تشرين الأول (أكتوبر) 2008

”لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا.

لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا. فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ“
(1كورنثوس 12:12-14).
”وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا“ (1كورنثوس 27:12).
”لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا“ (مزمور 13:139-14).
من أعظم تشبيهات كلمة الله للكنيسة أنها شبَّهَتها بالجسد، فالكنيسة إذن ليست مؤسسة أو هيئة لكنها جسد حيّ ولها صفات الجسد الحيّ.
ومن أمجد إعلانات كلمة الله أن الكنيسة ليست أي جسد، لكنها جسد المسيح نفسه، له المجد ولها بالنعمة صفات المسيح.
أولاً: الكنيسة كالجسد
نستطيع أن ندرك بعض الصفات التي ينبغي أن تتصف بها الكنيسة حين نتأمل جسد الإنسان - أي إنسان - إذا كان سليماً:
أ- جسد الإنسان معجزة مبهرة... وكذلك الكنيسة
قال القديس أغسطينوس: ”أليس عجيباً أن الناس يخرجون إلى خارج ليتعجبوا من الارتفاعات الشاهقة للجبال، والأمواج العالية في البحار، والأطوال الممتدة للأنهار، والمساحات الشاسعة للمحيطات، والحركات المذهلة للنجوم، لكنهم يمرّون على أنفسهم ولا يتعجبون؟“
وقال إسحق نيوتن: ”ولو لم يوجد أي دليل آخر فإن أصبع الإبهام وحده يقنعني بوجود الله“.
 Å  لو تأملنا ولو جزءاً ضئيلاً في تركيب جسد الإنسان سوف نجد أنفسنا أمام معجزة وأي معجزة.
1- الخلية: يحتوي جسم الإنسان على30-100 تريليون خلية (التريليون هو مليون مليون = 10 12). وكل واحدة هي أكثر تعقيداً من أي مصنع على وجه الكرة الأرضية، وتنتج أكثر بكثير مما يمكن أن ينتجه أي مصنع.
 Å  يحتوي المليمتر الواحد المكعب من جسم الإنسان على عدة آلاف من الخلايا.
Å   في نواة كل خلية توجد المادة الوراثية الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تنسخ نفسها فتنتج طبعة طبق الأصل من نفسها، وهي تتكوّن أساساً من DNA (الحمض النووي الديوكسي ريبوزي).
Å   وهذا الـ DNA موجود في كل خلية حية، وترتيب جزئياته هو الذي يحدد نوع الكائن إن كان نباتاً أو حيواناً أو إنساناً، ويحدد صفات كل كائن.
 Å DNA موجود في شكل عصيّات صغيرة عددها 46 تسمّى كروموزومات، وكل كروموزوم هو عبارة عن تجمّع رهيب لآلاف الكريات الصغيرة المعروفة بالجينات، وكل جين يحدّد صفة معينة في الكائن كالطول واللون وإفراز الإنزيمات والهرمونات.
Å   الخلية البشرية تحمل كروموزوماتها حوالي 100.000 جين.
 Å  طول الكروموزوم 6 ميكرومتر، ومع ذلك لو وضعت الكروموزومات الموجودة في جسم الإنسان جنباً إلى جنب، يصل طولها 160 مليار كيلومتراً.
2- المخ: يزن حوالي 3 أرطال فقط لكنه يؤدي ما لا تقوى كل كمبيوترات العالم مجتمعة على القيام بجزء ضئيل جداً مما يعمله هو. يحتوي على 15 بليون خلية عصبية وبه 100.000 بليون وصلة كهربائية، وهي أكثر من كل الوصلات الكهربائية الموجودة في كل العالم.
3- القلب: العضلة الوحيدة في جسم الإنسان التي تعمل بانتظام بدون توقّف ولا راحة فتنقبض حوالي 80 مرة في الدقيقة، 60 دقيقة في الساعة، و24 ساعة في اليوم كل سنوات العمر.
4- الحركة: يشترك الجهاز العصبي مع العضلات والعظام والمفاصل لإحداث حركة ما. يكفي أن نعلم أن سبعين عضلة تعمل لتحريك يد الإنسان.
