كانون الثاني (يناير) 2008

"إِلَى الشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى الشَّيْبَةِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ وَأَنَا أَحْمِلُ وَأُنَجِّي" (إشعياء 4:46)

كتب إليَّ قارئ يقول: [قرأت لك الكثير مما كتبت إلى الشباب. ولقد جال في خاطري سؤال: ألا تقدم رسالة إلى كبار السن؟ لقد أُحلتُ إلى التقاعد. فماذا تقدّم لي ولأمثالي؟].

 

ويسعدني في هذا العدد أن أخاطب قطاعاً من المتقاعدين والجدود والجدات، في شخص القارئ الكريم الذي كتب لي، مقتبساً قول الرب: "إِلَى الشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى الشَّيْبَةِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ وَأَنَا أَحْمِلُ وَأُنَجِّي".

دعني أهنئك لأنك بلغت سن التقاعد والإحالة إلى المعاش. إنك يمكن أن تبدأ حياتك بعد سنّ الستين. يمكن أن تقوم بكل ما كنت تتمنى أن تقوم به لولا زحمة العمل. إن الله الذي بدأ معك يكمِّل معك ويسير معك. عندما دعا الله موسى كليمه ليكون نبياً، وليقود شعبه في الخروج من أرض العبودية كان قد بلغ الثمانين من العمر، وظلَّ يخدم شعبه أربعين سنة أخرى، يستمع إلى كلمات الله، ويبلّغها إلى مواطنيه، ويعلّمهم مخافة الله "وَكَانَ مُوسَى ابْنَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، وَلَمْ تَكِلَّ عَيْنُهُ وَلا ذَهَبَتْ نَضَارَتُهُ" (تثنية 7:34).

وهناك كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ الْقَنِزِّيُّ، الذي قال ليشوع في الخامسة والثمانين من عمره: "أَنْتَ تَعْلَمُ الْكَلاَمَ الَّذِي كَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ مُوسَى رَجُلَ اللَّهِ مِنْ جِهَتِي وَمِنْ جِهَتِكَ.. كُنْتُ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ أَرْسَلَنِي مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ.. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ بِكَلاَمٍ عَمَّا فِي قَلْبِي.. وَأَمَّا أَنَا فَاتَّبَعْتُ تَمَاماً الرَّبَّ إِلَهِي. فَحَلَفَ مُوسَى فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاً: إِنَّ الأَرْضَ الَّتِي وَطِئَتْهَا رِجْلُكَ لَكَ تَكُونُ نَصِيباً وَلأَوْلاَدِكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ اتَّبَعْتَ الرَّبَّ إِلَهِي تَمَاماً. وَالآنَ فَهَا قَدِ اسْتَحْيَانِيَ الرَّبُّ كَمَا تَكَلَّمَ هَذِهِ الْخَمْسَ وَالأَرْبَعِينَ سَنَةً.. وَالآنَ فَهَا أَنَا الْيَوْمَ ابْنُ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً، فَلَمْ أَزَلِ الْيَوْمَ مُتَشَدِّداً كَمَا فِي يَوْمَ أَرْسَلَنِي مُوسَى. كَمَا كَانَتْ قُوَّتِي حِينَئِذٍ هَكَذَا قُوَّتِي الآنَ.. فَالآنَ أَعْطِنِي هَذَا الْجَبَلَ الَّذِي تَكَلَّمَ عَنْهُ الرَّبُّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ" (يشوع 14: 6-12).

لقد بدأ كلّ من موسى وكالب بن يفنة حياة رائعة في الثمانين، وتستطيع أن تبدأ حياة جديدة، تقدم فيها خدمة رائعة لإلهك ولمجتمعك، بغضّ النظر عن عمرك، لأن الله يقول لك: "إِلَى الشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى الشَّيْبَةِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ وَأَنَا أَحْمِلُ وَأُنَجِّي".

