اذار (مارس) 2007

”وأنا أقول لكم: اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم، حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية“ (لوقا 9:16)

المثل الذي ذكرت فيه هذه الآية يُسمى ”مثل وكيل الظلم“ وقد أُطلقت عليه هذه التسمية، لأنه يتضمن تصرف وكيل أقامه صاحب رأسمال لإدارة أمواله، فبذر الوكيل أموال سيده، ولما عرف السيد بالأمر، دعا وكيله وقال له: ”أعطِ حساب وكالتك لأنك لا تقدر أن تكون وكيلاً بعد“. ولما عرف الوكيل أنه سيُفصَل من عمله دعا كل واحد من مديوني سيده وتنازل للأول عن خمسين في المئة من دينه، وللثاني عن عشرين في المئة، وكان هدفه من هذا التصرف ”إذا عُزلت عن الوكالة يقبلوني في بيوتهم“, ”فمدح السيد وكيل الظلم إذ بحكمة فعل“. والسيد الذي مدح وكيل الظلم هو سيده، وليس المسيح. فالمسيح لا يشجّع على الظلم ولا يمدح الظالمين.

 

ظلم الوكيل سيده.. ظلمه بتبذير أمواله... وظلمه بالتنازل لمديونيه عن بعض ديونهم. ومن هنا سُمّي ”وكيل الظلم“ وسُمي المثل باسمه.

وقد أثار مثل وكيل الظلم الكثير من النقاش، فظن البعض أنه يمدح عدم الأمانة. لكن من يقرأ المثل بتدقيق يرى أنه يدين عدم الأمانة إذ قال يسوع في تعليقه عليه: ”الأمين في القليل أمين أيضاً في الكثير. والظالم في القليل ظالم أيضاً في الكثير. فإن لم تكونوا أمناء في مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق“ (لوقا 10:16-11). وقد أطلق يسوع على المال اسم ”مال الظلم“ لأن الوكيل ظلم سيده وأعطى ماله لمديوني سيده.

صاحب ”المال“ ظلمه الوكيل بتبذير أمواله وإعطاء هذا المال لمديوني سيده.. والمديونون قبلوا أن يُظلم صاحب المال ليستفيدوا هم به.. والقاسم المشترك الأعظم في هذا الظلم هو ”المال“ ولذا أطلق عليه المسيح اسم ”مال الظلم“. واحد مظلوم لأن ماله أُخذ منه.. والثاني ظالم لأنه أخذ مالاً لا يستحقه.

لكن ماذا كانت حكمة الوكيل الذي مدحه سيده؟ كانت حكمته في تفكيره وتدبيره لمستقبله الأرضي.. وقال المسيح عنها: ”لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم“. أبناء هذا الدهر يفكرون ويدبرون لمستقبلهم الأرضي.. وأبناء النور، أولاد الله أهملوا التفكير في مستقبلهم الأبدي، وقال يسوع في المثل: ”وأنا أقول لكم اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم“.

صناعة الأصدقاء أمر من المسيح للمؤمنين به، وعليهم طاعته. وأقول بأسف شديد إن ظروف المجتمعات الحديثة أضاعت وقت صناعة الأصدقاء.

فالعمل من الصباح الباكر إلى المساء يستنزف النشاط، ويرهق الأعصاب. والتلفزيون بأخباره، ورواياته يأخذ الكثير من الوقت، وقد حل محل الأصدقاء. ومسئوليات البيت والأولاد، أخذت باقي الوقت.. ومع معرفة الرب بهذا كله أمر المؤمنين قائلاً: ”اصنعوا لكم أصدقاء“.

اختيار الأصدقاء

صناعة الأصدقاء تتطلب الحكمة والتدقيق، فكم من صداقات أفسدت البيت والأولاد، وسلبت القيم الحقيقية للحياة. لذلك أقول:

1- اختر الأصدقاء المخلّصين

الأصدقاء غير المؤمنين سيفسدون حياتك، وحياة زوجتك وأولادك. ”لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة“ (1كورنثوس 33:15).

