شباط February 2011

السماء التي يسكنها الله تموج بالحركة، والحركة الموجودة في السماء تتعلق بسكان الأرض... وقد أزاح الرب الستار عن ما يحدث في السماء فأرانا منظرًا يبهر العقول سجله سفر أيوب بالكلمات:

"وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ، وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا فِي وَسْطِهِمْ. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: مِنَ أَيْنَ جِئْتَ؟. فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: مِنْ الْجَوَلاَنِ فِي الأَرْضِ، وَمِنَ التَّمَشِّي فِيهَا. فَقَالَ الرَّبُّ لِلشَّيْطَانِ: هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ. فَأَجَابَ الشَّيْطَانُ الرَّبَّ وَقَالَ: هَلْ مَجَّانًا يَتَّقِي أَيُّوبُ اللهَ؟ أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟ بَارَكْتَ أَعْمَالَ يَدَيْهِ فَانْتَشَرَتْ مَوَاشِيهِ فِي الأَرْضِ. وَلكِنِ ابْسِطْ يَدَكَ الآنَ وَمَسَّ كُلَّ مَا لَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ" (أيوب 6:1-11).



وهذه الكلمات تعلن لنا أن الشيطان، وقد أعطاه الله السلطان على الأرض، يجول فيها، ولهذا قال بطرس الرسول للمؤمنين:

"اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ. فَقَاوِمُوهُ، رَاسِخِينَ فِي الإِيمَانِ..." (1بطرس 8:5-9).

والشيطان يزأر ليسلب من المؤمنين سلامهم ويبثّ الرعب في قلوبهم، وطريق الانتصار عليه هو مقاومته كما قال يعقوب في رسالته: "فَاخْضَعُوا للهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ" (يعقوب 7:4).

كما تعلن لنا أن الذين يتقون الله في الأرض أقلية لا يكاد يشعر بوجودها أحد، إذ قال الرب للشيطان: "هَلْ جَعَلْتَ قَلْبَكَ عَلَى عَبْدِي أَيُّوبَ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ".

رجل واحد يتقي الله ويحيد عن الشر وليس مثله في الأرض... فما أقلّ الأتقياء الحقيقيين!

وأخيرًا، تعلن لنا أن الشيطان يعرف عن معاملات الله مع المؤمنين أكثر مما يعرفون، إذ قال للرب: "أَلَيْسَ أَنَّكَ سَيَّجْتَ حَوْلَهُ وَحَوْلَ بَيْتِهِ وَحَوْلَ كُلِّ مَا لَهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ؟"

والكلمات تعلن لنا أن هناك سياجًا وضعه الله حول متّقيه.

هناك سياج وضعه الله حول متّقيه... ولا يستطيع الشيطان اقتحام هذا السياج إلا إذا سمح الله له بذلك. ولا بد لنا قبل أن نستطرد في الحديث أن نعرف معنى السياج... فالسياج هو حائط أو سور متين يوضع لحماية ما وراءه من اعتداء المعتدين... وهناك عدة أسباب من أجلها يضع الله سياجه حول خائفيه:


أولاً: السياج يضعه الله لإثبات الملكية

"أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَِ للهِ" (1كورنثوس 19:6-20).
لقد اشترانا الآب بثمن عظيم.

"... لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ... بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ، مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ" (1بطرس 18:1-20).

لذلك يرنم سكان السماء للمسيح قائلين: "مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ" (رؤيا 9:5). الله تبارك اسمه اشترى المفديين بدم ابنه ولهذا يحيطهم بسياج إثبات الملكية.

المؤمن الحقيقي يجب أن يعرف أن جسده صار ملكًا لله بالفداء فلا يستخدم جسده في النجاسات أو تعاطي المخدرات والمسكرات... كما يجب أن يعرف أن روحه صارت ملكًا لله فلا يسمح لها أن تتشامخ لأنه "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أمثال 18:16).

ثانيًا: السياج يضعه الله لتأكيد الحراسة الإلهية

المؤمن الحقيقي الذي وضع ثقته فيما عمله المسيح لأجله على الصليب محروس بقوة الله، ولهذا كتب بطرس الرسول كلماته: "مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ" (1بطرس 3:1-5).
المؤمن محروس بقوة الله حتى يتم خلاصه من جسده الترابي عند مجيء يسوع المسيح، "فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ، الَّتِي مِنْهَا أَيْضًا نَنْتَظِرُ مُخَلِّصًا هُوَ الرَّبُّ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ اسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ" (فيلبي 20:3-21).

المؤمن الحقيقي لا يمكن أن يفقد خلاصه، وهذا الحق تؤكده كلمات المسيح: "خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 27:10-30).

الله العلي يضع حول الذين فداهم بدم ابنه سياج الحراسة الإلهية.

