نيسان (إبريل) 2007

الحكمة تؤخذ من الرب. يسوع له كل المجد. فهو مصدرها، وهو مانحها، كما نقرأ في كلمة الرب: ”إنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعيّر، فسيُعطى له. ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة“ (يعقوب 5:1-6).

 

وتؤخذ الحكمة أيضاً من المؤمنين الذين استمدوا حكمتهم من الرب.

وأمامنا اليوم حديث رجل حكيم استمدّ حكمته من الرب عندما تراءى له في جبعون وقال له: يا سليمان. إسأل ماذا أعطيك؟ فقال أعطِ عبدك قلباً فهيماً لأحكم على شعبك وأميّز بين الخير والشر. وكان له ما أراد. أعطاه الرب حكمة لم تُعطَ لأحد قبله ولا بعده... يحدّثنا سليمان الحكيم عن قصة قصيرة واقعية تتحدّث عن مدينة صغيرة فيها أناس قليلون، فجاء عليها ملك عظيم وحاصرها وبنى عليها أبراجاً عظيمة... وكان يسكن في تلك المدينة رجل مسكين حكيم استطاع أن يفعل ما لم يستطع غيره من الأغنياء والأقوياء أن يفعله إذ نجّى المدينة بحكمته... كان يجب على سكان هذه المدينة أن يحملوه على أكتافهم، ويهتفون باسمه... ولكن ”ما أحد ذكر ذلك الرجل المسكين“. وللفائدة سأتحدث عن ثلاث عبارات:

أولاً: حصار شديد

ما أقسى الحصار على المحاصَرين؟

1- الحرية ضائعة: يفقد المحاصَرون حريتهم ويصيرون عبيداً للذين يحاصرونهم. فبعد أن كانوا قبلاً يتحركون بحرية، يخرجون متى أرادوا ويرجعون متى شاءوا، أصبحوا يتحركون ضمن الحدود والقيود المفروضة عليهم. فقبل الحصار، كانوا أحراراً للتحدّث عن أي أمر وبالأسلوب الذي يريدونه. ولكن بعد الحصار، أصبحوا يتحسّبون لكل كلمة قبل أن يتفوّهوا بها... قبل الحصار كانوا يفعلون ما يريدون، لكن بعد الحصار صاروا يأتمرون بما يريده المحاصرون... والحصار يُفرض على الجميع، الرجال والنساء، الكبار والصغار، وما على الجميع إلا الطاعة الكاملة وتنفيذ الأوامر بلا تردد.

أليست هذه صورة حقيقية للأشخاص البعيدين عن الرب الواقعين تحت حصار الشيطان، تحت الحصار الفكري، والمادي، والاجتماعي، والثقافي؟

الأشرار محاصرون فكرياً: أذهانهم مُغلقة أمام فهم كلمة الله، ”يسمعون سمعاً ولا يفهمون“ (متى 14:13). ”الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا تضيء لهم إنارة مجد إنجيل المسيح، الذي هو صورة الله“ (2كورنثوس 4:4).

ومحاصرون مادياً: أصبحت المادة كل همهم وشغلهم الشاغل. يحصلون عليها إما بالطرق المشروعة أو غير المشروعة.

ومحاصرون اجتماعياً: لقد ضربوا بالقوانين الإلهية الخاصة بالزواج والطلاق بعرض الحائط، فأباحوا زواج الرجل بالرجل وزواج المرأة بالمرأة، وأجازوا الطلاق لأتفه الأسباب، وأحياناً أخرى بدون سبب.

ومحاصرون ثقافياً: ظهرت في الأسواق الكتب والمجلات والأفلام الجنسية الخليعة متعللين بأنها ثقافة جنسية... بهذا الحصار الشديد فُقدت الحرية وضاعت.

2- النفوس جائعة: يقوم المحاصرون بمنع الذين يحاصرونهم من الزراعة. فإذا زرعوا كانوا يتلفون زراعتهم، كما نقرأ في كلمة الله: ”كان يصعد المديانيون... ويتلفون غلة الأرض.. ولا يتركون قوت الحياة“
(قضاة 3:6-4). لكن هناك مجاعة أقسى وأشد من هذه، وهي المجاعة التي تحدث للذين حاصرهم الشيطان ”تأكلون وليس إلى الشبع“ (حجي 6:1). البعيد عن الرب لن يشبع ولو ملك العالم كله.

