شباط February 2010

أستعير في بداية هذه الرسالة كلمات بولس الرسول: "أَقُولُ الصِّدْقَ فِي الْمَسِيحِ، لاَ أَكْذِبُ، وَضَمِيرِي شَاهِدٌ لِي بِالرُّوحِ الْقُدُسِ" (رومية 1:9). إنني أريد أن تكون رسالتي في السنوات الباقية التي حددها الرب لحياتي هي إقناع الناس من كل

الديانات، والطوائف، والأجناس أن يقرأوا الكتاب المقدس، ويدرسوه، ويفهموه، ويؤمنوا بوحيه ويمارسوه، ذلك "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عبرانيين 12:4).
إن الشيطان يعمل جاهداً أن يبعد الناس على اختلاف عقائدهم، عن اقتناء وقراءة ودرس وفهم الكتاب المقدس. وأرى من واجبي أن أدعو كل إنسان أن يقتني ويقرأ ويفهم هذا الكتاب الكريم.. ورسالتي أضعها في كلمتين:
 الكلمة الأولى: الأساليب التي يستخدمها الشيطان لإبعاد الناس عن الإيمان بصدق الكتاب المقدس
1) يستخدم الشيطان أسلوب الشك في حقيقة وحي الكتاب المقدس
يقول بطرس الرسول: "عَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (2بطرس 20:1-22).
ويقول بولس الرسول: "كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (2تيموثاوس 16:3-17).
ففي الكتاب المقدس الكفاية لجعل إنسان الله كاملاً ومتأهباً لكل عمل صالح. ولكن أول ما يفعله الشيطان هو وضع الشك في عقول الناس من جهة وحي الكتاب المقدس.. وهذا هو أسلوبه الذي استخدمه مع حواء لغوايتها إذ قال لها: "أحقّاً قال الله؟" (تكوين 1:3)، وهذا أسلوبه مع الملايين الذين صدقوا أكذوبة تحريف الكتاب المقدس. والغريب في الأمر أن الذين صدَّقوا أكذوبة الشيطان لم يقرأوا قط الكتاب المقدس.. آمنوا بالأكذوبة دون دراستها وتحليلها.
2) يستخدم الشيطان أسلوب وضع تقاليد الآباء على مستوى كلام الله وبهذا يبعد الناس عن الكتاب المقدس
ذات مرة جاء الفريسيون والكتبة إلى المسيح قائلين:
"لِمَاذَا لاَ يَسْلُكُ تَلاَمِيذُكَ حَسَبَ تَقْلِيدِ الشُّيُوخِ... وَقَالَ لَهُمْ: حَسَنًا تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ الْمُرَائِينَ! كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هذَا الشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا، وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ النَّاسِ... ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: حَسَنًا! رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ!... مُبْطِلِينَ كَلاَمَ اللهِ بِتَقْلِيدِكُمُ الَّذِي سَلَّمْتُمُوهُ" (مرقس 5:7-13).
لقد خدع الشيطان الملايين فنسوا أن العبادة المؤسسة على تعاليم الناس عبادة باطلة، وأن التمسّك بتقليد الناس هو رفض لكلام الله، بل هو إبطال لكلام الله.
3) يستخدم الشيطان الفلسفة الإنسانية، والعلم الكاذب ليبعد الناس عن الكتاب المقدس
كتب بولس الرسول إلى القديسين في كولوسي قائلاً: "اُنْظُرُوا أَنْ لاَ يَكُونَ أَحَدٌ يَسْبِيكُمْ بِالْفَلْسَفَةِ وَبِغُرُورٍ بَاطِل، حَسَبَ تَقْلِيدِ النَّاسِ، حَسَبَ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ حَسَبَ الْمَسِيحِ" (كولوسي 8:2).
وكتب إلى تيموثاوس قائلاً: "يَا تِيمُوثَاوُسُ، احْفَظِ الْوَدِيعَةَ، مُعْرِضًا عَنِ الْكَلاَمِ الْبَاطِلِ الدَّنِسِ، وَمُخَالَفَاتِ الْعِلْمِ الْكَاذِبِ الاسْمِ، الَّذِي إِذْ تَظَاهَرَ بِهِ قَوْمٌ زَاغُوا مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ" (1تيموثاوس 20:6-21).
لقد انجرف الجيل الذي آمن بنظرية أصل الإنسان، التي نادى بها "داروين" وتدهور تدهوراً شديداً جداً.. فأنكر وجود الله، وفسد فساداً زاد عن فساد أيام نوح، وسدوم وعمورة، وهكذا صارت المجتمعات البشرية بلا قيم أو مبادئ إذ صار الإنسان في نظر نفسه "سليل القرود". وماذا ننتظر من سليل القرود؟
ثم جاء من نادوا بخلق العالم بالانفجار الأكبر "Big Bang" منذ أكثر من 13 بليون سنة مضت، وبهذا أنكروا أن الله خلق كل شيء من العدم "في البدء خلق الله السماوات والأرض" (تكوين 1:1)... وخلق آدم خلقاً مباشراً، فخرج من يديه كامل العقل والذكاء بغير تطوّر، فاستطاع آدم بذكائه أن يدعو حيوانات البرية وطيور السماء بأسمائها "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. وَأَمَّا لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَجِدْ مُعِينًا نَظِيرَهُ" (تكوين 19:2-20).
إن الشيطان يستخدم الفلسفة الإنسانية والعلم الكاذب ليبعد الناس عن اقتناء، وقراءة، ودرس، وفهم الكتاب المقدس.
4- يستخدم الشيطان أسلوب إقناع الملايين بوجود متناقضات في الكتاب المقدس ليقنعهم أنه ليس موحى به من الله
الذين يدرسون الكتاب المقدس بعلم وفهم يجدون أنه كقطعة الذهب الخالص، يحمل في ذاته صدق وحيه، وما يبدو متناقضات يعلن عن جهل القارئ ولا يثبت وجود متناقضات.
وهناك الكثير من الكتب التي أعطى مؤلفوها جواباً مقنعاً عن كل ما يبدو في الكتاب المقدس من تناقض.. نذكر منها الكتب الآتية لمن يريد التعمّق في هذه الدائرة.
