أيلول (سبتمبر) 2007

تعلمت منذ نعومة أظافري أن أحترم رجال الدين على اختلاف النحل والملل، وتعلمت كيف أدرس كلمة الله، فإن كلام الله هو إله الكلام. وفي دراستي للكتاب المقدس قرأت تلك القصة عن أولاد سكاوا: "فشرع قوم من اليهود الطوافين المعزمين أن يسمّوا على الذين بهم الأرواح الشريرة باسم الرب يسوع قائلين نقسم عليك بيسوع الذي يكرز به بولس. وكان سبعة بنين لسكاوا رجل يهودي رئيس كهنة الذين فعلوا هذا. فأجاب الروح الشرير وقال أما يسوع فأنا أعرفه وبولس أنا أعلمه وأما أنتم فمن أنتم. فوثب عليهم الإنسان الذي كان فيه الروح الشرير وغلبهم وقوي عليهم حتى هربوا من ذلك البيت عراة ومجرّحين" (أعمال 13:19-16).

إنهم يقلّدون الآخرين... فتراهم بين أرباب السياسة والوعاظ، بين رجال العلم وأصحاب المهن، بين كبار القوم وأوضع الخلق. الواقع أن التقليد طبع حيواني وإنساني، أي يشترك فيه الحيوان والإنسان. والتقليد مهنة قد تفيد في الحسنى والجلى كما في الغناء، ونحن نقلد الأبطال.

 

الأبناء يقلِّدون الآباء والأمهات. كنا خمسة صبيان إخوة، وكنا نقلد والدنا. وفي الكنيسة ونحن شباب كنا نقلِّد راعينا والمرنم، ومن هذه الكنيسة تخرّج خمسة عشر واعظاً محترماً. لقد رأيت ابنة والدين طبيبين وكانت تقول لمربيتها: دعيني أفحصك، ثم تقول: والآن، تنفّسي شهيقاً وزفيرا. إن الطفلة التي تسير في البيت حافية هي في الغالب "بنت الحافية". لكن ليست جبة شاول الملك العسكرية صالحة لداود بن يسى راعي الغنم. وهناك أناس لا أوصيك بتقليدهم، فهم العار إذا حلُّوا والخراب بعينه إذا تدخّلوا أو تداخلوا. لا تقلِّد إنساناً بائساً ولا تتمثـّل بالمتجبِّر فقد يكون كلاهما بلا قلب أو حس أو ناقم على نفسه ولاعن يوم مولده.

أنا لست معترضاً على تشغيل المعاقين، لكن ما رأيك إذا كانت الإعاقة عقلية؟ أو أن يكون الشخص معاقاً عقلياً في مركز حساس في الدولة؟ كان نيرون مختلاً فأحرق روما وكان هيرودس مضروباً بالعظمة فقتل الأطفال، وكان هتلر عنصرياً فقتل آلافاً من المواطنين العزّل، وما رأيك في تجار المخدرات في الأروقة الشعبية والسياسية،  وما خفى كان أعظم.

جلّ من لا يخطئ، و"إن قلنا أننا لم نخطئ نضلّ أنفسنا وليس الحق فينا".

ما يهمني هو أن الخطية الأصلية هي سبب الإجرام ومشكلة البشرية الموروثة من آدم وحواء، وتوارثها كل إنسان عند ولادته كما قال النبي داود: ”هئنذا بالإثم صُوِّرت وبالخطية حبلت بي أمي“ (مزمور 5:51).

هل سمعت عن الطبيب الذي أجرى عملية الكلى لمريض بدلاً من المريض الذي يرقد في السرير المجاور، أو الممرضة التي بسبب الاستخدام الخطأ للحاسوب أو الكمبيوتر أودت بحياة مريض آخر للموت. وهل يمكن أن يكون في الحبس مظاليم؟ نعم! إذا ما توافرت أركان الجريمة: الإجراءات القانونية للقبض، وشهادة الشهود، وأدوات الجريمة والمجنى عليه في موقع الجريمة، ومعرفة دوافع الجريمة، والاعتراف سيد الأدلّة. ولكن هل اجتهد رجال القانون في حل لغز الحكم القضائي غيابياً بدون إعلام المدّعى عليه؟ وهل يمكن التلاعب في قواعد الإثبات؟ إن المقدرة العصرية يمكن أن تشكل الصور وتجمع الأكاذيب وكأنها حقائق إلا إذا تمت المواجهة أمام القضاء العادل الذي يمكنه شجب الظلم والتلاعب المحسوس. ولكل أجلٍ كتاب.

وتتعدد أخطاء البشر فمنها ما يقع تحت بند السهوية والطبيعية، أما الظاهر منها فمن اختصاص القضاء. ولقد أسهبت الديانات في الشرح والشرع نزولاً وصعوداً في مفهوم ومعنى الخطية وطرق معالجتها. والعلم نفسه طرق تلك المواضيع لكن من أبواب خلفية، فعلوم الفلسفة، والاجتماع، والنفس، والطبيعة "البيولوجيا"، جميعها تتفق على أننا جميعنا في الموازين إلى فوق وإن اختلفت التسميات والظواهر كالكبت، والقلق، والشعور بالذنب، وانفصام الشخصية، والانفعالات المرضية، والظروف المخففة، والدفاع عن النفس. إن جنون العظمة يسميه الدين الكبرياء، أما الشعور بالذنب فإنه التبكيت واللوم والندم والمخالفات ما هي إلا نتاج ضعف بشريتنا، والاعتياد على الإجرام يسميه الله "الخطية الأصلية" وهكذا دواليك. فمن منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر. وما رأيك في حرب الأشقاء؟ قايين يقتل هابيل، والأثمة صلبوا البريء، والحزبية تعالت فوق الأخوّة ولم أجد ما يعزّي قلبي سوى قول المسيح: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".

المجموعة: 200709