3- العيون دامعة: ترى ماذا كان حال ساكني هذه المدينة المحاصرة؟ هل ترى البسمات تملأ وجوههم وضحكاتهم تجلجل المكان؟ كانت دموعهم جارية على وجناتهم كالأنهار، وإن ابتسموا فابتسامتهم باهتة مختلطة بالدموع. قد يضحك البعيدون عن الرب، لكن ضحكاتهم مزيّفة غير صادرة من القلب. ”فرح الفاجر إلى لحظة“.

قرأت عن شخص ذهب إلى طبيب نفساني يشكو من حالة اكتئاب شديدة. فأعطاه الأدوية اللازمة لكنها لم تجدِه نفعاً، وأخيراً عرض عليه الطبيب أن يذهب ليحضر حفلات يقيمها كوميدي مشهور، وهنا فوجئ الطبيب بشيء لم يكن في الحسبان. قال له المريض: ”أنا ذلك الكوميدي يا سيدي“!

إن حزن المحاصرين روحياً في هذه الحياة هو مقدمة لأحزان أبدية. ”ويطرحونهم في أتون النار. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان“ (متى 42:13). تكررت هذه العبارة 7 مرات في البشائر الأربعة وتكرارها للتأكيد والتحذير.

ثانياً: محاصر عنيد

فجاء عليها ملك عظيم... هذا الملك يرمز إلى الشيطان، رئيس سلطان الهواء وإله هذا الدهر، ويتّصف بأنه:

1-جبار في قوته: لقد ترك كثيرين جرحى وجميع قتلاه أقوياء.. قهر داود بالسقوط في خطيتَي الزنا والقتل.. وقهر شمشون الجبار فقُلعت عيناه وتحوّل إلى لعبة بيد الفلسطينيين.

2- ماكر في حيله: الشيطان لا يأتي مباشرة للإنسان بل يأتيه بالحِيَل والمكر. عندما ذهب إلى حواء قديماً، لم يقل لها ”أحقاً قال الله لكما أن لا تأكلا من الشجرة التي في وسط الجنة؟“ لكنه قال لها: ”أحقاً قال الله لكما أن لا تأكلا من كل شجر الجنة“؟ انطلت هذه الحيلة على حواء حتى سقطت فيها. يقول الكتاب: ”لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا لا نجهل أفكاره“.

3- مثابر في لجاجته: إنه يثابر حتى يصل إلى هدفه. قال لي أحد الخدام: إني أغار من الشيطان لأنه مثابر لا ييأس أبداً. يطوف البر والبحر حتى يكسب دخيلاً واحداً ومتى حصل يصنعه ابناً لجهنم. يخيّل إليّ أنه لم يذهب إلى حواء مرة واحدة فقط... وبالنسبة ليوسف حاول معه عشرات المرات، ومع الرب يسوع ثابر في حربه معه بتجربة بعد أخرى.

ثالثاً: خلاص مجيد

تم الخلاص عن طريق رجل مسكين حكيم. وما هذا الإنسان إلا رمز للرب يسوع.

1- مسكين: عاش فقيراً إذ وُلد في مذود. وقال عن نفسه: للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه.

2- حكيم: قال الرب يسوع مشيراً إلى نفسه: ”هوذا أعظم من سليمان ههنا“. وتجلت حكمته في تعامله مع الفريسيين والكتبة والشيوخ ورؤساء الكهنة.

3- قوي: لا شك أن الذي استطاع أن يفك حصار المدينة قوي. والرب يسوع هو الأقوى والأقدر. مكتوب عنه بأنه ”مقتدر في القول والفعل“. وقال عن نفسه: ”دُفع إليّ كل سلطان“. وقال لتلاميذه: ”لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً“.

ولكي يحرر هذا الرجل المدينة التي حاصرها الملك العظيم، لا شك أنه وضع خطة محكمة ونفّذها بكل دقة. هكذا الرب يسوع، لكي يفكّ البشر من عبودية الخطية وضع خطة الصليب. ونفّذ هذه الخطية بكل دقة، فتحمّل الآلام القاسية التي لا يستطيع أحد أن يتحمّلها.. فضفروا على رأسه إكليل الشوك، وضربوه على رأسه، وبصقوا عليه، ثم حمّلوه الصليب، وسمّروا يديه ورجليه.. وكانوا يعيّرونه ويجدّفون عليه، ثم طعنوه في جنبه بالحربة! لم يكن هذا نهاية المطاف، لكنه مات، ودُفن، وقام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وبذلك تمت الخطة ونُفِِّذت بحذافيرها، وتم الوعد في المسيح المحرر العظيم: ”فإن حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحراراً“.

المجموعة: 200704