شباط (فبراير) 2007

هل أنا في حلم أم في علم؟ سألت نفسي. وهل يُعقل أن تكون هذه الصبية الفاتنة اليوم هي نفسها الطفلة الصغيرة التي حضرتُ حفلَ ميلادها الثالث؟ عدتُ بذاكرتي إلى ذلك اليوم منذ سنين عديدة حين دُعيت وزوجي إلى حضور حفل عيد ميلاد دينة الطفلة، التي قامت بقطع قالب الحلوى الذي صنعته لها والدتها وزيَّنته على شكل أرنب. نعم، هذه هي الصغيرة تقف أمامنا اليوم صبيةً ممشوقةَ القد، وهي ترتدي ثوباً أسود اللون هو ثوب المحامين، وفرحةُ الإنجاز والتحصيل تغمر كلَّ ذرة من كيانها الداخلي. وقفتْ تلقي كلمتها في حفل القَسَمِ المُهيب، وإلى جانبها قاضي المحكمة في مدينة سان هوزيه في كاليفورنيا، وأمامها حشد كبير من الأهل والأصحاب قد ملأوا قاعة المحكمة. بعضهم امتطى السحاب على متن الطائرة كجدَّيها الحنونين اللذين حضرا من شيكاغو، وبعضهم الآخر قاد السيارة لمدة ساعات ليشارك في هذا الحدث البهيج. كنت أرقب بنفسي وجوه الحاضرين وكيف كانت مآقيهم بين حين وآخر تذرف عبرات الفرح هي كاللؤلؤ المنساب على وجوههم الصبوحة. ألقت دينة كلمتها وقالت:  

 

"أشكركم جزيل الشكر من أجل حضوركم اليوم لتشاركوا معي بداية مرحلة جديدة في مهنتي هذه. ما هي إلا دقائق معدودة حتى أقوم بأداء القَسَمِ الذي من خلاله أتعهد أن أرفع دستور الولايات المتحدة الأمريكية عالياً وكذا قانون ولاية كاليفورنيا كمحامية مرافعة من أجل الناس. وهذا هو واجبٌ مميَّز بالحق. إننَّي مدعوة لكي أحافظ على القانون وأدافع عن كل مَنْ هو بحاجة إلى دفاع.

لكنَّ قسَمي هذا بحد ذاته، يُقرُّ قانون البشر الخاضع -وكما نعلم - للتغييرات. أما أنا فقد انخرطتُ في هذا النوع من العمل ليس رغبةً مني في الحفاظ على هذه القوانين البشرية فحسب، بل لكي أخدم الله أولاً بكوني محامية عنه، ومن ثمَّ أخدم الآخرين، ولأرى بأم عيني تغييراتٍ إيجابيةً وحفاظاً على القوانين الأخلاقية.

لا أستطيع اليوم أن أقف أمامكم جميعاً دون أن أشهد عن مخلصي يسوع المسيح. فكلََّما أمعنتُ النظر بما مرَّ عليَّ لا أقدر أن أتذكَّر وقتاً لم تقدْني فيه يدُ الرب القوية بحسب طرقه هو وأفكاره هو. حتى عندما حسِبْتُ نفسي أنَّني أدركت، أبقاني الرب في خطته هو لحياتي، "لأنَّ طرق الرب غير طرقنا وأفكاره غير أفكارنا". فنتائج امتحان BAR والتخرج، واستمراري في الدراسة الآن في جامعة Pepperdine  University ، وعملي في مهنتي الجديدة في Wilshire  لوس أنجلوس، هذه كلها كانت من يد الرب، وهي تأكيدات واضحة لدعوته لي. و بالطبع تأتي مع الإنجازات والامتيازات المسؤولية التي يتطلَّبها الله مني. وعليه فأنا أرغب في إكرام الرب في حياتي اليوم أمامكم. وأود أن أشارك معكم رغبتي الجامحة في خدمة الرب والالتزام الذي اتخذته على عاتقي أمامه، وها أنا أجدِّدُه اليوم كمحامية له.

هذا هو القسَم الذي أتخذه الآن: أقبلُ شهادتي والمركز كعطية من الرب لي. وهي دعوة منه في هذا الزمان والمكان، لكي أدعمَ كل ما هو حق وجليل ومسرُّ في نظر الله، ولكي أجلبَ العدل والإنصاف لكل مكسوري القلوب، وأعلن  حقَّه في وسط الظلام. أتعهَّد أن أكون مرهَفَةَ الحس لسماع صوته، وأنتظرَ بتوقُّع قيادة الله لي حتى آخذ القرارات الحكيمة والخالية من أي شكٍّ أو زغل، وتبعاً لكلمته الإلهية وحثِّه الأكيد. القانون فيه التحدي. وقانون العائلات فيه من التحدي الكثير. لهذا فأنا أتَّخذ هذا العهد على نفسي وأنا عالمة تمام العلم بما سأواجهه، لكنَّني متيقنة بأن قوة الله هي التي سوف تحدو بي إلى اجتياز كلِّ محنةٍ أمامي. هذا هو قَسَمي أمام الله وأمام ولاية كاليفورنيا وأمامكم."

