شباط February 2011

الحلقة الأولى

يشوع 13:5-15؛ 1:6-25

في ظل ظروف العالم المعقدة والضغوط المستمرة التي تحيط بنا، نحتاج إلى قوة ترفعنا؛ هذه القوة التي لن نجدها إلا في شخص الرب يسوع المحب وكلمته المشجعة لنا.

يتحدث هذا الجزء الكتابي من سفر يشوع عن دخول الشعب القديم أرض كنعان تحت قيادة يشوع بعد خروجه من مصر وقضائه أربعين عامًا في البرية. ومن خلال هذه الأحداث وكيفية دخول الشعب الأرض يمكننا أن نتعلم ونختبر دروسًا روحية وكيف نحطّم الأسوار المحيطة بنا ونعيش حياة النصرة على أسوار الخوف، والقلق، والفشل، والاحباط، والقهر، والظلم، والفساد، والتعصب الديني، والتمييز الطائفي والعرقي.
الصورة في العهد القديم هي صورة رمزية لر حلة وحياة المؤمن في هذا العالم. تبدأ هذه الرحلة من مصر حيث بدأ الشعب بالخروج من مصر. وهنا صورة للعالم الذي فيه عوائق وأسوار تحجب عنا البركة والنصرة الروحية.

والأسوار الثلاث التي واجهت الشعب في تلك الفترة هي: مصر، والبرية ومدينة أريحا.

أولاً: مصر وترمز للعبودية والعناء

كان الشعب في العهد القديم مستعبدًا لفرعون في مصر ويعاني من الشقاء والهوان. وكذلك الإنسان هو عبدٌ للخطية كما يقول الكتاب: "كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ" (يوحنا 34:8). كل إنسان بعيد عن المسيح يعيش في أرض العبودية لأنه يفعل الخطية وهو عبدٌ لها.

وبعد أن يحرر الرب الإنسان من الخطية يضحى طليقًا؛ تمامًا مثلما أخرج موسى الشعب من مصر. فالسور الأول الذي يقيّدك ويمنع البركة والنصرة عنك هو الخطية التي تستعبدك.

ثانيًا: البرية وفيها ازدواجية الولاء

بعد أن أخرج موسى الشعب من مصر ذهبوا للبرية، وهناك عندما أخطأوا للرب وعبدوا العجل الذهبي كانت النتيجة أنهم تاهوا في البرية لمدة أربعين عامًا. فمشكلة الشعب في تلك الفترة هي أنه كان مزدوج الولاء، مشتت الانتماء، يريد أن يكون مع الرب ومع العالم في نفس الوقت. لم يستطع موسى أن يُخرج الشعب من ازدواجية الولاء، وكان يجب أن يأتي يشوع ليدخلهم أرض كنعان أرض البركة. ويشوع رمز ليسوع، والبحر الأحمر رمز لدم المسيح الأحمر. فعندما كان يشوع يقوم بهذا ظهر أمامه عائق آخر الذي هو مدينة أريحا.

ثالثًا: أريحا وترمز للشهوة والأهواء

أريحا ترمز للرائحة الجميلة وتشتهر بكثرة الأشجار والزهور ذات العبير العطر، وكانت محصنة بأسوار شاهقة وحصينة. وهي صورة للشهوة والإغراء؛ صورة لحياة العالم التي تجذب المؤمن! فهناك العديد من الأشياء التي تنافس المسيح في حياة المؤمن من إغراء وأهواء، وتقف سورًا منيعًا بيننا وبين الرب. فقد حطمت الشهوة والأهواء أشخاصًا أقوياء وكانت سببًا في تدهورهم روحيًا. فالملك داود سقط بالرغم من أنه كان رجلاً بحسب قلب الله.

كذلك أضعفت الشهوة حياة الملك سليمان الذي قال في نهاية حياته: "بَاطِلُ الأَبَاطِيلِ... الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ".

الملك أخآب أيضًا، الذي كانت عنده شهوة العيون فضعفت المملكة في عهده وصار في عهده ارتداد عام.

الملك شاول الذي تملّكته شهوة تعظم المعيشة ظنًّا منه بأنه يحافظ على ملكه، ورافضًا أن يسيطر الرب على حياته.

