يصل إليها، لأن الإنسان القنوع هو من عرف حقيقة نفسه، واقتنع بحالته.

والقناعة هي ثمرة نحصدها. الأرض الطيبة التي لعنها الله بسبب خطية الإنسان، لا تزال تنبت الشوك والحسك، ولا تحتاج إلى من يغرسها لأنها تنبت تلقائياً. هكذا أيضاً من الناحية الروحية، توجد هناك أعشاب ضارة مثل نباتات الطمع، والتذمّر التي تنمو في كل مكان. فلسنا بحاجة لأن نعلّم البشر لغة الأنين والشكوى، لأنهم بالطبيعة يتذمّرون وليسوا بحاجة لأي تعليم. أما النباتات المفيدة التي تنبتها الأرض، فتحتاج إلى مزارع يهتمّ بها. وإن أردنا قمحاً، علينا أن نحرث الأرض، ونبذر البذار. وإذا أردنا زهوراً، علينا أن نعدّ البستان ونعتني بما زرعناه. هكذا القناعة، إنها إحدى زهور السماء. فإذا أردنا أن نتحلّى بها، فلا بد من زرعها بالإيمان.. وهي تنمو في الطبيعة الجديدة المولودة من فوق، ولا بد من عناية النعمة التي تغرسها، واهتمام البستاني المبارك شخص الرب يسوع المسيح.

قال الرسول بولس: ”تعلّمت أن أكون مكتفياً“، أي أنه كان يجهل هذا الدرس فتعلّمه. ومثل هذا التعليم ليس بالأمر السهل، فلربما فشل بولس في الماضي مرات، لكنه تعلّم أخيراً. وحين وصل لدرجة التعلّم هذه، كان قد ابيضّ شعره، وتقدّم في الأيام، واقترب من حدود الأبدية. فهل تعلّمنا درس القناعة المهم؟

المجموعة: 200602