تموز (يوليو) 2006

حقاً ما أسعد المؤمن!

    فهو في سلام مع الله،

         وله سلام الله،

             بل له إله السلام نفسه.

 

أولاً: سلام مع الله

الخطيئة فصلت بين الإنسان وخالقه، بل جعلتنا جميعاً في عداوة مع الله، كما يقول الكتاب المقدس: ”كنتم قبلاً أجنبيين وأعداء في الفكر في الأعمال الشريرة“ (كولوسي 21:1). هذه العداوة هي من جانب الإنسان من نحو الله. نحن أخطأنا ضده وابتعدنا عنه، ولكنه هو الذي فتّش علينا ليرجعنا إليه. لما أخطأ آدم أراد أن يختبئ من وجه الرب، لكن الله هو الذي ناداه، وقال له: ”آدم أين أنت؟“، وصنع له ولحواء أقمصة من جلد وألبسهما. كذلك لما أخطأ قايين ناداه الله وأعطاه فرصة للتوبة. ولكن قايين أصرّ على طريقه الرديء فبقي في عداوته لله. إن الله يحب الإنسان ويريد أن يصالحه لنفسه، وأعطانا نحن المؤمنين خدمة المصالحة. إلا أنه لا يرغم الإنسان على التوبة والإيمان، وإلا لما كانا توبة وإيماناً حقيقيين. لقد عمل كل ما يلزم ليصالحنا لنفسه. لأنه ونحن خطاة مات المسيح لأجلنا ”عاملاً الصلح بدم صليبه“
(كولوسي 20:1). ولم يصالحنا فقط بل برّرنا أيضاً. فالمسيح ”أُسلم لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا. فإذ قد تبرّرنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح“ (رومية 25:4-1:5). بالإيمان بالمسيح - بالإضافة إلى الغفران الكامل - ننال التبرير، أي نصبح في نظر الله كأننا لم نخطئ أبداً. فهناك فرق بين مجرد الغفران وبين الغفران والتبرير معاً. فقد يُسامح الإنسان على جريمة السرقة لكنه يبقى سارقاً قد عُفي عنه. أما التبرير فيجعلنا ”قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة“، أي كأننا أبرار لم نرتكب أي ذنب، وكأن الله يقول للمؤمن: ”قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك“ (إشعياء 22:44)، وأيضاً ”أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها“ (إشعياء 25:43). لا عجب أن إشعياء يهتف فرحاً ويقول: ”فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي. لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر“
(إشعياء 10:61). شكراً للرب لأن ”الذين دعاهم فهؤلاء بررهم. والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً“ (رومية 30:8).

والآن إذ تبررنا لنا سلام مع الله.

هذا سلام لي شراه    رب الفدى بالصلب

 

ثانياً: سلام الله

مع أن السلام مع الله، أي التصالح معه، ووجود السلام بينه وبيننا هو أمر لا يتغيّر لأن المسيح دفع الثمن كاملاً ليمنحنا هذا السلام. إلا أن تمتعنا بسلام الله في قلوبنا رغم ظروف الحياة المتقلبة هو أمر آخر. ويتوقف على حياتنا العملية. يقول الرسول بولس للمؤمنين في فيلبي: ”لا تهتموا بشيء (أي لا تقلقوا، لا تدعوا الهم يقلقكم)، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتُعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع“
(فيلبي 6:4-7). من هذا نتعلم أن سلام الله يتطلب حياة الصلاة والدعاء مع الشكر. إهمال الصلاة الحارة يحرم المؤمن من التمتع بسلام الله الذي يفوق كل عقل. واستجابة الصلاة تتطلب حياة القداسة والطاعة لله. قال داود: ”إن راعيت إثماً في قلبي لا يستمع لي الرب“
(مزمور 18:66). فلا يمكن أن يكون في القلب الإثم وسلام الله في نفس الوقت. لذلك يجب أن نفحص قلوبنا ونمتحنها. وما هو الدعاء؟ إنه الصلاة المصحوبة بالشعور بالحاجة، هو الصلاة بلجاجة، أو كما جاء في مزمور 8:62 ”يا قوم اسكبوا قدامه قلوبكم“. الدعاء هو الجهاد في الصلاة كما قيل عن أبفراس ”مجاهد كل حين لأجلكم بالصلوات“ (كولوسي 12:4). والصلاة والدعاء يصحبهما الشكر. لأننا نعلم أن الله هو ”القادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر“ (أفسس 20:3). بعد أن أوصى الرسول بولس المؤمنين في كولوسي بحياة الرأفة واللطف والوداعة وطول الأناة والمسامحة، وفوق هذا كله المحبة (انظر كولوسي 12:3-14)، قال لهم: ”وليملك في قلوبكم سلام الله الذي إليه دُعيتم في جسد واحد. وكونوا شاكرين“
(عدد 15). هذه إرادة الله من جهتنا.

هذا سلام المؤمنين     من ربهم حلو ثمين

 

ثالثاً: إله السلام يكون معكم

إن سلام الله هو عطية ثمينة. ولكن إله السلام هو المعطي نفسه، وهو أعظم من العطية. أن يكون إله السلام معنا هو امتياز ثمين وبركة عظيمة. ومع أنه مع جميع المؤمنين، إلا أن التمتّع العملي بهذه الحقيقة يتطلب من المؤمن ما قاله الرسول بولس في فيلبي 8:4-9  ”أخيراً أيها الإخوة كل ما هو حقّ، كل ما هو جليل، كل ما هو عادل، كل ما هو طاهر، كل ما هو مسرّ، كل ما صيته حسن - إن كان فضيلة وإن كان مدح، ففي هذه افتكروا. وما تعلّمتموه، وتسلّمتموه، وسمعتموه، ورأيتموه فيّ، فهذا افعلوا وإله السلام يكون معكم“. من الواضح إذاً أن إدراك وجوده معنا يتعلّق بأفكارنا وأقوالنا. ولا حاجة لأن نطيل الكلام في هذا، فهو أمر معروف لكل مؤمن حقيقي. قال المسيح: ”إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه“ (يوحنا 17:13). ما أسعد أن ندرك عملياً أن إله السلام معنا. ”فماذا نقول لهذا. إن كان الله معنا فمن علينا“ (رومية 31:8). إن وجوده معنا يملأنا بالفرح والسلام.

فهو معي كل الطريق    نعم وأعطاني سلام

المجموعة: 200607