وكذلك الكنيسة معجزة
 Å  معجزة في تكوينها: العضو بها (وهو ما يقابل الخلية في الجسم) قد أُجريت فيه معجزة نقلته من الموت إلى الحياة فصار عضواً بها.
 Å  وتمّت فيه معجزة وحّدته مع رأس الكنيسة وهو الرب نفسه، ووحّدته مع بقيّة أعضاء كنيسة المسيح رغم اختلافهم وتباينهم.
 Å  الكنيسة معجزة في انتصارها على الحروب المتتابعة التي وُجّهت ضدّها.
ب- صفات الجسد السليم ترينا صفات الكنيسة كما ينبغي أن تكون
لو درسنا صفات الجسد السليم وأعضاءه وخلاياه سنكتشف صفات الكنيسة كما ينبغي أن تكون:
1- اختلاف الوظيفة مع وحدة الهدف
 Å  لكل عضو وظيفة تختلف عن وظيفة بقية الأعضاء، لكنها جميعاً تتّفق في خدمة الجسد. فالعين للنظر، والأذن للسمع، والعضلات والمفاصل للحركة، لكن أي عضو لا يستطيع أن يستغني عن بقية الأعضاء كما أن الجسد لا يستطيع أن يستغني عن أيٍ من أعضائه.
 Å  وكذلك الخلايا تختلف عن بعضها شكلاً ووظيفة، فالخلية العصبية تختلف عن الخلية العضلية والخلية العظمية وخلية الإبصار، لكنها كلها لازمة لمصلحة الجسد.  
2- تباين واضح مع تشابه شديد
 Å  كل خلية في عضو في جسم الإنسان تختلف في شكلها وفي وظيفتها عن الخلايا التي تكوّن عضواً آخراً في الجسم. بل إن بعض الخلايا لها وظيفة مضادة لوظيفة خلايا أخرى. هناك ما يسمّى feedback mechanism بين بعض الغدد الصماء والغدّة النخامية في الرأس، فلو زاد إفراز الغدة الدرقية مثلاً نقص إفراز الغدة النخامية وكأنهما يعملان ضدّ بعضهما، لكن العكس هو الصحيح. فهما يشتركان معاً في خدمة الجسد. والأعصاب السمبتاوية تعمل في اتجاه مضاد لعمل الأعصاب الباراسمبتاوية. لكن كلا الجهازين يعملان لمصلحة الجسد. وهناك في جسم أي إنسان هرمونات ذكرية وأخرى أنثوية تتباين في الوظيفة، لكنها كلها معاً تعمل لصالح الجسد.
 Å  لكن كل هذا التباين بين الخلايا يقابله تشابه شديد بينها:
-  كلها تخضع للرأس الذي يحتوي المخ.
-  كلها تعمل لصالح الجسد.
- كلها في الجسم الواحد تحمل ذات الجينات والـ DNA والصفات الوراثية، وهذه تربط كل خلايا الجسد معاً. لذلك فإننا إن أخذنا خلايا من جسم وزرعناها في نفس هذا الجسم فإنه يتقبّلها ويرحب بها. لكن إن أخذنا عضواً أو خلايا من جسم وزرعناها في جسم آخر فإن هذا الجسم المُستقبِل يرفضها ويلفظها، إلا إذا تدخّلنا لإضعاف قدرته المناعية المضادة للأجسام الغريبة عن الجسد.
كذلك كنيسة المسيح تتجلّى وحدتها في تباين أعضائها: فيها الأسود والأبيض والأصفر، الأفريقي والعربي والآسيوي.
فيها من كان عبداً وصار حراً في المسيح، ومن كان حراً فصار عبداً للمسيح. فيها اليهودي والفلسطيني إن آمنا بالمسيح.
 Å  من بين تلاميذ الرب يسوع نجد متى الذي كان يجبي الضرائب لصالح المستعمر الروماني، ومعه سمعان الغيور الذي كان ينتمي لجماعة الغيورين المناهضة للمستعمر الروماني (لوقا 14:6-16).
