شباط February 2010

"فَبَعْدَ بَيْعِهِ يَكُونُ لَهُ فِكَاكٌ. يَفُكُّهُ وَاحِدٌ مِنْ إِخْوَتِهِ" (لاويين48:25).
توجد أشياء تخضع لمبدأ وقانون البيع والشراء، العرض والطلب، فنقرأ ونحن في طريق سيرنا عن أشياء معروضة للبيع مثل البيوت، والمحال التجارية، والمكاتب،

والمصانع، والعربات، والمأكولات، والمشروبات، والملبوسات، وغيرها... ولكن هناك عمليات بيع غير مقبولة منطقياً مع وجودها إلى هذه الأيام في بعض الدول، وهي بيع البشر الذين خلقهم الله على صورته ومثاله... وذكر الكتاب المقدس عن عمليات البيع هذه، فنقرأ عن عبد يُباع لواحد من بني جنسه، وآخر يًباع لغريب مستوطن.. من يباع لواحد من بني جنسه يخدمه ست سنين، وبعد ذلك يطلقه حراً. ومن بيع للغريب يخدمه حتى سنة اليوبيل.. ولكن يمكن أن يفكّ ويتحرّر في أي وقت عن طريق أحد أقربائه. وما العبد الذي يُباع للغريب إلا رمزاً لكل خاطئ أثيم. وما السيد الغريب إلا رمزاً للشيطان الرجيم.. والمحرّر هو شخص ربنا يسوع المسيح إلهنا العظيم. وللفائدة نتأمل في ثلاثة أمور:
أولاً: قسوة العبودية
            ثانياً: شروط الحرية
                  ثالثاً واجبات حتمية
أولاً: قسوة العبودية
كلمة عبودية كلمة بغيضة لا يطيق الإنسان سماعها لأنها تشتمل في طياتها على أربعة أمور:
1- افتقار: "إن افتقر أخوك وبيع للغريب المستوطن".
الفقر هو من أكبر المشاكل التي تتحدّى العالم.. فكم من دول تعاني أشدّ المعاناة من الفقر، وإن كانت هذه الدول تسمّى بالدول النامية حفاظاً على مشاعر كيانها! هذه المشكلة خطيرة تؤدي إلى موت المئات إن لم يكن الآلاف يومياً. والكتاب يتحدّث عن هذه المشكلة في مواضع متعدّدة فيقول أن الفقير منفصل عن قريبه، "مِنْ قَرِيبِهِ يُبْغَضُ الْفَقِيرُ" (أمثال 20:14).
والفقير مُهان "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَهَنْتُمُ الْفَقِيرَ" (يعقوب 6:2). لأجل هذا صلى أجور بن متقيه مسه قائلاً: "لاَ تُعْطِنِي فَقْرًا وَلاَ غِنًى. أَطْعِمْنِي خُبْزَ فَرِيضَتِي، لِئَلاَّ أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ: مَنْ هُوَ الرَّبُّ؟ أَوْ لِئَلاَّ أَفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ وَأَتَّخِذَ اسْمَ إِلهِي بَاطِلاً" (أمثال 8:30-9).
2- احتقار: العبد محتقَر من الناس وكثيراً ما يتخذون منه مجالاً للسخرية والاستهزاء.. قرأت عن أحد السلاطين أنه كان يأتي كل يوم بأربعة عبيد وينزع عنهم ثيابهم ويأمرهم أن يأتوا بحركات تشبه حركات القرود ثم في آخر اليوم يأمرهم بقتل بعضهم البعض، وفي أثناء ذلك يضحك ويقهقه بصوت عال ويشاركه الجالسون معه ذلك، أرجو أن لا نستغرب ذلك لأن رب المجد أثناء وجوده على الأرض احتُقر وكان موضوع سخرية واستهزاء الناس، في الوقت الذي كانت تقع عليه أشدّ الآلام. "مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ" (إشعياء 3:53).
3- إنكسار: يُطلب دائماً من الإنسان أن يمشي ورأسه إلى أعلى. ولكن لو نظرنا إلى العبد نجده يسير منكس الرأس لأنه يشعر بالمذلة والمهانة لأنه يرى نفسه بلا قيمة في بيت سيده (قد يكون للحيوانات المنزلية قيمة أكثر منه) لا يتحدث معه أحد إلا صارخاً آمراً دون مراعاة لإنسانيته وآدميته فيطلب منه تأدية عدة أعمال في وقت واحد لا يقوى أي إنسان على إنجازها كلها.
4- إنهيار: العبد الذي يُباع ويُشترى كسلعة يشعر بمهانة شديدة خاصة عندما يباع لغريب مستوطن. في هذه الحالة يشعر شعوراً مزدوجاً لأنه عبد، وعبد لسيد غريب! لو تأملنا في الطعام الذي يُقدَّم إليه نراه نفايات من أطعمة أسرة سيده... قد لا تسمِّن ولا تسد رمق جوعه فتنهار صحته ويُصاب بأمراض جسدية ونفسية. توجد قصة في العهد القديم تتحدث عن عبد تركه سيده لأنه مرض. هذا وجده رجال داود، ولما سأله داود الملك: لمن أنت؟ أجاب: أنا غلام مصري لسيد عماليقي، وقد تركني سيدي لأني مرضت منذ ثلاثة أيام.. انهارت صحته فتخلّص منه سيده دون إعطائه طعاماً أو شراباً.
ثانياً: شروط الحرية
1- صلة عائلية