هناك العديد من الأسوار التي تحطم حياتنا إذا استسلمنا لها، وتحجب عنا البركة والنصرة وحياة القداسة والملء. لكن الرب لا يتركنا فريسة لهذه الأسوار؛ فمن خلال كلمته المباركة نتعلم ونختبر كيف ننتصر ونعود إلى حياة البركة من جديد. والسؤال، ماذا نفعل لكي نتخطى هذه الحواجز؟

هناك العديد من الخطوات الروحية التي تساعدنا على ذلك وهي:

١- إرفع عينيك (يشوع 13:5)

أول شيء فعله يشوع أنه رفع عينيه ونظر وإذا برجل واقف قبالته ولم يعرفه، فخاف يشوع وقال له: هل أنت لنا أم لأعدائنا؟ فقال له: "أنا رئيس جند الرب"، وهذا الشخص الذي قابله يشوع هو الرب يسوع إذ أنه كانت للمسيح ظهورات عديدة في العهد القديم.

فإذا كنت تريد حياة النصرة ارفع عينيك، وتطّلع إلى فوق. يقول المزمور ١:121-٣ "أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي! مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ"، فإذا أردت الحياة الهانئة القوية، ارفع عينيك إلى الرب، ارفع عينيك عن الناس الذين هم حولك، عن ظروفك، عن ضعفاتك، عن الأسوار التي تحيط بك، ولا تتذمر. ولكن انظر إلى الرب الذي أحبك حتى الموت وصلِّ له وتحدّث إليه.

كان سامي ابني يسألني وهو صغير:

- أبي، كيف أصلي بقوة؟ قلت له:

- صلِّ وكأن الرب يحملك ويضمك إلى قلبه.

فلكي تصلي بقوة، صلّ للرب كأب يحبك أكثر من حبك لنفسك، قل له هذه الكلمات: "إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي... دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي، لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهُ خَلاَصِي. إِيَّاكَ انْتَظَرْتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. اذْكُرْ مَرَاحِمَكَ يَا رَبُّ وَإِحْسَانَاتِكَ، لأَنَّهَا مُنْذُ الأَزَلِ هِيَ" (مزمور 1:25، 5-6). فمهما كانت الظروف المحيطة بك قاسية، إنها صغيرة جدًا أمام الرب وقدرته ومحبته ومواعيده لك.

أتذكّر أنني أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، وكنت قد انتهيت من دراسة الطب في لبنان، وجئت إلى أميركا في صيف 1983 لمدة شهرين لأجري مقابلات التخصص العالي في حقل الطب. وبعد أن تركت لبنان، بدأت المذابح؛ أطفال ونساء ذُبحوا هناك! وبينما كنت أسمع هذه الأخبار - وكنت حينها متزوجًّا حديثًا، وزوجتي "لميا" كانت في لبنان وكنت لا أعرف كيف أتصل بها وبأهلي لأطمئن عليهم - وقتئذ كنت في نيويورك - وهناك اقترح صديق لي بأن نذهب إلى Empire State Building لأنسى همومي. فذهبنا إلى هناك، ولكم كان جميلاً وشاهقًا! ثم بعد ذلك قررت السفر إلى ديترويت، فذهبت إلى المطار، ودخلت الطائرة التي سرعان ما أقلعت... فحوّلت نظري إلى ناطحة السحاب هناك، فإذا هي تصغر أمامي شيئًا فشيئًا. وهكذا كلما ارتفعت الطائرة كانت بعينيّ تصغر أكثر فأكثر، وكأن الرب يقول لي أنه كلما ارتفعتَ للسماء واتجهتَ إلى فوق، عندما تنظر إلى أسفل وترى الأشياء التي تبدو كبيرة، من ناطحات سحاب وغيرها ستجدها صغيرة جدًا.

فانظر إلى فوق، واتّجه للرب، وتحدث إليه وحوّل نظرك نحوه؛ ارفع عينيك!

٢- إحنِ ركبتيك (يشوع 14:5)

يا له من منظر مهيب ومشهد عجيب، فبعدما رفع يشوع عينيه وتحدث مع المسيح سجد له، وانحنى أمامه. فعندما ترفع عينيك للرب اسجد له، صلِّ له وسلّمه كل أمور حياتك. تعال إلى الرب في صلاة توبة وخشوع وقل له: "يا من أحببتني، أرفع وجهي إليك وأسجد أمامك". نحن نجهل تمامًا مقدار البركات التي نحصل عليها بواسطة الصلاة للرب.