وما أن انقضى حدَثُ القَسَم هذا حتى صفَّق الجميعُ بابتهاجٍ معبِّرين عن فرحتهم الكبرى بهذا الإنجاز العظيم. وتسارع الأهل والأصدقاء في تقديم الورود للمحامية الجديدة،  وفي أخذ الصور التذكارية معها على باب المحكمة. ومن ثمَّ توجه الجميع فيما بعد إلى قاعة مخصصة للاحتفالات، لتناوُل العشاء الفخم الذي أُعدَّ بهذه المناسبة السعيدة. وهناك وبعد تناوُلِ ما لذَّ وطاب من الطعام، قام والد دينة الأخ الدكتور سمير حداد بإلقاء كلمة من القلب يعبِّر فيها هو وزوجته المحبوبة عن امتنانهما للرب الكريم وشكرهما على صنيعه العظيم فقال:

 "دينة، لو أردتُ أن أختارَ كلمةً أو فكرةً رئيسيةً أخاطبُكِ فيها هذا المساء،  لَما وجدتُ كلمةً أفضل من "كرامة". فالطريقُ الذي اجتزتِه خلالَ سني المدرسة كان طريقَ الشرف والكرامة والامتياز. ففي المدرسة الثانوية اخترتِ حصصَكِ من منهاج الطلاب المتفوّقين، وفي جامعة لوس أنجلوس (UCLA) أيضاً انخرطت في برنامج الفائزين، فتخرَّجت بتفوُّق. هذا هو جانبٌ واحد فقط من جوانبِ حياتك. وأريد هنا أن أركِّز على كيفية إكرامك للرب يسوع المسيح في حياتك العملية وفي نفس الوقت كيف أكرمك الرب يسوع بدوره في إنجازاتك كما يقول في كلمته المقدسة: "وأكرمُ الذين يكرمونني" (1صموئيل 30:2). فأذكرُ كيف أنكِ أكرمتِ الرب يوم تخرَّجت من الثانوية العامة حين ألقيتِ خطاب التخرج (Valedictorian) الموجّه إلى طلاب المدرسة في العام 1999، إذ دعوت من خلاله رفاقك ورفيقاتك المتخرجين معك إلى أن يختبروا هم أيضاً خلاصَ المسيح. وبعدئذٍ وفي جامعة لوس أنجلوس (UCLA) سرعان ما انضممْتِ إلى فئة الطلاب المؤمنين المفديين لتقفي وقفةً صامدة تدعَمينَ فيها كلَّ ما هو حقٌ وجليل. وفي جامعة الحقوق في سان فرانسيسكو (UC Hasting) جاهدْتِ جهاداً حسناً في سبيل الحفاظ على حق النادي المسيحي للاجتماع بحرية ضمن تعاليم الكتاب المقدس التي تميِّز الأمور المتخالفة وتعلِّي الحقَّ وتدحضُ الباطل.

والآن ها أنتِ قد أصبحت محاميةً جاهزة لكي تحملي على عاتقك قضايا العائلة في بيفرلي هيلز في كاليفورنيا. فما أعجبَه حقاً من حقل إرسالي!!! صلاتنا للرب أن يباركَكِ لكي تكوني أداةَ خير وسلامٍ ومصالحة في عالمٍ مليء بالخصامِ والنزاع. صلاتنا أن تعكسي نور المسيح وسطَ عالمٍ مظلم وتكوني مِلحاً فعّالا لكي تحافظي على كل ما هو نقي وحق. أنتِ أكرمتِ الله عن طريقِ إكرام والديك أيضاً. إذ نشعر أنا ووالدتُك بأنَّ الله قد باركنا جداً حين منحَنا إيَّاكِ يا ابنتي. وبمجرد أن نلفظَ اسمَكِ في البيت تعلو البسمةُ وجوهَنا، وتمتلئ قلوبُنا بالفرح والسرور. ولا يزال كلامُكِ يرنُّ في أذني حين قلتِ: أود إكرامَ والديَّ عن طريق إخبارِهم بنفسي عن نجاحي واجتيازي فحص BAR الصعب. وهكذا امتطيتِ الطائرة من لوس أنجلوس في الليلة ذاتها لكي تأتي بنفسك وتخبرينا هذا الخبر السار. فيا لها من مرحلةٍ سامية في حياتنا. ولا يزال الرب يبارككِ ويمنحك نعمة في عينيه. أنتِ الآن تكرمين الرب إذ تعيشين حياةَ الطُّهرِ والنقاء، وحياةَ التكريس له. بالحق أنتِ تسيرين في خُطى الرب يسوع. لا زلتُ أذكر كيف اتَّخذتِ القرار لتتخصَّصي في حقل قانون العائلة وقضاياها، مع أنكِ كنتِ تعلمين تمامَ العلم أنَّ هذا المنحى من القضاء هو مكلِّفٌ لكِ من الناحية العاطفية. لكنَّكِ صليت وطلبتِ من الرب الإرشاد. وهكذا قررتِ أن تخوضي هذا النوع من القضاء بعد أن سمعْتِ دعوةَ الرب لك. كلُّ ذلك لكي تستطيعي أن تتركي أثراً طيباً في صرح العائلة الذي يحتاج إلى إعادة ترميم وإحياء من جديد، واسترجاعٍ إلى جادة الصواب.

وها أنتِ الآن مندفعة بقوة الرب وجاهزة لكي تنطلقي. صلاتي أن يباركك الرب لتكوني بلسماً للجراح في عالم مليء بالأذى والألم، وصوتاً يذيع الأخبار السارة وبشارة الإنجيل المفرحة، كيما يحصل كلُّ محتاج على الحياة والحياة الأفضل.

لقد استجاب الرب لنا يا ابنتي يوم قمنا أنا وأمك بتكريسك ولم يكن عمرك إذ ذاك سوى ساعات قليلة، في أوبيليكا Opelika، في ولاية ألاباما. ونحن الآن نرى يد الرب ومعاملاته الواضحة في حياتك، وعلى ثقة بأن: "الذي ابتدأ فيكم عملاً صالحاً يكمِّل إلى يوم يسوع المسيح" (فيلبي 6:1). نحن فخورون جداً بك، نحبُكِ يا ابنتي، وتهانينا الحارة“.

المجموعة: 200702