تموز (يوليو) 2006

3- اذهب واربح أخاك

”إن أخطأ إليك أخوك فاذهب إليه“ (لكن أنا أكبر منه وأفهم منه، ”فاذهب وعاتبه“ (لكن أنا أفضل منه وأنا لم أخطئ). اذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما“ (وضعْ عينيك في عينيه وأقنعه بأنه مخطئ)، حتى ”إن سمع منك فقد ربحت أخاك“ (متى 15:18). اذهب ولديك النية والرغبة بأن تربح أخاك.

 

ما يدعو للغرابة أننا أحياناً كثيرة نطوف البرّ والبحر لكي نربح الذين هم من خارج، ولا نستطيع أن نربح إخوتنا. لا توجد لدينا الرغبة في أن نربحهم بشتى الوسائل والطرق. نحاول ونحاول، وإن فشلنا فعلينا تكرار المحاولة حتى نحقق الغاية المنشودة.

قلّما نعير هذا الموضوع اهتماماً كافياً، ولسان حالنا: لا أريد أن أعاتب أحداً، هو في بيته وأنا في بيتي، هو في خدمته وأنا في خدمتي. من أين هذا اللاهوت الجديد الذي لا يُهضم؟ أين الآية القائلة: ”لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا إبليس مكاناً“ (أفسس 26:4-27)؟ ماذا ربحت من هذا التصرف، وما حققت، وماذا جنيت؟ خسارة بخسارة. خسرت نفسي وشخصيتي وخسرت الآخرين.

وتعلو أصواتنا قائلة: ”أنا سامحت وسامحت وماذا بعد؟“ وسمعنا جواب الرب على ادعاء بطرس: يا رب كم مرة يخطئ إليّ أخي وأنا أغفر له“ (متى 21:18)؟ كم أتمنى لو كان السؤال بشكل آخر: كم مرة أخطئ أنا إلى أخي ويغفر لي؟ لكن ادّعاءنا هو أننا لا نخطئ بل الآخرون هم الذي يسيئون إلينا. ويجيب المسيح بالقول: ”لا أقول لك إلى سبع مرات بل إلى سبعين مرة سبع مرات“ (متى 22:18). القضية ليست عملية حسابية بل مفهوم صحيح لمعنى المسامحة والغفران. ينبغي أن تسامح بالمئة دينار يا من أُطلقت حراً من العشرة آلاف وزنة.

لقد غفر المسيح لنا خطايانا واستطاع أن يربحنا بمحبته. ولو كان لديّ الإدراك العميق لهذه المحبة لاستطعت أن أسامح الآخرين بقصد أن أربحهم.

هل نغتنم الفرص لكي نسامح فنربح؟ هل نقوم بالمبادرة؟ هل نخلق المناسبة؟ هل لدينا طموح للربح أم نحن مستسلمون للخسارة؟

لماذا هذا الجمود في العلائق، والاحتفاظ بالسم في القلب، وهذا النكد في الحياة، هذا المارد الذي يقف أمامي عندما أريد أن أصلي أو أخدم، هذا الانزعاج في الضمير، وهذا القرف من حياة الإيمان والخدمة، وهذه اليبوسة في العلاقة بالرب؟ والرب يوضح الصورة ويكشف الخفايا فيقول: ”وقد فعلتم هذا ثانية مغطين مذبح الرب بالدموع بالبكاء والصراخ فلا تراعى التقدمة بعد ولا يُقبل المرضي من يدكم“ (ملاخي 13:2). ”حين تبسطون أيديكم أستر عينيّ عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع... اغتسلوا تنقّوا اعزلوا شرّ أفعالكم من أمام عينيّ كفّوا عن فعل الشر“ (إشعياء 15:1-16).

إن الصلاة في حالات كهذه تولّد فينا العناد والتحجّر. ندرس هذا الموضوع ونعرف عنه ولا نريد أن نسامح، ونوجِد  لأنفسنا الأعذار ونقنع أنفسنا ونكرّس موقفنا. ولكن قناعاتي لا تغيّر قناعات الرب: ”فإن قدّمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك“ (متى 23:5-24). كم من عبادة جوفاء، وكم من خدمات فارغة، وكم من تحركات تترك وراءها غباراً ودخاناً بدل أن تفوح منها رائحة البخور التي يرضى الرب عنها. اذهب أولاً تصالح مع أخيك ثم تعال وقدّم قربانك.

طلب الرب إلى حنانيا قائلاً: ”قم واذهب إلى الزقاق الذي يُقال له المستقيم واطلب... رجلاً طرسوسياً اسمه شاول“ (أعمال 11:9). فطلب حنانيا إلى الرب أن يريحه من هذه المهمة ومن مواجهة هذا الشخص الخطر. ”يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك“ (أعمال 13:9). لكن الرب يقول له: لا، بل سامحه، ما دمت أنا قد سامحته. ”فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق“ (أعمال 17:9). لا بد أن الرب أرسلك يا حنانيا لأنك لا تأتي من ذاتك. الرب يرسلنا جميعاً بعضنا لبعض لكي نربح بعضنا بعضاً. هل خسر حنانيا بربحه لشاول؟ حنانيا اختفى اسمه وتلألأ اسم شاول والرب استخدمه وباركه.

أخي الحبيب، اذهب واربح أخاك، والذي أخطأ إليك سامحه لكي تربحه من دون أن تعاتبه، وإن كان لا بد من العتاب فلتكن الغاية الشريفة أن تربح. حاول أن تربح أخاك الضعيف الذي أنذرته ولم يقبل. اذهب واربح أخاك الساقط الذي انسبق فأُخذ في زلة. اربح أخاك المرفوض والمريض روحياً. يسهل علينا أن نتكلم على من سقط ووقع ويصعب علينا أن نمد يدنا لمساعدته وأن نضع كتفنا بجانب كتفه ونحمله لكي يرتفع.

عمل الكنيسة هو الربح، والرب مع الذين يسعون وراء الربح. فالرب لا يرضى بالخسارة ولا يساند الخسارة. إن كنت يد الرب معنا نربح، وإن كنا نخسر فهذا دليل على أن يد الرب ليست معنا في هذا الأمر.

لا نتهرب كما تهرّب قايين قديماً عندما سأله الرب: ”أين أخوك. فقال لا أعلم. أحارس أنا لأخي“ (تكوين 9:4). فليتدبّر أمر نفسه، فأنا لست مسؤولاً عنه. كل واحد منا حارس لأخيه. لنرفع بعضنا بعضاً أمام عرش النعمة بالصلاة. نقدم كل مساعدة ممكنة كي نستطيع أن نربح.

اذهب واربح نفسك. اذهب واربح الخطاة. اذهب واربح أخاك. اذهبي واربحي أختك.

المجموعة: 200607