آب Agust 2010

يسوع: لفظة الرقة والعذوبة... منطق المحبة والغفران... شخصية الحنان التي تسكب التعزية والاطمئنان في النفوس الحزينة التعبة، وتحررها من عبودية الخطية، وتمنحها الغفران الأبدي.

 يسوع: خلجة في قلب المؤمن... وسلام كيانه الدائم... ومحور وجوده وإيمانه... مخلّصه الأوحد، وماحي ذنوبه بجملتها.
 يسوع: عنوان التضحية والتفاني، ودليل البذل دون لقاء، لأنه مكتوب: "ليس لأحد حبٌّ أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه".
 إن محبة الرب يسوع المسيح، تخطت أقوى محبة عرفها العالم، وتحدّت أعظم تضحية عبر العصور والأجيال. وعندما نعكس صفحة المرآة على نفوسنا، نتأكد أن يسوع أحبنا - نحن بالذات - وأسلم نفسه لأجلنا... فماذا نرد له تجاه محبته هذه؟ وصوته الداوي في أعماقنا يقول: "هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم".
 أخواتي، أنا لا أشك أن المحبة موجودة بين أولاد الله المفديين والمغسلين بدم المسيح الطاهر. لكن سؤالي الذي أطرحه بإخلاص وتجرّد هو هذا:
 
 إلى أي مستوى نحب بعضنا بعضاً؟
 وما هو مقياس هذه المحبة؟!

 يقول الرب: "كما أنا أحببتكم!".
 إزاء هذه العبارة البسيطة التي تحمل أعمق معاني المسيحية، وقفت مذهولة... متفكرة... أتساءل:
 
 كيف أحب أنا أخواتي وإخوتي؟ هل محبتي لهم كمحبة الرب لي؟
 ورحت أتأمل هذه الكلمات: "كما أنا أحببتكم" والمعاني التي تتضمنها، والحقائق التي تعلنها... وبدون قصد مني، أخذَتْ يدي القلم لتخطّ أمام هذه الكلمة الخالدة: "الغفران". ولمعت في ذهني الآية الكتابية: "كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً". فأدركت في قرارة نفسي أن محبة المسيح لا تظهر في حياتي وتتزكى إلا بالأثمار التي يتوقّعها الرب فيّ، وعلى رأسها "الغفران".
 فالمحبة والمسامحة توأمان لا يفترقان. المسامحة هي الوجه الظاهر للمحبة الكامنة في القلب. وحيث لا مسامحة لا يمكن أن يكون هناك محبة صحيحة.
 قد نحاول في هذه الأيام، بسبب انحراف مقاييسنا، أن نُلبس المحبة ثوباً من صنع أيدينا، ونعرّف عنها بحسب مفهومنا البشري، بما يتنافى مع المقاييس الإلهية الصائبة، والتعريف الكتابي المعلن في كلمة الله. فنظن أن المحبة هي مجرد التلفظ ببعض كلمات الملاطفة والرقة والعواطف، مهملين المقياس الإلهي "كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضاً". فعلينا أن نحب دون انتظار التجاوب من الآخرين، وأن نغفر ونسامح دون الاهتمام بما سيقابله غفراننا ممن أساءوا إلينا. والرب العارف القلوب سيجازي كل واحد بحسب عمله...
 أختي، تذكري أن المحبة ليست نغماً من العبارات الإطرائية، أو الكلمات الرنانة المعسولة، التي تستسيغها الأذن وترتاح عليها الأعصاب. هذه ليست المحبة الحقيقية بمعناها الإلهي العميق، فكلمة الرب لا تدل على معاني سطحية كهذه أبداً، بل تقول: "كما أحببتكم أنا"، و"كما غفر لكم المسيح". هذان هما جناحا المؤمن يحلٌّق بهما عالياً فوق قممٍ وجبال... إلى أن يستقرّ على قمة الجلجثة، حيث نُقشت المحبة والمسامحة بأحرف نارية ناطقة... فبدت المحبة مخضّبة بالقطرات الأخيرة من دم المصلوب! وانطلقت المسامحة بأسمى معانيها مع آخر أنفاسه "يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون".
 من أحبّ يسوع؟ ومن سامح؟... أحبّ البشرية الخاطئة الأثيمة، التي عصت وتمرّدت، ورتعت في الشر والفساد! سامح أعداءه... صالبيه... ومعذّبيه... سامح هارقي دماه، وأحبّهم، وطلب لهم الغفران!...
 فأمام محبة يسوع... ومسامحة يسوع... ما عليكِ يا أختي سوى أن تتعلمي هذا الدرس القيّم عند قدمي هذا المعلم السماوي، لتحبي أختك وأخاك، بل لتحبي الجميع، وتسامحي الجميع، لأنه إن لم تغفري للناس زلاتهم لا يغفر لكِ أبوك السماوي زلاتك...
 فالمحبة والغفران هما الركنان الأساسيان في حياتك كمؤمنة. فإذا لم تشعري أنك تتمتعين بهما تماماً، اهرعي الآن إلى مخدعك، مخدع الصلاة، وافحصي نفسك في محضر الرب. هناك فقط تتعلمين المحبة الحقيقية والغفران الكامل. هناك في المخدع، يُكسبك الرب أحشاء، رأفات، ولطفاً، ووداعة، وطول أناة، وتسمعين صوته العذب يناديك: محتملين بعضكم بعضاً، وإن كان لأحد على أحد شكوى، فما عليك إلا أن تمدي له يد المسامحة، كما سامحك الله في المسيح...
 كيف سامحنا الله في المسيح؟...
 "كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا" (مزمور 12:103).
 "وتُطرح في أعماق البحر جميع خطاياهم" (ميخا 19:7).
 "لا أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد" (عبرانيين 12:8).
 أختي، لندفن إذاً أخطاء الآخرين وزلاتهم على ضوء محبة الرب ومسامحته. ولنعمل على توسيع دائرة محبتنا لتتسع للجميع. وسنختبر أن المحبة تثمر الغفران القلبي، وترفع نفوسنا إلى أسمى المراتب الروحية، فتطمئن قلوبنا... عندما نستطيع أن نقول:
 لأننا نحن أيضاً نغفر لكل من يذنب إلينا!

المجموعة: 201008