شباط (فبراير) 2007

”ورأيت عروشاً فجلسوا عليها، وأُعطوا حكماً، ورأيت نفوس الذين قُتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله. والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته، ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى أيديهم، فعاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة“ (رؤيا 4:20).

 

لم يقل الرب يسوع لتلاميذه كل ما يتصل بالمستقبل أثناء وجوده بالجسد معهم، وذلك لأن قدرتهم للفهم لم تكن في المستوى الذي يجعلهم يفهمون التدبير الإلهي، لذلك قال لهم: ”إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية“ (يوحنا 12:16-13).

وبعد صعود المسيح إلى السماء حل الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين وأعطاهم القدرة على تذكّر ما قاله المسيح، كما أعطاهم النبوات الخاصة بالمستقبل، فأعطى بولس ما جاء في 2تسالونيكي 1:2-11، وأعطى يهوذا رسالة يهوذا.

وأرسل يسوع ملاكاً لتلميذه الحبيب يوحنا أعطاه كل إعلانات سفر الرؤيا عن أحداث المستقبل.. ومنذ ذلك الوقت دارت عجلة النبوة تعلن صدق ما جاء في هذا السفر النبوي العظيم.. ومع أن سفر رؤيا يوحنا كُتب بلغة مجازية، إلا أنه كُتب ليفهمه الذين يدرسون نبوات العهد القديم، وأُعطيت بركة خاصة للذين يقرأونه ويسمعونه ويحفظون ما هو مكتوب فيه.

”طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة ويحفظون ما هو مكتوب فيها لأن الوقت قريب“ (رؤيا 3:1).

وقد أعلن سفر الرؤيا بكلمات لا غموض فيها أن هناك جماعة من مؤمني العهدين القديم والجديد سيقومون بأجساد ممجدة ويملكون مع المسيح على الأرض ألف سنة.

هذه الجماعة ستضم المؤمنين الغالبين ”رأيت عروشاً فجلسوا عليها وأُعطوا حُكماً“. ”من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي“  (رؤيا 21:3). وستضم شهداء كل العصور ”الذين قُتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله“؛ وستضم الذين رفضوا السجود للوحش [الحاكم العالمي القادم] رؤيا 7:13، ورفضوا وضع سمته على أيديهم وعلى جباههم. هؤلاء (فقط) سيقومون في القيامة الأولى ”مبارك ومقدس من له نصيب في القيامة الأولى... سيكونون كهنة لله والمسيح وسيملكون معه ألف سنة“ (رؤيا 6:20). ”وأما بقية الأموات فلم تعش (أي لم تأخذ أجساداً) حتى تتم الألف السنة“ (رؤيا 5:20).

فهل لك نصيب في ملك الألف السنة؟

وقد يخطر ببالنا سؤال: ما ضرورة ملك الألف السنة... ولماذا لا يتلاشى الزمن في الأبدية وندخل الحالة الأبدية؟

أولاً: ملك الألف السنة هو إتمام للنبوات التي كُتبت عنه.

حين بشر الملاك جبرائيل مريم العذراء بمولد المسيح قال لها: ”هذا يكون عظيماً وابن العليّ يُدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية“ (لوقا 32:2).

وتنبأ إشعياء النبي عن وقت ملك المسيح على الأرض فقال: ”ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم. وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب“ (إشعياء 2:2-3). هذه النبوات ستتم حرفياً في ملك الألف السنة.

ثانياً: ملك الألف السنة يعطينا صورة للحياة على الأرض لو أن الناس خضعوا لحكم المسيح بدلاً من خضوعهم لسلطان الشيطان.

في ملك الألف السنة يكون المسيح هو الملك، وتحت سيادته يعم السلام الأرض، وتتم كلمات النبوة:

”فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين، فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب فيما بعد“ (إشعياء 4:2).

”لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً، وتكون الرياسة (أو السلطة الحاكمة) على كتفه... لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر“ (إشعياء 6:9-7).

في مدة الألف السنة سيعلن الله للناس أن الشيطان كان وراء الدماء التي سالت في الحروب.. والقباحات التي ارتكبتها الشعوب، والظلم الذي ساد الدول والفوضى الأدبية والأخلاقية، وابتداع الديانات التي ضللت الإنسانية.

في مدة الألف السنة يقيّد الشيطان ويُطرح في الهاوية ”ورأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده. فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان وقيّده ألف سنة وطرحه في الهاوية وأغلق عليه وختم عليه لكي لا يضل الأمم في ما بعد حتى تتم الألف سنة وبعد ذلك لا بد أن يحل زماناً يسيراً“ (رؤيا 1:20-3).

سيتحرر العالم كله من سيادة الشيطان، ويصبح تحت سيادة المسيح، ويذوق الناس حلاوة ملك المسيح لمدة ألف سنة.

