كانون الأول December 2011

يعتقد الكثيرون أن الرب يسوع المسيح هو الذي ادّعى أنه ابن الله. ودائمًا شهادة الإنسان عن نفسه تبقى ناقصة وغير دقيقة. لكن لو عدنا إلى صفحات الكتاب المقدّس لوجدنا أن الله الآب هو الذي شهد وأعلن أن الرب يسوع المسيح هو ابن الله. وأن هناك ثلاث شهادات مباشرة وثلاث شهادات غير مباشرة. سنستعرضها في هذه المقالة ونتأملها.

 الشهادة الأولى:

عندما أتى الملاك جبرائيل مُرسلاً من الله ليبشّر العذراء مريم بولادة الطفل يسوع، قال لها: «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ.. فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا31:1-32، 34-35). هنا الله نفسه يشهد عن طريق الملاك جبرائيل، أن الطفل المولود سيكون عظيمًا وابن العلي يُدعى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أضاف الملاك قائلاً للعذراء مريم:  الروح القدس سيحلّ عليك، وقوّة العلي تظلّلك، ولذلك فإن القدّوس المولود منك يُدعى ابن الله. ولنلاحظ أن هذه الشهادة حصلت قبل ولادة الطفل يسوع المسيح، وأكّدت على كونه ابن العلي وابن الله.

الشهادة الثانية:

عندما ذهب الرب يسوع المسيح ليعتمد على يد يوحنا المعمدان، يخبرنا البشير متّى: «فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً:
«هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى16:3-17). هنا مرّة ثانية يشهد الله الآب عن المسيح أنه ابن الله. وكانت هذه الشهادة ضرورية للتأكيد قبل بدء المسيح لخدمته أنه هو حقًا ابن الله.

الشهادة الثالثة:

عندما أخذ المسيح تلاميذه الثلاثة بطرس ويعقوب ويوحنّا إلى جبل عالٍ منفردين. فتغيّرت هيئة المسيح أمامهم، وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور. «وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا! فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ». وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا سَحَابَةٌ نَيِّرَةٌ ظَلَّلَتْهُمْ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّحَابَةِ قَائِلاً: «هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ. لَهُ اسْمَعُوا». وَلَمَّا سَمِعَ التَّلاَمِيذُ سَقَطُوا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَخَافُوا جِدًّا. فَجَاءَ يَسُوعُ وَلَمَسَهُمْ وَقَالَ: «قُومُوا، وَلاَ تَخَافُوا». فَرَفَعُوا أَعْيُنَهُمْ وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا إِلاَّ يَسُوعَ وَحْدَهُ» (متى3:17-8). هذه الشهادة الثالثة مهمة جدًا إذ لم تؤكد لتلاميذ المسيح حقيقة كون المسيح  ابن الله فحسب، بل دعتهم للاستماع له وإطاعته وحده فقط، مقارنة مع رجُلَي العهد القديم موسى وإيليّا.

لقد كان موسى يمثّل الناموس أو الشريعة، بينما يشير إيليّا إلى كل أنبياء العهد القديم. وبولادة المسيح ومجيئه إلى عالمنا تمّت كل الرموز والإشارات، ولم تعد هناك حاجة إلا للاستماع إليه وحده. فالمسيح هو ابن الله الذي يجب أن نسمع له فقط، أي أن نؤمن به ونتبعه. وكانت هذه شهادة ضرورية لتلاميذ المسيح في مرحلة معينة من مرافقتهم له.

الشهادة الرابعة:

عندما سأل المسيح تلاميذه قائلاً: «مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا: «قَوْمٌ: يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ!». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى13:16ب-17). هنا نلاحظ شهادة غير مباشرة أتت بإعلان خاص من عند الله الآب إلى الرسول بطرس. وهذه الشهادة أكّدت أن المسيح هو ابن الله الحي.

الشهادة الخامسة:

كتب النبي والملك داود وبوحي من روح الله القدوس في المزمور الثاني قائلاً: «إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ: قَالَ لِي: «أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الأُمَمَ مِيرَاثًا لَكَ، وَأَقَاصِيَ الأَرْضِ مُلْكًا لَكَ. تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ». فَالآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ، وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلاَّ يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيل يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ» (مزمور7:2-12).

هنا نجد نبوءة واضحة عن مجيء الرب يسوع المسيح الذي هو الابن. ودعوة جميع البشر ابتداء من ملوك وقضاة الأرض لكي يعبدوا الرب ويؤمنوا بهذا الابن الوحيد الفريد قبل أن يتّقد غضبه ويدينهم. وهذه شهادة أخرى ولو بشكل غير مباشر ومن العهد القديم تؤكد أن المسيح هو ابن الله.

الشهادة السادسة:

رأى النبي دانيآل مثل ابن إنسان آتيا مع سحب السماء إلى القديم الأيّام فقرّبوه أمامه. وأنه أُعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لن ينقرض (راجع دانيآل13:7-14). هنا لا يبدو تعبير ابن الله ظاهرًا أو واضحًا. لكن كيف فهم رجال الدين اليهود هذه النبوءة؟ عند محاكمة الرب يسوع المسيح نجد رئيس الكهنة يوجّه سؤاله للمسيح قائلاً: «أَسْتَحْلِفُكَ بِاللهِ الْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ». فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ حِينَئِذٍ ثِيَابَهُ قَائِلاً: «قَدْ جَدَّفَ! مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ هَا قَدْ سَمِعْتُمْ تَجْدِيفَهُ!» (متّى63:26ب-65). من الواضح أن رئيس الكهنة أدرك ومن كتب العهد القديم (سفري المزامير ودانيآل خاصة) أن المسيح المنتظر يجب أن يكون هو نفسه ابن الله. ولهذا اتّهم المسيح بالتجديف عندما أعلن له أنه هو نفسه الذي تكلّم عنه النبي دانيآل، أي أنه هو ابن الله.

أجل، إننا نحتفل في هذه الأيام ليس بولادة الطفل يسوع المسيح فحسب، بل نحتفل بولادة ابن الله الوحيد. ابن الله الذي شهدت عنه السماء نفسها، وأعلن الله الآب وبشهادات عديدة أنه ابن الله. فهل تراك قارئي تؤمن بابن الله الوحيد والمخلص الفريد؟ وعندها تحتفل بولادته حقًا وفعلاً.

المجموعة: كانون الأول December 2011