كانون الأول (ديسمبر) 2007

لم تكن ولادة يسوع المسيح في بيت لحم اليهودية بداية وجوده، فهو موجود منذ الأزل مع الآب.

"في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله"  (يوحنا 1:1و2).

 

 

وعندما تجسّد وولد من مريم العذراء، كان القصد من تجسده أن يبذل نفسه فدية عن كثيرين "ابن الإنسان لم يأتِ ليُخْدَم بل ليَخْدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (متى 28:20).

وقد أكمل يسوع رسالته، وارتفع إلى السماء، وجلس عن يمين الآب.. لكنه سيعود إلى الأرض.. وقد رأى يوحنا يوم عودته وكتب هذه الكلمات:

"ثم رأيت السماء مفتوحة، وإذا فرس أبيض والجالس عليه يُدعى أميناً وصادقاً، وبالعدل يحكم ويحارب. وعيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة... وهو متسربل بثوب مغموس بدم، ويُدعى اسمه كلمة الله... وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب: ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤيا 11:19-16).

فيسوع الذي وُلد على أرضنا آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس، سيعود إلى الأرض بمجد عظيم وعلى رأسه تيجان كثيرة.

1- على رأسه تاج الخلق

فالمسيح وليد بيت لحم.. هو خالق كل الأشياء.

"كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا 3:1). "الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة. فإنه فيه خُلق الكل: ما في السموات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يرى، سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلق" (كولوسي 15:1و16).

فالخليقة كلها سواء كانت الخليقة السماوية أم الخليقة الأرضية.. خلقها المسيح وخُلقت للمسيح.

"اسمع لي يا يعقوب. وإسرائيل الذي دعوته. أنا هو. أنا الأول وأنا الآخر، ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات. أنا أدعوهن فيقفن معاً" (إشعياء 12:48و13).

على رأس يسوع المسيح "تاج الخلق".

 

2- على رأسه تاج الفداء

 

خالق الإنسان، صار إنساناً، ليفدي الإنسان.. فلا يقدر أن يفدي الإنسان سوى خالق الإنسان، حتى تزيد قيمته عن قيمة الإنسانية كلها.

"الأخ لن يفدي الإنسان فداء، ولا يُعطي الله كفارة عنه" (مزمور 7:49).

"الرب فادي نفوس عبيده وكل من اتّكل عليه لا يُعاقب" (مزمور 22:34).

"للرب الخلاص" (يونان 9:2).

ولما وُلد يسوع في بيت لحم قال الملاك لجماعة الرعاة الذين ظهر لهم: "لا تخافوا. فها أنا أُبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: إنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لوقا 10:2و11)

ليس لأحد حب أكثر من هذا.. حب المسيح للبشر الآثمين جعله يضع نفسه حتى الموت موت الصليب. ولم يُصلب المسيح عن عجز.. فهو الذي أسكت الريح العاصفة، وأقام الموتى وكان في إمكانه أن يبيد الذين قبضوا عليه وصلبوه.. لكنه ارتضى طوعاً أن يموت ليسدد للآب أجرة خطية الإنسان وهي الموت.. فالأعمال الصالحة مهما كثرت لن توازي الموت وبالتالي يمكننا أن نقول بمنطق سليم إن الحسنات لا يُذهبن السيئات .. فإما أن يموت الأثيم - ويعنى موته انفصاله الأبدي عن الله في جهنم - أو أن يؤمن بيسوع المسيح الذي مات لأجله على الصليب ويخلص من دينونة الله.

تنبأ إشعياء النبي عن سبب موت المسيح فقال: "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا.. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا" (إشعياء 5:53-6).

على رأس يسوع المسيح "تاج الفداء".

 

3- على رأسه تاج الحكمة

 

فهو الذي قال عنه بولس الرسول: "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كولوسي 3:2).

ذات يوم ”ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة. فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين: يا معلم نعلم أنك صادق وتعلم طريق الله بالحق، ولا تبالي بأحد، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. فقل لنا ماذا تظن؟ أيجوز أن تُعطى جزية لقيصر أم لا؟ فعلم يسوع خبثهم وقال: لماذا تجربونني يا مراؤون؟ أروني معاملة الجزية. فقدموا له ديناراً. فقال لهم: لمن هذه الصورة والكتابة؟ قالوا له: لقيصر. فقال لهم: أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله" (متى 16:22-21).

