كانون الأول December 2011

 أبدأ رسالتي بالنبوة التي كتبها النبي إشعياء عن المسيح قبل ميلاده بسبعمئة سنة، وأعلن المسيح إتمامها في شخصه في مجمع الناصرة (لوقا 16:4-21)، وهذه كلماتها:

"رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي... لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ"  (إشعياء 1:61 و3).

من يتابع حياة يسوع المسيح في نبوات العهد القديم، وفي بشائر ورسائل العهد الجديد يتأكد بما لا يدع مجالاً للشك أن يسوع الذي وُلد في بيت لحم اليهودية لم يكن مجرد إنسان.

فالإنسان مهما عظم سلطانه، لا يقدر أن يُسكت العواصف والأعاصير، لكن يسوع المسيح "قَالَ لِلْبَحْرِ: اسْكُتْ! اِبْكَمْ!. فَسَكَنَتِ الرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ" (مرقس 39:4).

والإنسان مهما ازدادت قدراته لا يقدر أن يعيد الحياة إلى ميت قد أنتن... ولكن المسيح وقف أمام قبر لعازر الذي مات وأنتن و"صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا! فَخَرَجَ الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل" (يوحنا 43:11-44).

والإنسان مهما سمت أخلاقه لا يمكن أن يكون معصومًا عن الخطية، أما يسوع فقد كان معصومًا عن الخطية، فهو لم يفعل خطية وليس فيه خطية.

والإنسان مهما عظمت قدرته لا يقدر أن يقيم نفسه من الموت، لكن يسوع المسيح قال لليهود الذين طلبوا منه أن يصنع معجزة "انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ" (يوحنا 19:2)، وكان يعني بالهيكل هيكل جسده، وكما قال صار، قام منتصرًا على الموت بعد ثلاثة أيام.

مولود بيت لحم ليس مجرد إنسان، ولكنه ذاك الذي قال عنه بولس الرسول: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ"
(1تيموثاوس 16:3).

وقد جاء يسوع من السماء إلى العالم ليعطي لمن يؤمن به جمالاً عوضًا عن الرماد، ودهن فرح عوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة. إنه،

 1- يعطي الذين يؤمنون به جمالاً عوضًا عن الرماد

كثيرون افترشوا الرماد... رماد التجارب المحرقة، والآمال الممزقة.

أيوب بعد أن ضربه الشيطان بقرح رديء من باطن قدمه إلى هامته جلس في وسط الرماد (أيوب 8:2).

ولعلك تجلس الآن وسط رماد أحلامك التي لم تتحقق، وآمالك التي تهدمت، وظروفك الصعبة التي تحيط بك. ومولود بيت لحم في قدرته أن يعطيك جمالاً عوضًا عن الرماد.

فقد أعطى أيوب - الذي في تجاربه المحرقة جلس وسط الرماد - جمالاً عوضًا عن الرماد، "وَرَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ أَيُّوبَ لَمَّا صَلَّى لأَجْلِ أَصْحَابِهِ، وَزَادَ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَا كَانَ لأَيُّوبَ ضِعْفًا... وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنَ الْغَنَمِ، وَسِتَّةُ آلاَفٍ مِنَ الإِبِلِ، وَأَلْفُ فَدَّانٍ مِنَ الْبَقَرِ، وَأَلْفُ أَتَانٍ. وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ بَنِينَ وَثَلاَثُ بَنَاتٍ. وَسَمَّى اسْمَ الأُولَى يَمِيمَةَ [ومعناه يمامة وهي ترمز لمملكة الطيور] وَاسْمَ الثَّانِيَةِ قَصِيعَةَ [ومعناه ريحانة وهي ترمز لمملكة النبات]، وَاسْمَ الثَّالِثَةِ قَرْنَ هَفُّوكَ [ومعناه مكحلة، وهي ترمز لمملكة المعادن]. وَلَمْ تُوجَدْ نِسَاءٌ جَمِيلاَتٌ كَبَنَاتِ أَيُّوبَ فِي كُلِّ الأَرْضِ". (أيوب 10:42-15)

ويلفت نظرنا أن الرب أعطى لأيوب ضعفًا من الحيوانات التي سُلبت منه، ولكنه لم يعطِ له ضعفًا من البنين والبنات، بل أعطاه فقط سبعة بنين وثلاث بنات... والحقيقة أنه أعطاه ضعفًا من البنين والبنات، أقول هذا لأن بنيه وبناته الذين ماتوا تحت أنقاض البيت الذي صدمته الأعاصير، ذهبت أرواحهم للسماء. وهكذا صار له عشرة بنين وبنات في الأرض وعشرة بنين وبنات في السماء. أعطاه الرب جمالاً عوضًا عن الرماد.