ثالثاً: ملك الألف السنة يعلن لنا مدى فساد طبيعة الإنسان الساقطة.

”ثم متى تمت الألف السنة يحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم.  وإبليس الذي كان يضلّهم طُرح في بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبي الكذاب وسيُعذبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين“ (رؤيا 7:20-10).

بعد الحياة تحت ملك المسيح في عالم يسوده السلام والرخاء والصحة الكاملة... متى خرج الشيطان من سجنه، ونشر ضلالاته الفكرية، واستعرض قباحاته الجسدية بكل ألوانها... نرى الأمم وقد اندفعت تتبع ضلالات الشيطان، وتتجنّد في جيشه منجذبة بقوة طبيعتها الساقطة التي ورثتها من آدم.

هذا آخر امتحان للإنسان. وسيثبت الإنسان فشله الذريع حين يذهب للحرب ضد المسيح في أورشليم.. ولن تطول المعركة إذ ستنزل نار من عند الله وتأكلهم.

ويتقرر المصير الأبدي لإبليس إذ يُطرح في بحيرة النار حيث يقضي الأبدية في عذاب رهيب مع الوحش والنبي الكذاب (رؤيا 10:20)..

رابعاً: ملك الألف السنة سيرينا صورة للحياة في جنة عدن قبل عصيان الإنسان ولعنة الرب للأرض.

في جنة عدن التي كانت حدودها من نهر الفرات إلى نهر النيل (تكوين 7:2-14 وتكوين 10:13 وتكوين 18:15)، عاش آدم وحواء حياة جميلة هادئة لا أتعاب فيها ولا أخطار، وفي ملك الألف السنة.. تعود الأرض إلى حالتها قبل أن تُلعن، وتعود الحيوانات المفترسة إلى طبيعتها الأليفة وتتلاشى وحشيتها وسمومها وعدوانها ”فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمسمَّن معاً، وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان. تربض أولادهما معاً، والأسد كالبقر يأكل تبناً. ويلعب الرضيع على سرب الصلّ، ويمدّ الفطيم يده على جحر الأفعوان“ (إشعياء 6:11-8. وتزهر الأرض وتثمر ويزول منها الشوك والحسك ”فيقولون: هذه الأرض الخربة صارت كجنة عدن، والمدن الخربة والمقفرة والمنهدمة محصنة معمورة“ (حزقيال 35:36). ”تفرح البرية والأرض اليابسة، ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس، يزهر إزهاراً ويبتهج ابتهاجاً ويرنم“ (إشعياء 1:35-2). وهكذا تنتهي المجاعات، والأزمات، وتتوفر المحاصيل الزراعية لسد احتياجات الناس الذين سيعيشون في ملك الألف السنة. ومع كل هذا الرخاء فسيعيش سكان الأرض أصحاء تماماً ”ولا يقول ساكن أنا مرضت“ (إشعياء 24:33).

صورة بهية للجنة التي كان من الممكن أن يعيش فيها الإنسان ومع كل هذا الجمال، وهذا الرخاء، وهذه الراحة، فإن الحالة الأبدية ستكون أفضل من ذلك بكثير ”كما هو مكتوب ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه“ (1كورنثوس 14:2).

أختم بهذه الكلمات: لما وقف يسوع أمام بيلاطس، قال له بيلاطس: ”أأنت ملك اليهود؟... أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أُسلّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا“ (يوحنا 33:18-36).

وكلمة ”الآن“ في غاية الأهمية... وقت أن وقف المسيح أمام بيلاطس، وقف ليُصلب.. لذلك قال: ”الآن ليست مملكتي من هنا“. أما حين يعود، فسيعود على فرس أبيض ”وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب“ (رؤيا 16:19).

في ذلك الوقت سيؤسس ملكه السعيد على الأرض، ويبقى هذا المُلك ألف سنة... ثم يتلاشى الزمن في الأبدية ”متى سلَّم المُلك لله الآب، متى أبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة. لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه“ (1كورنثوس 24:15-25).

أعود فأقول:

¨  ملك الألف السنة هو إتمام للنبوات التي كُتبت عنه.

¨  ملك الألف السنة يعطينا صورة للحياة على الأرض لو أن الناس خضعوا لحكم المسيح بدلاً من خضوعهم لسلطان الشيطان.

¨  ملك الألف السنة يعلن لنا مدى فساد طبيعة الإنسان الساقطة.

¨  ملك الألف السنة سيرينا صورة للحياة في جنة عدن قبل عصيان الإنسان ولعنة الرب للأرض.

وعندما يتلاشى الزمن في الأبد سنرى مدى عمق حكمة الله وعلمه في تدبيره للأزمنة والأوقات التي جعلها في سلطانه.

المجموعة: 200702