عندما كنت طفلاً كان الله يحملك ويرفعك وينجيك. وها أنت في هذا السن المتقدم، ستجد أن الله هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 8:13)، ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يعقوب 17:1). يظل يرفعك ويحملك وينجيك. وعليك أن تضع نفسك بين يديه، وأن تطلب منه أن يستخدمك، وأن يجعل حياتك بركة لنفسك ولأسرتك وللآخرين.

وأرجو أن يسمح لي القارئ الكريم أن أقدّم إليه بعض الملاحظات عما يجب أن يفعله بعد أن بلغ سن الستين.

1- الملاحظة الأولى إنك يجب أن تضع الله أولاً في حياتك

لقد رأيتُ شباباً كثيرين يستجيبون لدعوة الله بفتح قلوبهم للمسيح، ليدخل حياتهم، وعندما فعلوا هذا تغيَّرت حياتهم تماماً، وصار لها هدف ومعنى. ولكنني رأيتُ أيضاً عدداً من كبار السن يفعلون ذلك، فبدأوا بداية جديدة لأن الله احتلَّ المكانة الأولى في قلوبهم. ليس الوقت متأخراً أبداً أن تبدأ مع الله بداية جديدة، إن لم تكن قد بدأت.

2- احترس من الخطية

 أما إن كنت قد سلَّمتَ حياتك للمسيح في شبابك فأرجوك أن تحترس من الخطية. إن تقدمك في العمر لا يعني أبداً حصانتك ضد الشر، فإن إبليس سيظل يجربك، ولذلك فإنك محتاج أن تستمع إلى نصيحة الرب يسوع المسيح: "اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ" (متى 41:26). لقد كان بطرس كبير التلاميذ ولعله كان أكبرهم سناً، ولكن هذا لم يمنعه من أن يقع في خطية إنكار المسيح ثلاث مرات. غير أن المسيح منحه فرصة الرجوع إليه والتوبة. إنني أدعوك أن تفتح قلبك للمسيح إن لم تكن قد فعلت بعد، وأرجوك ألاَّ تطمئن أنك أصبحت بعيداً عن متناول يد الشيطان، ولذلك أرجو أن تضع الله أولاً في حياتك. أعطِ إلهك أول دقائق اليوم بأن تختلي معه وتصلي إليه، وأعطه أول أيام الأسبوع عندما تدخل بيته وتتعبد إليه كل يوم أحد. وخصص لله العشور من معاشك، حتى ولو كان دخلك قد نقص، لأن البركة تغمرك عندما تضع الله أولاً في حياتك وتدفع له العشور.

3- نصيحة تتعلّق بجسدك

وأقدِّم لك نصيحة تتعلق بجسدك: عليك أن تذهب للطبيب ليفحصك فحصاً دورياً، فإن الوقاية خير من العلاج. ويستطيع الطبيب أن يكتشف مرضاً بدأ في جسدك قبل أن يستفحل الداء.

ثم أرجوك أن تهتم بغذائك، فإن جسدك هو هيكل للروح القدس، والله يسكن فيه فعليك أن تعتني به. لا تأكل كيفما اتفق، لكن ليكن طعامك منظماً. وأرجوك أن تحافظ على تدريباتك الرياضية لأنك بهذا تضمن سلامة جسدك. إنك لا تريد أن تكون عالة على أحد. وتحتاج أن تكون سليم الصحة والبدن لتتمكن أن تقدم لله خدمة. ربما اشتغلت كثيراً في شبابك، ولقد آن الأوان أن تستريح. لكن الراحة الكاملة بغير تدريبات رياضية تؤذى جسدك. لا تجلس كثيراً على المقهى، لكن تمشَّ كثيراً. اعتنِ بهذا الجسد الذي منحه الله لك.

4- ليكن لك برنامج دراسي منظم

إنك تحتاج أن تغذّي عقلك بمعلومات مقدسة. لا تنسَ أن أفكارك تصنعك، وأنك كما تشعر في قلبك ونفسك هكذا أنت (أمثال 7:23)، فاشحن فكرك بمعلومات مقدسة.