تفاحة واحدة فاسدة، تفسد صندوقاً مليئاً بالتفاح وليس العكس. لذلك قال صاحب المزمور: ”طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس“ (مزمور 1:1). فابعد عن صداقة الأشرار وصادق أولاد الله.

2- اخترْ أصدقاء مصلين

دانيال النبي اختار هذا النوع من الأصدقاء، ولما وقع في أزمة تفسير تمثال الملك نبوخذنصر، ذهب إلى أصدقائه ”شدرخ وميشخ وعبدنغو“، ”ليطلبوا المراحم من قِبل إله السموات من جهة هذا السر لكي لا يهلك دانيال وأصحابه مع سائر حكماء بابل“ (دانيال 18:2). وقد استجاب الرب صلاتهم وكشف لدانيال حلم الملك وأعطاه تعبيره.

فاختر أصدقاء مصلين حتى إذا مررت في محنة، أو تجربة يمكنك أن تطلب منهم الصلاة لأجل ظروفك.

3- اختر أصدقاء مُخلصين

×  الصديق المُخلص يقول لك عن أخطائك، ولا يقولها لغيرك. ”أمينة هي جروح المحب“ (أمثال 6:27).

×  الصديق المخلص تستطيع الثقة به، فتقول له أسرارك ومتاعبك ولا تخاف من إذاعتها للآخرين.

×  الصديق المخلص يقبلك كما أنت، يقبل وجه ”دكتور جيكل“ الرقيق الطيب، ووجه ”مستر هايد“ القبيح.. ويساعدك على التخلص من الوجه القبيح.

×  الصديق المخلص يقدم لك مشورة حكيمة لمصلحتك..

      لما ارتقى ”رحبعام“ عرش سليمان أبيه، استشار الشيوخ الذين أعطوه مشورة حكيمة، لكنه لم يقبل مشورتهم، واستشار الأحداث الذين نشأوا معه فأشاروا عليه مشورة أضاعت منه عشرة أسباط (1ملوك 1:12-20).

×  الصديق المخلص يدافع عنك في غيبتك. كان يوناثان ابن الملك شاول صديقاً مخلصاً لداود، ولما عرف أن أباه يريد أن يقتل داود ”تكلم يوناثان عن داود حسناً مع شاول أبيه وقال له لا يخطئ الملك إلى عبده داود لأنه لم يخطئ إليك ولأن أعماله حسنة جداً فإنه وضع نفسه بيده وقتل الفلسطيني فصنع الرب خلاصاً عظيماً لجميع إسرائيل.. فلماذا تخطئ إلى دم بريء بقتل داود بلا سبب. فسمع شاول لصوت يوناثان وحلف شاول حي هو الرب لا يُقتل“ (1صموئيل 4:19-6).

×  الصديق المخلص يعزيك في محنتك وآلامك.. ويقف معك حين يتركك الجميع.

4- اختر أصدقاء روحيين

هناك نوعان من المؤمنين: المؤمن الجسدي كلوط، والمؤمن الروحي كإبراهيم الذي صار صديقاً للرب (يعقوب 23:2).

كتب بولس الرسول للمؤمنين في كورنثوس قائلاً: ”وأنا أيها الإخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال في المسيح... لأنكم بعد جسديون. فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر“ (1كورنثوس 1:3-3).

المؤمن الروحي حواسه مدربة للتمييز بين الخير  والشر (عبرانيين 12:5-13). المؤمن الروحي يحكم في كل شيء (1كورنثوس 15:3).

المؤمنون الجسديون يحسدون، ويخاصمون، ويسببون الانشقاقات. وعلى أساس تصرفهم لن يكونوا من العروس قريبين من المسيح بل سيكونون فقط من شعوب المخلصين (رؤيا 24:21).

تكاليف الصداقة الحقيقية

الصداقة الحقيقية مكلفة.

