تشرين الأول (أكتوبر) 2007

تكلمنا في المرة الماضية عن السبب الذي من أجله أوحى الروح القدس ليهوذا بأن يكتب هذه الرسالة وهو لينذر المؤمنين بخصوص المعلمين الكذبة الذين دخلوا إلى الكنيسة خلسة، فأكد لهم ولنا الدينونة التي لا بد أن تقع عليهم. والآن سنواصل دراستنا ابتداء من عدد 8 وأرجو أن تقرأ الآيات 8-11 مرة أخرى.

 

في عدد 8 يذكر لنا ثلاثة أشياء عن هؤلاء المعلمين الكذبة الأشرار.

أولاً: إنهم يعيشون في أحلام وأوهام نجسة

فأحلامهم وأفكارهم وتخيلاتهم نجسة وبها يتنجسون. فكما كان أهل سدوم وعمورة المذكورين في عدد 7 ينجسون أجسادهم بشذوذهم الجنسي، كذلك هؤلاء المعلمون الكذبة يعيشون في نجاسة أحلامهم القذرة.

ثانياً: إنهم يتهاونون بالسيادة

أي لا يخضعون للسلطات المعينة من الله. في رومية 1:13-2 يقول الرسول بولس: ”لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله. والسلاطين الكائنة هي مرتّبة من الله، حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة“. ولكن التاريخ يخبرنا عن معلمين كذبة، لا سيما في العصور الوسطى في أوربا، ادّعوا لأنفسهم سلطة جعلتهم يهينون الحكام والملوك، وهم يزعمون أنهم يستطيعون أن يقرروا خلاص أو هلاك من يشاءون.

ثالثاً: ”يفترون على ذوي الأمجاد“

فهم لا يتهاونون بالسيادة فقط، بل يفترون على ذوي الأمجاد سواء من البشر أو الملائكة، وبل على الرب يسوع المسيح نفسه. فمنهم من ادّعى أن ملاكاً من السماء كلمه وأعطاه وحياً جديداً يُضاف إلى الكتاب المقدس. ومنهم من افترى على الرب يسوع المسيح وجعله لا يعلو عن ملاك من الملائكة، إلى آخره... الأمر الذي لا يسعنا المجال أن نتكلم عنه بالتفصيل. بالمقارنة مع هذا يعلمنا عن ميخائيل رئيس الملائكة حين خاصم إبليس بخصوص جسد موسى. لما مات موسى النبي دفنه الرب في أرض موآب ”ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم“ (تثنية 6:34). ولكن يبدو أن إبليس اعترض على ذلك لأنه أراد أن يفسد الشعب، إذ يجعلهم يزورون قبره كنوع من التعبد، كما يفعل البعض في أيامنا هذه بخصوص قبور أو آثار لرجال الله مثل الأيقونات وما شاكلها. ومن المعروف أن بني إسرائيل كانوا يوقدون قرابين للحية النحاسية التي صنعها موسى كما أمر الرب لشفاء من لدغتهم الحيات. ولكن الملك التقي حزقيا ”سحق الحية النحاسية التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان“ (2ملوك 4:18). فكم بالأولى لو عرفوا قبر موسى! ولكن الملاك ميخائيل الذي سمّي واحداً ”من الرؤساء الأولين“ (دانيآل 13:10) وهو المسئول عن بني إسرائيل (انظر دانيآل 1:12)، خاصم إبليس، أي اختلف معه أو اعترض عليه بخصوص جسد موسى ولكنه لم يتعدّ حدوده، بل فقط قال له: ”لينتهرك الرب“. فمع أن إبليس عدو للمؤمنين إلا أن رئيس الملائكة ميخائيل أدرك حدود سلطته، كما أدرك أن الرب هو صاحب السلطان المطلق. أما هؤلاء المعلمون الكذبة فيتبجحون ويتكلمون بكبرياء عن أمور لا يعرفونها ولا يفهمونها. أما بخصوص الغرائز الطبيعية التي يعرفونها ويفهمونها كما تعرفها البهائم ففيها يفسدون أنفسهم.

في عدد 11 يتكلم عن ثلاث ضلالات اتصف بها هؤلاء المعلمون الكذبة: ”ويل لهم لأنهم سلكوا طريق قايين، وانصبُّوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرة، وهلكوا في مشاجرة قورح“. يا لها من كلمة خطيرة ”ويل لهم“! هم يهنئون أنفسهم بما وصلوا إليه من مركز وسلطان وأرباح مادية، ولأنهم يُشبعون غرائزهم كما يريدون. ولكن الله الذي يعرف النهاية من البداية يقول: ”ويل لهم“. وذلك لثلاثة أسباب:

