تشرين الأول (أكتوبر) 2007

كتابة رسالة تتحدث إلى العقل والقلب لإنسان فقد بالموت شخصاً محبوباً لديه.. زوجة عاشت معه سنين طويلة، أو ابناً، أو ابنة، أو صديقاً حميماً.. ليست بالأمر السهل. فمع أن الموت حقيقة لا مفر منها "لأنه لا بد أن نموت ونكون كالماء المهراق على الأرض الذي لا يُجمع أيضاً" (2صموئيل 14:14). إلا أننا نريد أن ننساه فنشغل أنفسنا بأمور كثيرة تبعدنا عن التفكير فيه.. وفجأة يدخل الموت بيوتنا وينتزع شخصاً قريباً إلى قلوبنا، فيغمرنا الحزن ويؤثر في معظم داوئر حياتنا.

 

مراحل رحلة الحزن

1- مرحلة الإنكار

أول مرحلة بعد موت حبيب هي مرحلة الإنكار، فمن فقد حبيباً بالموت لا يريد أن يصدق أنه مات.. في هذه المرحلة يستمر طيف الحبيب في الذهن، ويرافق الإنسان الحي في ذهابه ورواحه وتستغرق هذه المرحلة وقتاً قصيراً.

2- الإقرار بأن الحبيب مات

وهذه مرحلة صعبة نسكب فيها دموعاً غزيرة. الإنسان الذي كان موضوع حبنا، أو آمالنا، والذي ارتبطت به عواطفنا "مات" وهذا يعني أننا لن نراه.. لن نتحدث معه كما كنا نفعل، لن نحتضنه أو نقص عليه أسرارنا. والفراغ الذي نشعر به في هذه المرحلة فراغ مؤلم. لما جاء أولاد يعقوب إليه ومعهم قميص يوسف المغموس في الدم "وقالوا: وجدنا هذا. حقق أقميص ابنك هو أم لا؟ فتحققه وقال: قميص ابني. وحش رديء أكله أفتُرِس يوسف افتراساً! فمزق يعقوب ثيابه، ووضع مسحاً على حقويه، وناح على ابنه أياماً كثيرة. فقام جميع بنيه وجميع بناته ليعزوه. فأبى أن يتعزى وقال: إني أنزل إلى ابني نائحاً إلى الهاوية. وبكى عليه أبوه" (تكوين 32:37-53).

ولما وصلت أخبار موت "يوناثان" ابن شاول الملك الذي أحب داود كنفسه إلى داود. رثاه داود بالكلمات: "قد تضايقت عليك يا أخي يوناثان. كنت حلواً لي جداً. محبتك لي أعجب من محبة النساء" (2صموئيل 26:1).

ولما وصل خبر موت "أبشالوم" إلى الملك داود "فانزعج الملك وصعد إلى علية الباب وكان يبكي ويقول هكذا وهو يتمشى: يا ابني أبشالوم، يا ابني يا ابني! أبشالوم، يا ليتني متّ عوضاً عنك! يا أبشالوم ابني يا ابني" (2صموئيل 33:18).

3- مرحلة الشعور بالذنب

في هذه المرحلة يسأل الإنسان الحي نفسه: هل قمت بكل ما كان يجب أن أقوم به لهذا العزيز الذي مات؟ هل أهملت ناحية كان يجب الانتباه إليها؟ والشعور بالذنب في هذه المرحلة قوي خصوصاً إذا كان الإنسان الحي مسئولاً مسئولية مباشرة عن الإنسان الذي مات.

هذه المرحلة قد تستغرق شهراً أو أكثر قليلاً.

4- مرحلة مخاصمة الله

وتتجسم هذه المرحلة بعنف حين يكون الميت ابناً محبوباً مات في ريعان شبابه، أو زوجة شابة ماتت وهي تضع وليدها.. هنا يتساءل الإنسان الحي: لماذا سمح الله بهذه الفاجعة؟ أين كان حين حدث لابني أو لزوجتي أو لصديقي الحميم ما حدث؟ وقد تستمر هذه المرحلة لوقت طويل وهي مرحلة رفض لمشيئة الله وتمرد على إرادته.

هذه المرحلة يجب الخروج منها بسرعة لأنه "ويل لمن يخاصم جابله. خزف بين أخزاف الأرض. هل يقول الطين لجابله: ماذا تصنع؟" (إشعياء 9:45) "مخاصمو الرب ينكسرون" (1صموئيل 10:2).

