تشرين الثاني November 2010

كانت لي صديقة حميمة جدًا. وكنّا نتداول معًا أحاديث مختلفة عن أمور الحياة والدراسة وسواها من شؤون الدنيا. وأذكر من جملة ما حدثتني به قصة أرغب أن أشرككم بها.
 
 قالت لي صديقتي: استقللت ذات يوم الباص الذي ينقلنا عادة من المعهد إلى بيوتنا أو العكس بالعكس. واخترت الجلوس إلى جوار فتاة كانت تحتلّ أحد المقاعد الأمامية فيه.

  كانت فتاة جميلة ذات شعر منسّق تتهدل ضفائره على كتفيها، وكان يرين على أساريرها هدوء محبب. وإذ كانت المسافة إلى بيتي تستغرق نحو عشرين دقيقة تناولت أحد كتبي وباشرت في القراءة.
 
 لكن سرعان ما لاحظت أن النعاس بدأ يداعب أجفان الفتاة التي تجلس إلى جانبي وأخذ رأسها يميل نحوي ثم استقرّ على كتفي. لم أُبدِ أية علامة استياء وحدّثت نفسي: مسكينة هذه الفتاة، قد تكون متعبة أو لم تنم لسبب من الأسباب. وتابعت القراءة.
 
 مضى وقت قليل ثم جاء شاب ونادى على هذه الفتاة النائمة: هيا يا "ماجد" قم فقد وصلنا. فأفاق "ماجد" متثائبًا وفرك عينيه ونهض مسرعًا.
 أما أنا فانتابني الذعر ورحت أستغفر ربي متسائلة: أيّ عالم هذا الذي نعيش فيه؟ لقد أشفقت على هذه "الفتاة" وحسبتها متعبة، وقد اتّضح لي الآن أنها ”شاب“ في زيّ فتاة. يا للعجب!
 
 اعتراني اشمئزاز، ولكنني لم أنبس ببنت شفة، بل فكّرت في نفسي: لو قُدّر لي أن أعرف أن هذه الفتاة هي شاب لانتقلت على الفور إلى مكان آخر.
 
 نزلت في موقف الباص المجاور لبيتي وقلبي مفعم بالأسى وشرعت أصلي إلى الله أن يجعل عينيه ساهرتين على مثل هؤلاء الناس ليدركوا ما هي الخطيئة، وما هي التوبة، ومعنى المحبة التي أحبنا الله بها.
 
 وتوارد إلى ذهني ما كتبه بولس الرسول إلى أهل رومية 24:1 "لِذلِكَ أَسْلَمَهُمُ اللهُ أَيْضًا فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى النَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ".
 
 يا قارئي، إن ردة فعل صديقتي هذا كان تعبيرًا عن محبة صادقة ونية خالصة. وهي المحبة التي علمنا إياها ربنا يسوع المسيح. وشدّد عليها يوحنا الرسول في رسائله لأن عالمنا مليء بالخبث، والشر، وسوء النية، تمامًا كما ورد في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 29:1.
 
 علينا يا قرّائي الأعزاء أن نجاهد في مقاومة الشر وفجور هذا العالم وأن نقهرها بسلاحنا الوحيد الذي هو ربنا يسوع المسيح، لأن كل من يقبله ويقبل وصاياه يسلك في طريق البر.
 
 هيا نتسلح بالمسيح وبكلمته لأن له الغلبة على أهواء العالم. وهكذا بالإيمان بمخلصنا يسوع المسيح ابن الله الذي رفع خطايانا نستطيع أن نسير في موكب نصرته.

المجموعة: 201011