وهو يعطي المؤمنين الذين يحبونه جمالاً في شيبتهم "تَاجُ جَمَال: شَيْبَةٌ تُوجَدُ فِي طَرِيقِ الْبِرِّ" (أمثال 31:16)، ويعطيهم جمال القدرة على التبشير بالخلاص "مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ" (إشعياء 7:52).

فيا من تجلس وسط الرماد، ارفع عينيك إلى مولود بيت لحم واطلب منه أن يعطيك بنعمته جمالاً عوضًا عن الرماد الذي أنت جالس وسطه، فهو قد وعد تلاميذه "سَلاَمًا أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلاَمِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا" (يوحنا 27:14).

 2-  يعطي الذين يؤمنون به دهن فرح عوضًا عن النوح

وما أكثر الذين ينوحون في هذه الأيام السوداء؟! بعضهم ينوح على موتاه الذين قتلهم الظالمون، وبعضهم ينوح على آماله التي لم تتحقق، وحياته التي قضاها في تفاهات الحياة.

ولكن هناك فريق ينوح على مدى التدهور الشنيع الذي وصلت إليه الكنائس المسيحية، تمامًا كما ناح نحميا، عندما سمع أن الذين بقوا في أورشليم هم في شر عظيم وعار، وأن سور أورشليم منهدم... يقول نحميا: "فَلَمَّا سَمِعْتُ هذَا الْكَلاَمَ جَلَسْتُ وَبَكَيْتُ وَنُحْتُ أَيَّامًا"
(نحميا 4:1).

وهناك الكثير من الأسباب للنوح؛ والقلب يعرف مرارة نفسه.

ومولود بيت لحم يهب الذين يؤمنون به، وبعمله الذي أكمله على الصليب دهن فرح عوضًا عن النوح.

 

  • هو يعطيهم دهن فرح يقين الخلاص

لما رجع السبعون الذين أرسلهم المسيح للمناداة بملكوت الله بفرح قائلين للمسيح: "يَا رَبُّ، حَتَّى الشَّيَاطِينُ تَخْضَعُ لَنَا بِاسْمِكَ!" (لوقا 17:10)، قال لهم: "لاَ تَفْرَحُوا بِهذَا: أَنَّ الأَرْوَاحَ تَخْضَعُ لَكُمْ، بَلِ افْرَحُوا بِالْحَرِيِّ أَنَّ أَسْمَاءَكُمْ كُتِبَتْ فِي السَّمَاوَاتِ" (لوقا 20:10).

 

  • هو يعطيهم دهن فرح الاكتفاء به

هذا الفرح الذي اختبره حبقوق النبي، وعبّر عنه بالكلمات: "فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي". (حبقوق 17:3-18)

وفرح الاكتفاء بالرب قال عنه بولس الرسول للقديسين في فيلبي: "اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا" (فيلبي 4:4). وقال عنه لكنيسة تسالونيكي: "افْرَحُوا كُلَّ حِينٍ" (1تسالونيكي 16:5). فهو فرح لا حدود لزمانه، وظروفه، هو فرح دائم يغمر القلب حتى في وسط التجارب المتنوعة.

ومن يختبر هذا الفرح يقول مع داود النبي: "حَوَّلْتَ نَوْحِي إِلَى رَقْصٍ لِي. حَلَلْتَ مِسْحِي وَمَنْطَقْتَنِي فَرَحًا" (مزمور 11:30).

 

3- يعطي الذين يؤمنون به رداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة

والروح اليائسة، روح حزينة... روح مكسورة، وعنها قال سفر الأمثال: "رُوحُ الإِنْسَانِ تَحْتَمِلُ مَرَضَهُ، أَمَّا الرُّوحُ الْمَكْسُورَةُ فَمَنْ يَحْمِلُهَا؟" (أمثال 14:18).