أولاً: ”لأنهم سلكوا طريق قايين“

ما هو طريق قايين؟

إذا رجعنا إلى تكوين 4 نتعلم أن قايين أراد الاقتراب إلى الله على أساس أعماله، بدون أن يعترف بأنه خاطئ يحتاج إلى الفداء - الأمر الذي علّمه الله لآدم وحواء، وهما بلا شك علّماه لابنيهما قايين وهابيل. وآمن هابيل بذلك، فقدم لله من ”أبكار غنمه وسمانها“ (تكوين 4:4). ويعلق الروح القدس على ذلك في عبرانيين 4:11 فيقول: ”بالإيمان قدَّم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين، فبه شُهد له أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه. وبه، وإن مات، يتكلم بعد!“. والمقصود بالقول ”يتكلم بعد“ أنه لا زال يعلمنا هذا الدرس الأساسي: ”بدون سفك دم لا تحصل مغفرة“ (عبرانيين 22:9). وهذه الذبائح بكل تأكيد هي رموز لذبيحة المسيح الذي قال عنه يوحنا المعمدان: ”هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم“ (يوحنا 29:1). ”لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا“ (عبرانيين 4:10). أما قايين فغضب لأن الله لم ينظر إلى تقدمته. ومع أن الله أعطاه فرصة للتوبة والخضوع للفكر الإلهي إلا أنه رفض ذلك رفضاً تاماً. من الواضح أن قايين لم يكن ملحداً، بل كان يؤمن بوجود الله، ويمكننا أن نقول أنه كان متديناً يؤدي عبادته حسب فكره الخاص. كما قال المسيح عن الفريسيين أنهم يعلّمون تعاليم هي وصايا الناس.

طريق قايين إذاً هو محاولة الإنسان أن ينال الخلاص على أساس مجهوداته الذاتية، منكراً لزوم الفداء. والحقيقة هي أن هذا هو المبدأ العام لكل الديانات الباطلة ومنها المسيحية الإسمية، ليس ذلك فقط بل إن طريق قايين يؤدي إلى اضطهاد المؤمنين الحقيقيين كما فعل قايين إذ ”قام على أخيه وقتله“ (تكوين 8:4). فهو أول مؤسس للديانة البشرية الكاذبة وهو أول مضطهد للمؤمنين، وأوّل قاتل في التاريخ، ولكنه ليس آخرهم. فاضطهاد المؤمنين الحقيقيين في كل العصور كان بواسطة معتنقي الديانات الباطلة بما فيها المسيحية الإسمية الكاذبة التي تقاوم التعليم النقي، لا سيما بخصوص الخلاص بالنعمة بالإيمان. هؤلاء المعلمون الكذبة سلكوا طريق قايين.

ثانياً: ”وانصبّوا إلى ضلالة بلعام لأجل أجرة“

قصة بلعام مدونة لنا في سفر العدد 22-24. بالاختصار هي أن بالاق ملك موآب دعا بلعام العرّاف ليلعن إسرائيل. ولكن الله قال لبلعام: ”لا تذهب“ (عدد 12:2). وكان هذا يكفي ليمتنع تماماً عن الذهاب. ولكنه كان يرغب في الأجرة الكبيرة التي وعده بها بالاق - والمجال لا يسمح بالدخول في تفاصيل هذه القصة - ولكن يكفي أن نقول أنه كان ”عرّافاً“ والعرافة خطيئة مكروهة عند الرب، وكان يذهب إلى مذابح البعل ليوافي فألاً. ولكن في كل مرة منعه الرب عن أن يلعن الشعب وحوّل اللعنة إلى بركة. إلا أن بلعام إذ فشل في محاولته لاستعمال السحر ليلعن شعب الرب، دبّر خطة أخرى خبيثة وهي أن يغري بني إسرائيل ليزنوا مع بنات موآب ويسجدوا لآلهتهن. لماذا فعل بلعام هذا؟ الجواب هو ”لأجل أجرة“. حقاً إن ”محبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة“ (1تيموثاوس 10:6). مات بلعام مقتولاً ولم تنفعه الأجرة ولا الشهرة. وسيبقى طوال الأبدية في الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. عجباً أن الوحي المقدس يخبرنا أن معلمين كذبة اندسوا بين المؤمنين ووقعوا في نفس الفخ الذي وقع فيه بلعام لأجل أجرة. عن مثل هؤلاء يقول الرسول بولس: ”لأن مثل هؤلاء لا يخدمون ربنا يسوع المسيح بل بطونهم. وبالكلام الطيب يخدعون قلوب السلماء“ (رومية 18:16).

ثالثاً: وهلكوا في مشورة قورح

حادثة هلاك قورح مدونة لنا في سفر العدد 16. أراد قورح أن يغتصب الكهنوت وقام هو والذين معه، مئتان وخمسون ضد موسى وهارون، ولكنه هلك هو وأتباعه إذ ”فتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل من كان لقورح مع كل الأموال، فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية، وانطبقت عليهم الأرض، فبادوا من بين الجماعة“ (عدد 32:16-33).

طريق قايين هو الديانة الباطلة،

وضلالة بلعام هي الخدمة الباطلة،

 ومشاجرة قورح هي العبادة الباطلة.

وهذا كله حدث في تاريخ الكنيسة منذ القرن الأول إلى الآن.

وسنتعلم أكثر عن المعلمين الكذبة في المرة القادمة - إن شاء الرب وعشنا.

المجموعة: 200710