1- تتطلب التضحية بالمال

”اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم“ فإذا كنت بخيلاً فلن تستطيع أن تكون صديقاً. فالصداقة الحقيقية تُصنع بمال الظلم، الدعوة للعشاء.. الهدايا في المناسبات.

لما أحب يوناثان داود ”خلع يوناثان الجبة التي عليه وأعطاها لداود مع ثيابه وسيفه وقوسه ومنطقته“ (1صموئيل 4:18).

2- تتطلب التضحية بالوقت

وقت تقضيه مع الصديق.. وقت للتعزية حين يكون في محنة.. وقت للتهنئة حين يكون في فرح ”فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين“. نقرأ عن لقاء داود مع يوناثان الكلمات: ”وقبّل كل منهما صاحبه وبكى كل منهما مع صاحبه حتى زاد داود“ (1صموئيل 41:20).

3- تتطلب التضحية بالجهد وأحياناً بالحياة

في رومية 16 قائمة بأسماء أصدقاء وصديقات بولس الرسول، اقرأها لترى مدى ارتباط بولس بهؤلاء.. فهو يذكر بريسكلا وأكيلا وتضحيتهما الكبرى من أجله، ويذكر مريم التي تعبت كثيراً، ويذكر أوربانوس الذي عمل معه، ويذكر ترفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب، ويذكر برسيس المحبوبة التي تعبت كثيراً.. والقائمة تستمر، وكلها أسماء أصدقاء مضحين.

بركات الصداقة الحقيقية

1- بركة الشركة الروحية

الأصدقاء الروحيون يتمتعون معاً بشركة روحية قوية. ”حينئذ كلم متقو الرب كل واحد قريبه والرب أصغى وسمع وكُتب أمامه سفر تذكرة للذين اتقوا الرب وللمفكرين في اسمه. ويكونون لي قال رب الجنود في اليوم الذي أنا صانع خاصة“ (ملاخي 16:3و17). وتقول ترجمة إنجليزية ”ويكونون لي في اليوم الذي أجمع فيه جواهري“ (NKJ).

2- بركة الحكمة السماوية

”المساير الحكماء يصير حكيماً ورفيق الجهال يُضرّ“ (أمثال 20:13). ”الصديق يهدي صاحبه. أما طريق الأشرار فتضلهم“
(أمثال 26:12). فحين تصادق حكيماً  ستتعلم حكمته وتصير حكيماً.

لا تصادق شخصاً سريع الغضب (أمثال 24:22). لا تصادق نماماً (أمثال 22:26).. صادق شخصاً حكيماً لتصير حكيماً.

3- بركة القبول في المظال الأبدية

”اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبدية“.

شاخ الجد التقي ووصل إلى سن التسعين، واجتمع أولاده وأحفاده، وكلهم كانوا ناجحين، وجمعوا عشرة آلاف دولار وقدموها له في عيد ميلاده.. أخذ الجد المال وأرسله إلى جمعية ترجمة الكتاب المقدس. ولما سأله أفراد أسرته لماذا فعل ذلك؟ قال: لأني أريد أن أجد في الحياة الأبدية أصدقاء يقبلونني في المظال الأبدية. هذا المبلغ سيُستخدم في طباعة الكتاب المقدس في لغة قبيلة أفريقية لم يُطبع الكتاب المقدس في لغتها من قبل... ولما أصل هناك سأجد بعض أفراد هذه القبيلة وأسألهم: كيف وصلوا إلى الحياة الأبدية فيخبرونني أنهم قرأوا الكتاب المقدس في لغتهم وآمنوا بالمسيح رباً ومخلصاً.. فأقول لهم: أنا ساهمت في طباعة هذه الترجمة. فيهتفون: إذا أنت صديقنا في المظال الأبدية.

الحياة بغير أصدقاء مملّة، فاصنع لك أصدقاء روحيين ومخلصين.

المجموعة: 200703