كان هناك أب يرى ابنه يلعب ويحاول أن ينقل مجموعة من الحجارة الصغيرة من مكان لآخر في حديقة البيت، فقال له الأب: ارفع هذا الحجر الكبير وانقله. فبدأ الطفل في رفع الحجر، لكنه كان بالنسبة له حجرًا كبيرًا وثقيلاً جدًا. حاولَ الطفل أن يحمله ولم يستطع لدرجة أنه جرح إصبعه، فقال لأبيه: "يا أبي لا أستطيع أن أحمل هذا الحجر". فقال له أبوه: "هل استخدمت كل قوتك؟". قال الطفل: "نعم". قال الأب: "يا ابني، أنا قوتك، لماذا لم تصرخ لي وأنا أرفعه عَنكَ؟".

هناك العديد من الحجارة الثقيلة في حياتنا التي نُحاول أن نحملها بقوتنا الشخصية ولا نستطيع؛ مع أن الرب قادر أن يحملها عنا. لذلك يقول الرسول بولس: "بِسَبَبِ هذَا أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَعَلَى الأَرْضِ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ، أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِالْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ، لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ" (أفسس 14:3-16).

ما الذي يُخيفك في العالم؟ الارهاب، المستقبل، القلق، الظروف الصعبة والمتغيرة بشكل مستمر، الانهيار الاقتصادي، أو فقدان الوظيفة...؟! نحن أقوى من كل هذه بالمسيح يسوع!

في كتابه "Angels" يحكي لنا "بيلي جراهام" أن مجموعة من المرسلين في أفريقيا كانوا يقدمون خدمة طبية. ومرة أحاطت بهم مجموعة من القبائل المتوحشة للقضاء عليهم. رأوا هذه القبائل تتقدم نحوهم ليلاً، فارتعبوا ثم صلوا وطلبوا وجه الرب، وفي الصباح اختفت هذه القبائل. وبعد عدة أشهر جاء شخص من تلك القبائل إلى المستشفى التابع للمرسلين ليعالَج، فسألهم: "أين حراسكم؟" قال المرسلون: "أيَّ حُراس تقصد؟" قال: هل تتذكرون تلك الليلة التي حاولنا فيها القضاء عليكم، لقد رأينا 27 شخصًا عملاقًا يحيطون بكم ويرتدون ثيابًا بيضاء وكانوا كلهم مسلحين، فَخفنا منهم ورحلنا عنكم.

هنا شكر المرسلون الرب على حمايته لهم. وبعد عامين ذهب هؤلاء المرسلون إلى إنجلترا وشاركوا بهذا الاختبار. فسأل أحدهم عن ذلك اليوم الذي حدثَ فيه ذلك، فأجابوه. ثم قال لهم إنه في ذلك اليوم كنا نصلي من أجلكم وكان عددنا 27 شخصًا.

انظروا، هناك قوى سماوية تحرسنا كما هو مكتوب "ملاك الرب حالٌ حولَ خائفيهِ وينجيهم" (مزمور 4:34).

فهل نصلي كمؤمنين؟! إن أكبر مشكلة تواجهنا اليوم هي ضعف حياة الصلاة.

٣– إخلع نعليك (يشوع 15:5)

إذا أردت أن تعيش حياة النصرة، لا بد أن تخلع كل ما هو قديم، وكل ما هو فاسد في حياتك.

قد نتساءل، لماذا لا نرى الإيمان المنتصر في حياة المؤمنين؟ السبب هو أنهم يريدون الرب وفي نفس الوقت يحتفظون ويحافظون على تصرفاتهم السابقة من جهة الإنسان العتيق. فالرب يوصي في كلمته: "أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ" (أفسس 22:4-24).

هناك أشياء لا بد أن نخلعها وننبذها من حياتنا لأنها تُفسد حياتنا وتمنعنا من التقدم للأمام. يقول الرسول بولس: "قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ" (رومية 12:13-14). لقد غيرت هذه الآية حياة القديس أُغسطينوس من كتلة نجاسة إلى هيكل قداسة. فلا تعش حياة الشهوة والخصام والحسد بل البس الرب يسوع. إنه يريدك إنسانًا جديدًا، قل له: يا رب قدّس حياتي، طهرني.

ارفع عينيك، إحنِ رُكبتيك، واخلع نعليك، وعندها سيُغيرك الرب وتختبر حياة البركة والنصرة.

لكي نختبر الانتصار الرائع نحتاج إلى الإيمان الخاضع، الطائع والجامع، وهذا ما سنتناوله بنعمة الرب في الحلقة القادمة.

 

 
المجموعة: 201102