يجب أن يكون عندك كتاب تطالعه باستمرار، وعندما تنتهي منه تناول كتاباً آخر ليكون طعاماً لعقلك وزاداً لفكرك. عندما كنتَ شاباً لا بد أنك كنت مشغولاً في أشياء كثيرة حرمتك من قراءة الكتب التي كنت تود أن تطالعها، أما الآن فلديك الوقت لتفعل هذا. ولا بد أن فصولاً من الكتاب المقدس مرَّت بك دون أن تفهمها، فأرجأت دراستها. وقد جاء الوقت لتستعين ببعض التفاسير لتدرك معانيها. نظم لنفسك برنامجاً دراسياً وعندك الوقت لذلك. احفظ فكرك شاباً بأن تدرس الأشياء النافعة البنّاءة لحياتك.

5- راجع حياتك العاطفية

هل قلبك مليء بعواطف الشكر لله على ما بلغتَه؟ هل قلبك منفتح لأبنائك وأحفادك؟ هل تحاول أن تمد يدك لمعونة واحد من أبنائك لا يجد الوقت الكافي لينجز ما عليه من مسؤوليات؟ فكّر في إلهك وفي مشاعرك من نحوه، فلو أنك فعلت هذا فستملأ حياتك بنشاطات كثيرة مثمرة. أعرف كثيرين من كبار السن يصرفون طيلة يومهم في النوادي، يلعبون ويتسلّون مع زملائهم الذين أحيلوا إلى المعاش، فيحيون على هامش الحياة. ولكني أعرف بعض الذين يتطوعون للخدمة في دور المسنين، ويقدمون أيادي بيضاء لمساعدة كنيستهم، فأرجوك أن تكون واحداً منهم، لتمتلئ حياتك بالرضى وأنت تقدم خدمة لإلهك.

واسمح لي أن أسألك في ميدان حياتك العاطفية: هل تكوّن أصدقاء جدداً؟ هل تستمر محتفظاً بالصداقات القديمة؟ هل أنت كريم مع أصدقائك؟ هل تعرِّفهم بعضهم ببعض؟ هل تردّ على رسالة جاءتك؟ هل تذكر تواريخ ميلاد أصدقائك لتهنئتهم؟ هل تتصل تليفونياً لتكلّم صديقاً لك لتشجعه، إن كنت تعرف أنه وحيد أو أنه فقد عزيزاً عليه؟ وهل تصرف وقتاً تصلي فيه إلى الله لأجل أصدقائك العديدين، وحتى من أجل أعدائك الذين أساءوا إليك؟

ربما كتبت مذكراتك. إن لم تكن قد فعلت أرجوك أن تجلس لتتذكر أحداث حياتك الماضية. ربما تريد أن تكتب ملخصاً لها لترى كيف تعامل الله معك عبر السنوات الطويلة التي مضت، لتستطيع أن تشارك غيرك في البركات التي منحها لك، ليجد أحدهم تشجيعاً من اختبارٍ مررت به. فإن كنتَ قد جُزت ظرفاً صعباً، وأنقذك الله منه، فشارك غيرك فيه، فربما كان هناك يائس يحتاج إلى مثل هذا الاختبار ليتقوَّى ويتشجع. اطلب من الله أن يجعلك مصدر بركة للمحيطين بك، فإن الله الذي رفعك عبر السنوات، والذي حملك، والذي نجاك، لا بد أن يفعل الشيء نفسه معك هذه الأيام، ولا بد أن يستخدمك أنت لتكون بذات البركة، لأشخاص كثيرين، يحتاجون إلى معونتك ونصيحتك.

مع تمنياتي لك بحياة عامرة بخدمة إلهك وعائلتك وكنيستك ومجتمعك.

المجموعة: 200801