بعد بيعه يكون له فكاك يفكه واحد من إخوته أو يفكه عمه أو ابن عمه، أو يفكه واحد من عشيرته.
إذا أراد إنسان مستعبد للخطية أن يتحرّر لن يجد واحداً من أقربائه يصلح لذلك لأن الكل عبيد "كلنا كغنم ضللنا". ولتحريرنا من العبودية الروحية التي هي أشدّ وأقسى من عبودية الجسد، تجسّد الرب يسوع ليصبح قريباً لنا، "والكلمة صار جسداً"، "عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد"، وبذلك توافر هذا الشرط في المحرّر.
2- محبة قوية
لا بد أن يكون للمحرّر قلب محب للعبد حتى يتقدّم لتحريره. وهذا الشرط يتوافر في محررنا الوحيد شخص الرب يسوع المسيح الذي حمل في قلبه أعظم حب، "وَلكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا". فمحبته ثابتة لا تتغيّر... ومحبته شاملة للعالم كله، "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ"، وهي أيضاً محبة أبدية.
قال الرب قديماً لشعبه "أَحْبَبْتُكُمْ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَ أَحْبَبْتَنَا؟". لن يستطيع أحد بعد موت المسيح لأجل البشرية أن ينكر محبة الله للبشر المستعبدين للخطية.
3- بذل وتضحية
لا بد أن الشخص الذي تقدّم لتحرير العبد أن يكون مستعداً للبذل والتضحية مهما كلفه الأمر من جهد أو مال... لا بد أن يكون مستعداً لدفع كل ما يطلبه السيد... ولا شك أنه سيدفع أموالاً طائلة لأنه سيحاسب شاريه من سنة بيعه له إلى سنة اليوبيل بعد خصم مدة الخدمة التي خدم فيها سيده.
ولكي يحرّرنا المسيح دفع ثمناً غالياً جداً، دفع فينا دمه الطاهر."عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ، بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ".
4- رغبة قلبية
لا أقصد رغبة المحرِّر بل رغبة العبد، لأن الشخص الذي جاء ليحرر العبد تكون رغبته القلبية واضحة من مجيئه.. لكن رغبة العبد مهمة جداً حتى تتم عملية الفكاك والتحرير. عندما دخل يسوع إلى بركة بيت حسدا والتقى بشخص مريض منذ 38 سنة، سأله المسيح: أتريد أن تبرأ؟
ربما يقول شخص أن هذا السؤال لا أهمية له لأن وجود الرجل في هذا المكان يوضّح رغبته في الشفاء، لكن قصد المسيح من السؤال هو أن يعلن الرجل رغبته وإرادته في الشفاء، وبعد أن أعلنها قال له الرب يسوع: قم. احمل سريرك وامشِ.
ثالثاً: واجبات حتمية
1- تشكرات قلبية
يجب على العبد الذي حُرِّر أن يشكر من حرره من كل قلبه... حرر الرب يسوع عشرة أشخاص من قيود مرض البرص، ولكن واحداً فقط لما رأى أنه شُفي رجع يمجّد الله بصوت عظيم وخرّ عند رجليه شاكراً. فقال يسوع: أليس العشرة قد طهروا؟ فأين التسعة؟ ما أكثر الذي يفرحون بالعطية دون العاطي!
2- إنتماء وتبعية - اتبع من حررك
واتباع المحرر الأعظم الرب يسوع هو أكبر شرف أينما يمضي. قالت عروس النشيد: أنا لحبيبي وحبيبي لي... هل تقول مع المرنم:
أنا لك... أنا لك... لك على طول            بحبك ربي... ربي على طول
وإذ ننتمي للرب يضمنا إلى عائلته فنصبح رعية مع القديسين وأهل بيت الله.
3- استعداد للتضحية
يجب على من تحرّر أن يكون مستعداً للتضحية من أجل من حرره بكل ما يملك من قوة.. الشخص الذي حرره المسيح من سلطة إبليس وقيود الخطية مستعد للتضحية بحياته من أجل من حرره. عندما قال أغابوس بعدما أمسك منطقة بولس وقيد بها نفسه: "هذَا يَقُولُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَهُ هذِهِ الْمِنْطَقَةُ، هكَذَا سَيَرْبُطُهُ الْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي الأُمَمِ... فَأَجَابَ بُولُسُ: ... لأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ، بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ اسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ".
أخي الحبيب، إن كان الرب تحدّث إليك من خلال هذه الكلمات اطلب من الرب يسوع  فيحررك حرية حقيقية كاملة فتترنم:
أنشدً نشيد الحرية والعتق من العبودية
نلت سعادة أبدية حررني يسوع
حررني يسوع، من عبودية إبليس، حررني يسوع

المجموعة: 201002