Voice of Preaching the Gospel

vopg

تموز (يوليو) 2008

قرأنا فيما سبق عن الاستماع لصوت الرب وتمييزه كإحدى الصفات التي تميّز حياة المؤمن. ويقف في الجهة المقابلة موضوع الخضوع والتواضع وهو قد يكون من أقلّ المواضيع التي يتناولها الخدام بالوعظ والإرشاد؛ وفقدانه من أكثر مسببات الرفض والابتعاد!

 

والتواضع معاكس للكبرياء والاعتداد بالذات. فالقوة، والجمال، والشباب، والغنى، والمركز، والعلم، والقبول من الآخرين، تصبح كلها أو بعضها، بشكل أو بآخر، من دوافع الكبرياء التي هي مكروهة جداً في نظر الله، كما هو مكتوب: ”يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة“ (يعقوب 6:4ب).

وكذلك ”مستكبر العين ومنتفخ القلب لا أحتمله“ (مزمور 5:101ب). ويقول أيضاً في سفر الأمثال: ”قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح“ (الأمثال 18:16). وأيضاً ”الرب يقلع بيت المتكبرين ويوطّد تخم الأرملة“ (الأمثال 25:15). وكثير غير ذلك في أسفار الكتاب، فربما كان كره الله للكبرياء معادلاً لكرهه الخطية بحدّ ذاتها. ولا غرو فهي سبب سقوط لوسيفورس من مركزه كرئيس ملائكة، وتحوّله إلى رئيس وقائد لمملكة الشر والعداء لله وأجنادها من الملائكة الساقطين على شاكلته. فهم جميعاً ضدّ كل معاني الخير، والحق، والصلاح في هذا العالم. وقد كان إبليس قبل سقوطه على ما يبدو رئيساً لجوقة تسبّح الخالق بارعاً في جماله الذي منحه إياه بارئ الكون، وعظيماً في سلطانه الذي خوّله ذلك المركز فأصبح رئيساً لطُغمة تهين الله في خليقته ومثالاً في القبح والسخف والفساد كما نقرأ عنه:

”أُهْبِطَ إِلَى الْهَاوِيَةِ فَخْرُكَ، رَنَّةُ أَعْوَادِكَ. تَحْتَكَ تُفْرَشُ الرِّمَّةُ، وَغِطَاؤُكَ الدُّودُ. كَيْفَ سَقَطْتِ مِنَ السَّمَاءِ يَا زُهَرَةُ، بِنْتَ الصُّبْحِ؟ كَيْفَ قُطِعْتَ إِلَى الأَرْضِ يَا قَاهِرَ الأُمَمِ؟ وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشَّمَالِ. أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ. أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ. لكِنَّكَ انْحَدَرْتَ إِلَى الْهَاوِيَةِ، إِلَى أَسَافِلِ الْجُبِّ“ (إشعياء 11:14-15).

ومكتوب أيضاً: ”هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: أَنْتَ خَاتِمُ الْكَمَالِ، مَلآنٌ حِكْمَةً وَكَامِلُ الْجَمَالِ... أَنْتَ الْكَرُوبُ الْمُنْبَسِطُ الْمُظَلِّلُ، وَأَقَمْتُكَ. عَلَى جَبَلِ اللهِ الْمُقَدَّسِ كُنْتَ. بَيْنَ حِجَارَةِ النَّارِ تَمَشَّيْتَ. أَنْتَ كَامِلٌ فِي طُرُقِكَ مِنْ يَوْمَ خُلِقْتَ حَتَّى وُجِدَ فِيكَ إِثْمٌ“ (حزقيال 12:28-15).

وعلى نفس تلك الوتيرة تتشامخ قلوب البعض فيعتبرون أنفسهم خيراً من الآخرين ولا يلزمهم الخضوع لعبدٍ ما أو معبود، فيسقطون في نفس الهوة التي سقط فيها أولئك الملائكة المنحدرون إلى أسافل الجب!

وأشدّ ما في الكبرياء أنها مرض خبيث يبدأ كوهم خفي خادع ثم ما يفتأ أن يفسد النفس البشرية. وأمرّها ذلك النوع الذي يسيطر على المتشيعين لبدعة أو ضلالة أو انحراف. فإن سيدهم المضل المخادع يلقّنهم ما يتلفّظون به ويدرّبهم كيف يسلكون أو ينظرون إلى الآخرين. ”يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي، نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ“ (إشعياء 5:65).

والكبرياء،

1- تقسّي القلب عن معرفة الله والتماس رحمته.

2- تعمي الذهن عن معرفة الحق والانصياع له.

3- تجمّد الحسّ عن حقوق الآخرين ومطالبهم.

4- تميت الضمير وتستعبد النفس لتحقيق الذات مهما كانت الوسائل.

أما التواضع والخضوع فتشير إليه الكلمة الإلهية في الكثير من الأماكن وتؤكد لنا أنه موضوع رضى الله. ويقسم التواضع إلى شقين وهما متلازمان في معظم الحالات.