والروح تُكسر من قسوة الآباء والأمهات في الطفولة.

وتكسر من قسوة الزوج أو من عناد وتمرّد الزوجة  بعد الزواج، وتكسر بالظلم والعبودية القاسية وتُكسر من فقدان الأمل في الحصول على هدف أردنا بلوغه في الحياة وفشلنا.

والملك سليمان غمره اليأس وهو يبحث عن الفرح. فقد حاول أن يجد الفرح في إنجازاته وممتلكاته، وإشباع ملذاته، ولكنه يئس من الحصول على مبتغاه، فكتب قائلاً: "ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ... فَكَرِهْتُ الْحَيَاةَ، لأَنَّهُ رَدِيءٌ عِنْدِي، الْعَمَلُ الَّذِي عُمِلَ تَحْتَ الشَّمْسِ، لأَنَّ الْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ. فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدِي. وَمَنْ يَعْلَمُ، هَلْ يَكُونُ حَكِيمًا أَوْ جَاهِلاً، وَيَسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ وَأَظْهَرْتُ فِيهِ حِكْمَتِي تَحْتَ الشَّمْسِ؟ هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. فَتَحَوَّلْتُ لِكَيْ أَجْعَلَ قَلْبِي يَيْئَسُ مِنْ كُلِّ التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ". (جامعة 11:2 و17-20)

هل من رجاء لهذه الروح اليائسة؟

هناك رجاء أكيد، فقد وعد مولود بيت لحم بتقديم العلاج الشافي لهذه الروح اليائسة... وهو أن يعطي صاحبها رداء تسبيح. والتسبيح عنصر مفقود في حياتنا الشخصية والعائلية، والتسبيح يعني تقديم الحمد للرب على حسناته... لكن بيوتنا في هذا العصر شغلتها برامج التلفزيون، وقبائح تمثيلياته، فسكت صوت التسبيح فيها وخفّ تمامًا.

ولكن الرب مستعد أن يعطي رداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة.

هو يعطي هذا الرداء لطالبيه "يُسَبِّحُ الرَّبَّ طَالِبُوهُ" (مزمور 26:22).

ويعطي هذا الرداء لمن أكلوا من شحم الكلمة وشبعوا من دسمها، "كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي، وَبِشَفَتَيْ الابْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي" (مزمور 5:63).

فتعلّم أن تأكل كلام الله،  وتتلذّذ به، وتقول مع إرميا النبي: "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي" (إرميا 16:15). واذكر أن الأكل يتطلب المضغ، والبلع، والهضم حتى تتم عملية التمثيل الغذائي وتصبح الكلمة قوة في الحياة العملية... وهكذا عليك أن تفعل بكلمة الله لتتغطّى برداء التسبيح عوضًا عن روحك اليائسة.

ويعطي مولود بيت لحم هذا الرداء للذين يذكرون حسناته. إن كثيرين يجترون ذكريات الماضي الأليمة، وينسون حسنات الرب العظيمة. ومن هنا يعيشون حياتهم بروح يائسة، أما الذين يذكرون دائمًا حسنات الرب فهم يتمتعون برداء التسبيح.

فيا صاحب الروح اليائسة، قل مع داود: "بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ. الَّذِي يَغْفِرُ جَمِيعَ ذُنُوبِكِ. الَّذِي يَشْفِي كُلَّ أَمْرَاضِكِ. الَّذِي يَفْدِي مِنَ الْحُفْرَةِ حَيَاتَكِ. الَّذِي يُكَلِّلُكِ بِالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ. الَّذِي يُشْبعُ بِالْخَيْرِ عُمْرَكِ، فَيَتَجَدَّدُ مِثْلَ النَّسْرِ شَبَابُكِ". (مزمور 2:103-5)

ويا قارئي الكريم، اطلب من مولود بيت لحم أن يعطيك جمالاً عوضًا عن الرماد، ودهن فرح عوضًا عن النوح، ورداء تسبيح عوضًا عن الروح اليائسة. وتيقن أنه سيهبك هذه العطايا.

المجموعة: كانون الأول December 2011