ومع وجود سياج الحراسة الإلهية فهناك مصارعة دائمة بين المؤمن وقوات الظلام. "فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ" (أفسس 12:6).

وعلى المؤمن أن يلبس سلاح الله الكامل ويحمل هذا السلاح ليثبت ضد مكايد إبليس ويقاوم في اليوم الشرير.

ثالثًا: السياج يضعه الله تمهيدًا لإتمام خطته الأزلية

عندما يضع الإنسان سياجًا حول أرضٍ اشتراها، فهو يفعل ذلك تمهيدًا لوضع البناء الذي رسمه في خطّته. ولكن الرب دبّر للإنسان تدبيرًا يفوق الوصف في مشورته الأزلية "مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ" (1كورنثوس 9:2).

وقد قال بولس الرسول عن البناء الذي دبره الله في تدبيره للمؤمنين الحقيقيين: "لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ" (2كورنثوس 1:5).
التدبير الأزلي الذي دبره الله الحكيم العظيم للمفديين يتم بسكنى الله القدوس مع أولئك الذين اشتراهم بدم ابنه. وعن هذا المستقبل الجميل الباهر نقرأ الكلمات:

"ثُمَّ رَأَيْتُ سَمَاءً جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، لأَنَّ السَّمَاءَ الأُولَى وَالأَرْضَ الأُولَى مَضَتَا، وَالْبَحْرُ لاَ يُوجَدُ فِي مَا بَعْدُ. وَأَنَا يُوحَنَّا رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ الْمُقَدَّسَةَ أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةَ نَازِلَةً مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُهَيَّأَةً كَعَرُوسٍ مُزَيَّنَةٍ لِرَجُلِهَا. وَسَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: هُوَذَا مَسْكَنُ اللهِ مَعَ النَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْبًا، وَاللهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلهًا لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لاَ يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلاَ يَكُونُ حُزْنٌ وَلاَ صُرَاخٌ وَلاَ وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ. وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!. وَقَالَ لِيَ: اكْتُبْ: فَإِنَّ هذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ. ثُمَّ قَالَ لِي: قَدْ تَمَّ! أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ. أَنَا أُعْطِي الْعَطْشَانَ مِنْ يَنْبُوعِ مَاءِ الْحَيَاةِ مَجَّانًا. مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا. وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (رؤيا 1:21-8).

اغمض عينيك وتصوّر هذا المستقبل الذي يتعالى عن الوصف، سماء جديدة وأرض جديدة.

مكان يسكنه الله مع الناس المفديين... مكان يخلو من الموت، والحزن، والصراخ، والوجع، وكل أصناف الناس الهالكين، وأولهم الخائفون من الاضطهاد، ومن الحكومات المضادة للمسيح، ومن الأهل، ومن الأصدقاء... وقد منعهم الخوف عن الإيمان بيسوع المسيح ربًا ومخلصًا.

ثم يليهم غير المؤمنين، والرجسون، والقاتلون، والزناة، والسحرة، وعبدة الأوثان، وجميع الكذبة. فكل هؤلاء لا وجود لهم في السماء الجديدة والأرض الجديدة.

هناك الأمن، والأمان، والحب الطاهر النقي، والسلام. هناك يقفل العلي القدير كتاب الأرض بما فيه من جرائم، ويفتح كتاب السماء المزيّن بالطهر والقداسة ورؤيا وجه الله العظيم. وإلى هذا المكان الذي يملؤه الله بنوره ووجوده تاق أيوب وعبّر عن شوقه بالكلمات:

"أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي (فاديّ) حَيٌّ، وَالآخِرَ عَلَى الأَرْضِ يَقُومُ، وَبَعْدَ أَنْ يُفْنَى جِلْدِي هذَا، وَبِدُونِ جَسَدِي (بدون جسدي الترابي، أي بجسدي السماوي) أَرَى اللهَ. الَّذِي أَرَاهُ أَنَا لِنَفْسِي، وَعَيْنَايَ تَنْظُرَانِ وَلَيْسَ آخَرُ. إِلَى ذلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتَايَ فِي جَوْفِي" (أيوب 26:19-27).

أيها المخلصون بدم يسوع المسيح،
إن الله القدير وضع حولكم:
سياج إثبات الملكية
وسياج الحراسة الإلهية
وسياج التمهيد لإتمام الخطة الأزلية
وإلى ذلك اليوم تتوق وتشتاق نفسي.
فهل آمنت، يا قارئي الكريم، بالرب يسوع المسيح، وغسلك الله من آثامك وخطاياك؟ وهل تشتاق كما اشتاق أيوب إلى يوم يتمم الله فيك خطته الأزلية؟

المجموعة: 201102