أ- التواضع أمام جلال الله وسلطانه والخضوع لمشيئته بكل رضى

فالمؤمن يعتبر تدابير مشيئة الله صالحة دائماً ويثق بكل ما تسمح به تلك المشيئة على اعتبار أنه دائماً للخير، كما يقول الرسول بولس: ”ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوّون حسب قصده“ (رومية 28:8). ويعلّم بطرس الرسول بالقول: ”فتواضعوا تحت يد الله القويّة لكي يرفعكم في حينه“ (1بطرس 6:5). ويقول النبي إشعياء: ”لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ“
(إشعياء 15:57). فنحن نرى في هذه الآية وعداً ضمنياً بأن المتواضع والمنسحق الروح سيسكن في الموضع المرتفع المقدس مع الآب الذي يحيي الأرواح المنكسرة.

ب- تواضع المؤمنين بعضهم تجاه بعض

يقول الكتاب: ”خاضعين بعضكم لبعض في خوف الله“ (أفسس 21:5). ويقول الرب يسوع معلّماً: ”وأكبركم يكون خادماً لكم. فمن يرفع نفسه يتّضع ومن يضع نفسه يرتفع“ (متى 11:23-12). وقد غسل - له المجد - أرجل التلاميذ قبيل الصلب متخذاً لنفسه وظيفة العبد في أروع مثال للتواضع العظيم لكي يعطي أجيال المؤمنين درساً عملياً لا يُنسى وله كل قوة وعناصر الإقناع طالباً منهم أن يتشبّهوا به فيغسل بعضهم أرجل بعض ليس كتقليد حرفي كما يفعل البعض بل بكل معنى الكلمة الأمر الذي لا نراه على أرض الواقع في المؤسسات المسيحية التي تعطي للبعض مراتب السمو والعظمة على الآخرين!!! فلو قصد الرب ذلك خلال فترة وجوده على الأرض لرتّبه وكرّسه بذاته، فهو قد جعل نفسه مثالاً يُحتذى وقدوة صالحة لكل العصور، وليس كغيره من المعلّمين الكذبة الذين يقولون ما لا يفعلونه... ويفرضونه على الآخرين دون أن يتقيّدوا به!!! وقد وبّخ الكتبة والفريسيين ونطق عليهم بالويل لأنهم يتظاهرون بالترفّع عن الآخرين ويحمّلون الناس أحمالاً عسرة الحمل وهم لا يمسّونها بأطراف أصابعهم. فكيف يستطيع أولئك أن ينجوا من ذلك الويل؟

سار أحدهم في حقل مزروع بالقمح فرأى معظم السنابل قد نضجت، ولكنه تعجّب أنه رآها تميل منحنية على جذعها إلى أن رأى سنبلة شامخة فلما قطفها وفركها وجدها فارغة لا حَبَّ فيها وعرف لتوّه سبب شموخها! فقد كانت فارغة لا ثمر فيها.

إن النفس البشرية بطبيعتها ميّالة إلى التمرّد والجموح ولا يوجد سوى الإيمان الصادق يعطي الإنسان أن يكون له سلطان على نفسه، وهذا السلطان يؤخذ من يد المسيح. فالتواضع ليس عملاً سلبياً نصوّره في عدم التكبّر بل هو عمل إيجابي إرادي هو كسر شوكة النفس واستعباد الذات تيمّناً بما فعله يسوع. يقول الملك داود: ”ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره“ (مزمور 17:51). فهو يصوّر من يكسر الذات أمام الله كأنه يقدّم أعظم الذبائح!!!

وخلاصة الأمر بأن التواضع خطوة فعلية نخطوها أول مرة حينما نريد أن نفتح القلب لصوت روح الله الذي يدعونا لقبول المسيح وخلاصه، وحلوله في القلب، وتسليم الذات والمشيئة والأفكار له. فقد كانت الكبرياء هي السبب الأكبر لرفض الكثيرين عمل النعمة وانحدارهم إلى هوة الهلاك. والحرص على لجم مشاعر الكبرياء طيلة الحياة لكي لا يتقسّى القلب بغرور الخطية لأن الكبرياء هي أصل جميع الخطايا.

والسؤال الكبير هو: أين يستطيع المستكبر أن يخفي كبرياءه حينما يقف مجرّداً ضعيفاً أمام هزة من هزات الزمان أو مرض عضال يسمح به الله أحياناً للتأديب؟ فإن أي مخلوق لا يستطيع أن يخفي كبرياءه حينما يظهر معرّى أمام كرسي الدينونة...

عزيزي القارئ الكريم، يحتاج كل منا إلى وقفة أمينة مع نفسه الخالدة لئلا يتسبب لذاته الخالدة بنكبة كان يمكن تجنّبها بقليل من التعقّل والسيطرة الذاتية لتسمو على المشاعر الجامحة والنفس التي تريد أن تحقّق الذات لتسمو فترة لا تستحقّ المجازفة والعناء. ويسوع وحده القادر أن يعطي ذلك التوجّه الصحيح ويقيناً من السقوط في تجربة الكبرياء له كل المجد والسلطان.

المجموعة: 200807

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

111 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10471754