أيلول (سبتمبر) 2006

يدهشك أن تسمع هذا السؤال يتردّد كثيراً هذه الأيام، وهو سؤال يفترض أن الكتاب المقدس مليء بالمتناقضات، التي لو ثبت وجودها فعلاً لكان من المستحيل الإيمان بأن الكتاب المقدس وحي مقدّس.

 

إن كان الكتاب المقدس يحتوي حقّاً على أخطاء يمكن إقامة الدليل عليها، فهذا يدل على أن هذه الأجزاء على الأقلّ لم تصدر من الله كلّي المعرفة. إننا لا نجادل في هذا الاستنتاج، كما لا نوافق على الافتراض المسبق بأن الكتاب المقدس فيه أخطاء، أما أمر إتيان ذلك فهذا موضوع آخر.

إننا لا ننكر أن هناك فصولاً معينة تبدو للنظرة السطحية أنها متناقضة، ولكن التأمل الدقيق يُظهر أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق.

بالنسبة لاحتمال وجود تناقض، فهناك مبدأ يطلق عليه ”مبدأ المعادلة“، الذي بمقتضاه لا ينبغي أن نقلّل من شأن المشكلة، كما لا ينبغي أن نبالغ فيها. هذه هي القاعدة بالنسبة لأية كتابة من الكتابات، وهي القاعدة التي أرجو أن نطبقها هنا.

ما الذي يثبت وجود التناقض؟ إن قانون عدم التناقض - الذي هو أساس كل تفكير منطقي - يقول بأن الشيء لا يمكن أن يكون موجوداً وغير موجود في نفس الوقت، بمعنى أنه لا يمكن أن نقول مثلاً: إن اليوم ممطر وأنه غير ممطر في نفس الوقت.

إن كان أحد يستطيع أن يثبت - بالدليل - هذا المبدأ على الكتب المقدسة، فحينئذ يمكن أن يثبت وجود تناقض. فمثلاً إن كان الكتاب يقول (وهو بالطبع لا يقول ذلك) إن المسيح مات مصلوباً في أورشليم، وفي مكان آخر يقول بأنه مات مصلوباً في الناصرة، فهذا يكون خطأ قائماً عليه الدليل.

وحينما نواجه احتمال وجود تناقض، فمن الأهمية بمكان أن نتذكّر أن تعبيرين قد يختلف الواحد منهما عن الآخر دون أن يكونا متناقضين، وهناك فرق بين التناقض والاختلاف، وإن كان البعض لا يستطيع أن يميّز بينهما.

مثلاً، موضوع الأعمى في أريحا: ”متى“ يروي كيف أن أعميين تقابلا مع الرب يسوع، بينما كل من ”مرقس ولوقا“ يذكران واحداً فقط. ومع ذلك فإن أي من التعبيرين لا ينكر الآخر، وفي حقيقة الأمر يكمّل الواحد الآخر.

لنفرض أنك كنت تتحدّث مع عمدة البلد ومأمور المركز، وبعد وقت تُقابـِل صديقك ”بيتر“ وتقول  له بأنك كنت تتحدّث اليوم مع العمدة والمأمور.

عندما يعقد الصديقان مقارنة بين الملاحظتين، يبدو وكأنه يوجد تناقض، ولكن حقيقة الأمر أنه لا يوجد أي تناقض، فإن كنت قد قلت لـ ”بيتر“  أنك تحدّثت مع العمدة فقط لكنت بذلك قد ناقضت بهذه العبارة ما قلته لـ ”جون“.

العبارات التي قلتها بالفعل لـ ”بيتر“ ولـ ”جون“ قد تكون مختلفة، ولكنها ليست متناقضة. وهكذا فإن هناك الكثير من العبارات الكتابية تدخل تحت هذه المقولة، إن كثيرين يظنون أنهم وجدوا أخطاء في فصول ربما لم يقرأوها قراءة صحيحة!

في سفر القضاة نجد وصفاً لموت سيسرا. ففي (قضاة 25:5-27) يقدّم لنا ياعيل التي قتلته بوتد الخيمة بعد أن شرب اللبن الذي قدّمته له، بينما في (قضاة 21:4) نرى أنها قتلته بينما كان مستغرقاً في النوم. ومع ذلك فإن من يقرأ  بدقة (قضاة 25:5-27) يرى أنه لم يرد به أنه كان يشرب اللبن في اللحظة التي مدت ياعيل يدها الوتد، وهكذا ينتفي التناقض.

وأحياناً يبدو أن فصلين متناقضين بسبب عدم دقة الترجمة بالقدر المطلوب، وفي هذه الحالة فإن معرفة اللغة الأصلية للكتاب يمكن أن تحل على التو الكثير من المشكلات، ذلك لأن كلاً من اليونانية والعبرية - كما في جميع اللغات - لها خصائصها التي قد يصعب نقلها بالدقة المطلوبة إلى أية لغة أخرى.

هناك مثلاً قصة تجديد بولس كما سجلها سفر الأعمال. ففي (أعمال 7:9) يقول: ”وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً“، أما في (أعمال 9:22) فنقرأ: ”والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني“.

هذه العبارات قد تبدو متناقضة، فواحدة منها تقول إن رفقاء بولس سمعوا صوتاً، بينما العبارة الأخرى تقول إنهم لم يسمعوا صوتاً! ولكن معرفة اللغة اليونانية تحلّ هذه المشكلة، فالعارفون باللغة اليونانية يقولون إن المصدر من الفعل ”يسمع“ ليس هو ذات الفعل في كلا النصين، في النص الأول يعني أن شيئاً سُمع أو أصواتاً معيّنة وصلت إلى الأذن، ولا شيء يبيّن إذا كان الشخص يفهم ما يسمع أو لا يفهم.

إن (أعمال 9:22) لا ينكر أن رفقاء بولس سمعوا أصواتاً معيّنة. إنه يعلن بكل بساطة أنهم لم يسمعوا بالدرجة التي فيها يفهمون ما قيل. إن الترجمة الإنجليزية أو العربية في هذا الأمر ليست معبّرة بالدرجة الكافية كالتعبير باللغة اليونانية الأصلية.

كما يجب أن نؤكد أنه في حالة التعرّض لتفسير مشكلة كتابية فليس من المنطق أن نقرّر أن الفصل يحتوي على خطأ ثابت الدليل، ذلك لأن بعض المشاكل ترجع إلى عدم معرفتنا بالظروف أو الخلفيات المحيطة بهذه المشكلة.

وبتقدّم دراسة علوم الآثار التاريخية فإن نوراً جديداً سوف يُلقى على الفصول الصعبة في الكتب المقدسة، وكثير من المشاكل سوف تختفي بالفهم الجديد. إننا نحتاج إلى المواقف ”المتأنية“ بالنسبة لبعض المشاكل. وإن كانت هناك بعض الصعوبات أو المشاكل التي لم تتضح بعد، فإنه بالمزيد من المعرفة عن التاريخ المعاصر للكتاب سوف تتداعى كل المشاكل.

إن المفهوم الكتابي عن الله هو أنه كلي المعرفة وكلي القدرة ولا يمكن أن يتناقض مع نفسه، ولذلك فإننا نؤمن أن كلمته حينما تُفهم جيداً لا يمكن أن تتناقض مع بعضها البعض.

المجموعة: أيلول September 2006