”فلما سمعوا تعجبوا وتركوه ومضوا“. أذهلتهم حكمته وهزمت خبثهم ورياءَهم.

يسوع المسيح هو "الحكمة"وهو ينادي الناس قائلاً: "أيها الحمقى تعلموا ذكاء، ويا جهال تعلموا فهماً" (أمثال 5:8) "لي المشورة والرأي. أنا الفهم. لي القدرة... لأنه من يجدني يجد الحياة وينال رضى من الرب، ومن يخطئ عني يضر نفسه. كل مبغضيَّ يحبون الموت" (أمثال 14:8 و35-36).

على رأس يسوع المسيح "تاج الحكمة".

 

4- على رأسه تاج النعمة

 

المسيح الذي وُلد في بيت لحم هو مصدر النعمة ”والكلمة صار جسداً وحلّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً. ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا. ونعمة فوق نعمة“ (يوحنا 14:1 و16).

النعمة معناها ”إحسان الله إلى إنسان لا يستحق الإحسان“.

  • النعمة هي وسيلة خلاصنا

”لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد“ (أفسس 8:2-9).

  • والنعمة هي معلمتنا

”لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلّصة لجميع الناس معلمة إيانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقّل والبر والتقوى في العالم الحاضر منتظرين الرجاء المبارك وظهور مجد الله العظيم ومخلصنا يسوع المسيح. الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهّر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة“ (تيطس 11:2-14).

في مدرسة النعمة نتعلّم إنكار الفجور والشهوات العالمية أي إظهار عدم موافقتنا للذين يعيشون في الفجور والشهوات العالمية، ونعيش بالتعقّل في حياتنا الشخصية، والبر في حياتنا مع الناس، والتقوى في علاقتنا بالله. وننتظر عودة المسيح عائشين حياة طاهرة باعتبارنا رعيته وشعبه.

  • والنعمة هي سر قوتنا

اختبر بولس الرسول قوة نعمة الله في ضعفه فقال: ”ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أُعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرّعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني. فقال لي: تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمل“ (2كورنثوس 7:12-9). ولما اختبر بولس نعمة الله المقوّية هتف قائلاً: ”فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحلّ عليّ قوة المسيح“ (2كورنثوس 9:12).

ففي ظروفك الصعبة، وعندما تحيط بك أشواك الحياة، الجأْ إلى نعمة الله لتقوّيك وسط متاعبك وآلامك، وستجد فيها قوة تسندك وتقوّيك.

5- على رأسه تاج الُملك العتيد

ذاك الذي جاء متّضعاً ليفدي الخطاة.. سيأتي وله على ثوبه اسم مكتوب: "ملك الملوك ورب الأرباب".

جميع الأنبياء ماتوا وانتهت رسالتهم بموتهم.. أما يسوع المسيح فهو حي في السماء.. أجرى اسمه وما زال يجري المعجزات.. وعن قريب سيعود إلى الأرض ليؤسس ملكاً سعيداً يعطي صورة للحياة في الجنة التي عاش فيها آدم وحواء قبل عصيانهما، "فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمّن معاً، وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تبناً. ويلعب الرضيع على سرَبِ الصلّ. ويمدّ الفطيم يده على جحر الأفعوان. لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي، لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر" (إشعياء 6:11-9).

هذه صورة الملك العتيد، حين يعود المسيح "ملكاً" "يشرق في أيامه الصدِّيق وكثرة السلام، إلى أن يضمحلَّ القمر. ويملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض. ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبد له" (مزمور 7:72-8 و11).

على رأس يسوع المسيح تاج الملك.

أجل.. ”على رأسه تيجان كثيرة“.

تاج الخلق

     تاج الفداء

          تاج الحكمة

               تاج النعمة

                    تاج الملك العتيد

هذا هو مولود بيت لحم في تجسده من المهد إلى المجد. فأعْطِه قلبك واختبر عمل نعمته في حياتك.

المجموعة: 200712