5- مرحلة التسليم للأمر الواقع

وفي هذه المرحلة تحدث تغييرات طبيعية، وعاطفية، وعقلية.. ففي التغييرات الطبيعية تقل الرغبة في تناول الطعام مما ينتج ضعفاً في مقاومة الأمراض إذ يضعف جهاز المقاومة في الجسم، وفي التغييرات العاطفية يدخل الإنسان الحي في دوامة من التغييرات العاطفية فتطغى عليه موجات حزن، وخوف، وارتباك، وندم، وشعور بالوحدة فيقول مع صاحب المزمور: "سهدت وصرت كعصفور منفرد على السطح" (مزمور 7:102). وفي التغييرات العقلية قد يتخذ الإنسان الحي قرارات سريعة أو يفقد القدرة على اتخاذ أية قرارات، ويفقد القدرة على التركيز.. وقد يراجع أسس إيمانه ومعتقداته ويترك الكثير منها.. هذه مرحلة دقيقة قد تطول إلى أن يعود الحزين إلى حياته العادية.

كيف يعزي الرب الإنسان الحزين؟

يعزي الرب الإنسان الحزين:

1- بواسطة أصدقائه الأوفياء

حين وصلت أخبار الفواجع التي حدثت لأيوب في يوم واحد، وخصوصاً فاجعة موت أولاده العشرة "فقام أيوب ومزق جبته وجزّ شعر رأسه وخرّ على الأرض وسجد وقال: عرياناً خرجت من بطن أمي وعرياناً أعود إلى هناك. الرب أعطى والرب أخذ فليكن اسم الرب مباركاً. في كل هذا لم يخطئ أيوب ولم ينسب لله جهالة" (أيوب 20:1-22).

لا غضاضة في التعبير عن الحزن، وقت حدوث الموت أو المأساة. في الواقع إن هذا التعبير عن الحزن هو خطوة نحو تقبل حقيقة الموت والتسليم لمشيئة الرب..

لكن الرب يعزي الإنسان الحزين بواسطة أصحابه.. وهنا تظهر الصداقة الحقيقية، الصداقة التي تبكي مع الصديق الباكي. "فلما سمع أصحاب أيوب الثلاثة بكل الشر الذي أتى عليه، جاءوا كل واحد من مكانه: أليفاز التيماني وبلدد الشوحي وصوفر النعماتي، وتواعدوا أن يأتوا ليرثوا له ويعزوه. ورفعوا أعينهم من بعيد ولم يعرفوه، فرفعوا أصواتهم وبكوا، ومزَّق كل واحد جبته وذرّوا تراباً فوق رؤوسهم نحو السماء، وقعدوا معه على الأرض سبعة أيام وسبع ليال، ولم يكلمه أحد بكلمة لأنهم رأوا أن كآبته كانت عظيمة جداً".

(أيوب 11:2-13)

وإذ نتابع أصحاحات سفر أيوب نقرأ الحوار الذي دار بين أيوب وأصحابه، ونرى كيف يفسر الناس أسباب آلام الناس، وكيف حاول أصحاب أيوب تعزيته بحكمتهم الإنسانية.

2- بكلامه

يقول كاتب المزمور: "هذه هي تعزيتي في مذلتي، لأن قولك أحياني" (مزمور 50:119). ويقول بولس الرسول للقديسين في تسالونيكي: "ثم لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين، لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم. لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضاً معه. فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب لا نسبق الراقدين. لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة، وبوق الله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء. وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضاً بهذا الكلام" (1تسالونيكي 13:4-18).

كلام الله فيه عزاء للقلب.. لذلك أقول لأي شخص حزين: إقرأ الكتاب المقدس وقت حزنك، فستجد في كلامه عزاءً لنفسك، وراحة لقلبك واستقراراً لعقلك.

3- بشخصه

"مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، أبو الرأفة وإله كل تعزية، الذي يعزينا في كل ضيقتنا، حتى نستطيع أن نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله" (2كورنثوس 3:1و4).

الرب نفسه عزى تلاميذه بظهوره بعد قيامته في العلية وقال لهم: "سلام لكم" (يوحنا 19:20). "لأنه هو يجرح ويعصب. يسحق ويداه تشفيان" (أيوب 18:5).

حين تفقد حبيباً لديك بالموت، اذكر أن الموت ليس خاتمة قصة الحياة.. هناك الأبدية السعيدة التي تنتظر المؤمنين بالرب يسوع المسيح، وبموته لأجلهم على الصليب. الله تبارك اسمه "صنع الكل حسناً في وقته، وأيضاً جعل الأبدية في قلبهم، التي بلاها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية" (جامعة 11:3).

فكفكف دموعك، وتطلع إلى اليوم الذي فيه يتم الوعد الإلهي "لأن هذا الفاسد لا بد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت"، وحينئذ سترفع صوتك بالهتاف "أين شوكتك يا موت وأين غلبتكِ يا هاوية"  (1كورنثوس 53:15 و55). في ذلك اليوم "الموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت. وقال الجالس على العرش: ها أنا أصنع كل شيء جديداً" (رؤيا 4:21).

المجموعة: 200710