نيسان (إبريل) 2007

القدس أو أورشليم، أرض السلام هي مدينة مقدسة عند اليهود والمسيحيين والمسلمين. وقد أُطلق عليها تاريخيا عدة أسماء منها ساليم، ويبوس، وأريئيل، ومدينة العدل، والمدينة المقدسة. وتستخدم الكتب المقدسة أورشليم رمزاً إلى ملكوت الله أو الكنيسة الممجدة. بالنسبة إلى اليهود هي مدينة الملك العظيم ابن داود ومشتهى كل الشعوب حيث هيكل سليمان، وحائط المبكى، وعرش الملك الألفي، ملك العدل والحق والبر والسلام. والجدير بالذكر أنها لم تتصل بأي سبط من الأسباط ولذا كانت صالحة كعاصمة لكل الأسباط.

 

وبالنسبة للمسلمين فهي قبلة الحرمين حيث يقع الحرم الشريف، وقبة الصخرة، وقبة المعراج، والمسجد الأقصى. إنها أرض المعجزات.

أما بالنسبة للمسيحيين، فهي أرض المسيح. ففي عيد القيامة أضاءت شموعها وعلت مصابيحها وزينت أشجارها وأسواقها وتراقصت شوارعها تحت أقدام الأطفال لتعيد. انه عيد كل يوم، لكن في عيد الميلاد والثلوج تعلو الجبال والبرد يقفز على الأرض والبيوت تكتسي بالحلة البيضاء فإنها تحكي قصة بل معجزة الأجيال، ميلاد السيد المسيح له المجد. قال عنه النبي: "ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام". إنه صنع المعجزات ليعزي القلوب المنكسرة ويفكّ أغلال اليأس ويرسم بسمة الأمل على شفاه مريضة. إنه هو نفسه المعجزة الإلهية في ولادته، ولغز العقيدة في صلبه وقيامته. إنها مدينة الصلاة التي أضاءت أنوارها لتبدد ظلمات الإنسانية وتحيي آمال الشعوب الضائعة.

إن الإنسان المتحضّر ليس مغايراً لاستقلال الشعوب بمعنى أن تحكم نفسها بنفسها تحت ظل الحكم الذاتي الواعي المتعاون والمنفتح، كما إنه ليس ضداً للثورات والمسيرات التي تعبّر عن غضب الشعوب، ولكن مِن ما؟ الغضب ضد الرجعية والإباحية والتعصُّب، والغضب من المفاهيم الهدَّامة والمبادئ المدمِّرة والأنماط الدينية البالية. إنه غضب صحّي ومشروع لأنه بادرة من بوادر الوعي، والتقدم، والتطوّر، والتفتُّح نحو العلاقات الدولية والتحضُّر الإنساني و الهجرة خارج النفس.

هنا فقط نلتقي بالشخصية السوية الضائعة، لا أقصد الشخصية الناجحة أو المتديِّنة، بل الشخصية المتكاملة الخلاّقة المعطاءة التي تحرّرت من الذاتية والجمود الحسّي وتصلّب الرأي. قل لي ما هو تاريخ عائلتك ومن أي بلد نزحت، أقول لك ما هي المشاكل التي توارثتها والعقد التي تكمن في أعماقك. إنها سلسلة من الأمراض المتوارثة. إننا نرزح تحتها ونقدسها إلى أن نرتقي إلى مسيرة صحوة الشعوب وتحرر الشخصية وبلوغ العقل ذروة النبوغ.

إن فلسفة رينيه ديكارت تتلخص في رفضه كل المعتقدات الموروثة في إطار الشك المنهجي أو الإلحاد المصنّع. وهنا يحضرني السؤال: هل يمكن للعلم والدين أن يتفاعلا معاً للإجابة عن المسائل الفلسفية والميتافيزيقية؟ ومن هنا توصَّل الإنسان إلى حقيقة وجوده، وضرورة الخلق، ووجود المبدأ الأول "الله". وهذا يعنى أن الوجود لا يسبق الجوهر في الإنسان كما ادّعى جان بول سارتر أيضاً ممثِّل الوجودية في عصرنا. لأنه لا بد من وجود قبل الجوهر في الإنسان، فالإنسان لا يكون ما يريد أن يكونه إذ يرى نفسه موجودا. لذلك هو مسئول عن ماهيته وجوهره. وهذه هي الذاتية. إذاً الإنسان عندما يعمل شيئاً، إنما يعمله أيضاً للبشرية كلها. وبهذا يتفق ديكارت وسارتر على ضرورة وجود الله. ومع هذا خسر سارتر جائزة نوبل لأنه رأى الحياة قبراً مظلماً، ولم يدرك تلك الحقيقة الخالدة أنه بالمسيح يمكننا التغلّب على اليأس والألم وننال الحرية الحقيقية.

على كل حال هناك علاقة طردية وعلاقة عكسية بين الأوضاع الداخلية في أية دولة وسياستها الخارجية. فالدول التي تمتهن سياسة العدوان، أو تفتيت فئات الشعب، أو شراء عقول كبار الدولة، أو تخصيب العنصرية، إنما تخدم مصالح الحكام، وتدمِّر قوى الشعب المكافح، وتبيع المصالح القومية للدول المتربِّصة والمترصدة وذوي الخبرة. هنا أودّ أن دول الجوار بل والعالم كله أن يسعى لكي تسود فلسفة التعايش السلمي، وتلاحم الشعوب، وإلغاء الفوارق، وتدريب عناصر شابة، وتواجد نظام مفتوح مكشوف الآفاق، وسيادة قانون عفا عليه الدهر ليوقف نزف الدم البريء.

من هذا المنطلق، تستطيع السلطات المخولة أن تؤدي مهامها بوعي وصدق وحب، جاهدة لتأمين سلامة العائلات الكادحة، وتستوعب الخبرات، والقيادات، والعمالة في ظل الإديولوجية الجديدة. نعم! إن الدول المتعاونة تتبنى سياسة الحب والعطاء، وينبغي أن تستمر لأنها الدليل على عظمة العالم وتعقّل الشعوب.

المجموعة: 200704