 Å  كما كان في أنطاكية في الكنيسة ”مناين“ الذي تربّى مع هيرودس جنباً إلى جنب مع شاول الذي صار بولس الرسول (أعمال 1:13).
 Å  فكما يوجد الـ DNA في الخلايا المختلفة في الجسد الواحد فيوحّدها معاً، كذلك يوجد دم المسيح وروح الله في كل أعضاء جسد المسيح على اختلافهم وهو الذي يوحّدهم معاً.
3- تضافر كل الأعضاء والخلايا في الدفاع عن الجسد
إذا هاجم جسم غريب مثل مادة مسرطنة أو جرثومة أو فيروس أو مادة سامة جسم إنسان نجد أن كل أعضاء وخلايا الجسم تتضافر للدفاع عنه وللتخلّص من هذه المادة الضارة ابتداء من الجلد الخارجي، إلى الدم وكرات الدم البيضاء، والجهاز الليمفاوي، وجهاز المناعة، والجهاز التنفسي، والهضمي، والعصبي كل في حدود وظيفته.
وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في كنيسة المسيح.
 Å  إن سلاح الله الكامل المُعطى للمؤمن للدفاع عن نفسه (أفسس 11:6-20) يغطي المؤمن من هامة رأسه إلى قدميه من الأمام فقط، لكنه لا يحمي ظهره وذلك لسببين:
- لا ينبغي أبداً أن المؤمن يترك المعركة ويعطي ظهره للعدو.
- على إخوته المحاربين معه وخلفه أن يحموا ظهره، فكل مؤمن يحمي ظهر غيره، لذلك هو ليس بحاجة لسلاح يحمي ظهره.
4- قيمة العضو مستمدة من الجسد
 Å  إن قيمة العضو في الجسد لا تُستمدّ من ذاته أو من ثقافته أو دراسته أو ممتلكاته أو حتى من العمل الذي يقوم به لخدمة الجسد، لكنها تُستمَدّ من الجسد نفسه ومن رأس هذا الجسد. فلو قُطع أي عضو من الجسد مهما كان هذا العضو نافعاً فإنه بدون الجسد يصبح بلا قيمة.
كذلك كل عضو في كنيسة المسيح له قيمة عظمى ما دام منتمياً لهذا الجسد وخاضعاً للرأس، وقيمته لا تقلّ إذا كانت خدمته تبدو ضئيلة، بل كما يقول بولس الرسول: ”بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ. وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ“ (1كورنثوس 22:12-23).
5- لكن الجسد قد يمرض... وكذلك كنيسة المسيح. من بين هذه الأمراض:
 Å  نقص التغذية الذي يؤدي إلى الهزال ونقص المناعة. وهذا مرض يصيب الكنيسة وأعضاءها أيضاً إن أهملوا التغذية بالكلمة المقدسة.
سوء التغذية والتسمم الغذائي
وهذا أيضاً يصيب الكنيسة حين تدخلها تعاليم باطلة وهرطقات كالتشكيك في صدق كلمة الله، أو في ألوهية المسيح، أو صلبه، أو المناداة بعدم وجود الحق المطلق.
 Å أن يعمل عضو لحساب نفسه أو خلية لحساب نفسها لا لنفع الجسد وإطاعة الرأس.
Å     قد تعمل خلية لنفسها فتتكاثر على حساب غيرها فتتولّد الأورام الخبيثة، وذلك قد يحدث أيضاً في الكنيسة فيعمل عضو لمصلحة نفسه أو جماعة لمصلحتها الشخصية.
 Å  أن يحارب الجسد نفسه Autoimmune disease فيبدأ جهاز المناعة يحارب نسيجاً من أنسجة الجسم ويعامله كأنه جسم غريب. وهذا مرض أكثر انتشاراً في الكنيسة منه في الجسد العادي للإنسان العادي. قال أحدهم وهو محق فيما قال: ”إن الكنيسة هي الجيش الوحيد في العالم الذي يقتل جرحاه“.
البقية في العدد القادم

المجموعة: 200810