1- Alleged Discrepancies (John Haley)
2- Encyclopedia of Bible Difficulties (Gleason Archer)
3– 735 Baffling Bible Questions Answered (Larry Richards)
4- Difficult Passages in the New Testaments (Robert Stein)
الحقيقة التي نريد تأكيدها هي أن لا متناقضات في الكتاب المقدس.
5- يستخدم الشيطان أسلوب إقناع الناس بأن ما جاء في الكتاب المقدس، جاء من الديانات الوثنية
يدّعي البعض أن ناموس موسى مطابق لقانون حمورابي، وأن هناك تطابق بين حياة زرادشت وحياة يسوع المسيح.
والذي يدرس الكتاب المقدس بفهم وإخلاص، يجد أنه يدين الديانات الوثنية ولا يتفق معها.. ويكشف أرجاس هذه الديانات الشيطانية التي تنادي بالسحر، والعرافة، واستشارة الموتى، وتقديم الذبائح البشرية للأصنام، وسؤال الجان، وغير هذه من الرجاسات (تثنية 9:18-14).
6- يعمي الشيطان أذهان الناس حتى لا يفهموا الكتاب المقدس، فلا يقرأوه
وهذا ما قاله بولس الرسول: "وَلكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُومًا، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِلهُ هذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ" (2كورنثوس 3:4-4).
 الكلمة الثانية: البركات التي ينالها الإنسان من قراءة ودراسة وفهم وحفظ الكتاب المقدس
1) بركة الخلاص
يقول بولس الرسول: "لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ" (رومية 16:1).
والخلاص يعني النجاة من دينونة الله وغضب الله، ويعني نوال الغفران الكامل، ويعني أن يولد الإنسان ولادة ثانية.. والإيمان بكلمة الله يهب للمؤمن هذا الخلاص.
2) بركة الحرية
يتحدث الكتاب المقدس عن حريتين، حرية من عبودية الخطية، وهي الحرية التي يهبها يسوع المسيح لمن يؤمن به، إذ قال لليهود: "الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ... فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا" (يوحنا 35:8 و36). وحرية من العقائد والتعاليم الخاطئة الموروثة من الآباء وهذه هي الحرية التي نختبرها بقراءة وفهم كلمة الله، والتي قال عنها المسيح: "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنا 32:8).
3) بركة الحماية من الخطية
وهي البركة التي قال عنها كاتب المزمور 119 "بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ... خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ" (مزمور 9:119 و11).
4) بركة رفقة الأتقياء
يحذرنا الكتاب المقدس من صداقة الأشرار، ويوصينا برفقة الأتقياء، إذ نقرأ في المزمور الأول الكلمات: "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ" (مزمور 1:1). ونقرأ في المزمور 119 الكلمات: "رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ" (مزمور 63:119). ويقول بولس الرسول: "لاَ تَضِلُّوا: فَإِنَّ الْمُعَاشَرَاتِ الرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ الأَخْلاَقَ الْجَيِّدَةَ"  (1كورنثوس 33:15).
ووصايا الكتاب المقدس تدفعنا لصداقة الأتقياء.
5) بركة التنقية من رواسب ماضينا
خطايا ماضينا تطاردنا... ولكي نتنقى من رواسب الحياة التي عشناها في الخطية، فالوسيلة الوحيدة هي التشبع بكلمة الله حتى تنقينا من رواسب ماضينا. قال الرب يسوع لتلاميذه: "أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" (يوحنا 3:15). وقال بولس الرسول للقديسين في أفسس: "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ" (أفسس 25:5-27).
فممارسة تعاليم الكتاب المقدس تنقّينا من رواسب ماضينا.
6) بركة السلوك الذي يرضي الله
بعد أن تولد ولادة ثانية يجب أن تتعلم كيف تسلك السلوك الذي يرضي الله.وقراءة وفهم الكتاب المقدس تريك كيف تسلك هذا السلوك.
”فَمِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الإِخْوَةُ نَسْأَلُكُمْ وَنَطْلُبُ إِلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ يَسُوعَ، أَنَّكُمْ كَمَا تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَسْلُكُوا وَتُرْضُوا اللهَ، تَزْدَادُونَ أَكْثَرَ“ (1تسالونيكي 1:4).
فالمسيحي المولود ثانية يجب أن لا يسلك كما يسلك سائر الأمم ببطل ذهنهم وإنما يسلك كما يحق لإنجيل المسيح. وأن يسلك في المحبة متمثلاً بالمسيح (أفسس 1:5)، وأن يسلك بتدقيق لا كجاهل بل كحكيم (أفسس 15:5)، وأن يفكر في الأمور المقدسة ”أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. وَمَا تَعَلَّمْتُمُوهُ، وَتَسَلَّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيَّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السَّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ“ (فيلبي 8:4-9).
فيا قارئي الحبيب، احذر من خداع وغواية الشيطان الذي يريد إبعادك عن الكتاب المقدس واقتنِ الكتاب المقدس.. واقرأه كل يوم.. فهو غذاء روحك.
واحفظ آياته في ذاكرتك، ومارس وصاياه في حياتك، واكتب لمجلة صوت الكرازة عن تأثير هذه الرسالة في تصرفاتك.

المجموعة: 201002