Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني - شباط Jan Feb 2012

القس إبراهيم

كان أحد كبار الكتّاب الغربيين على فراش الضنى. وقد أعياه الجهد والتعب، فتقدم إليه أحد أصدقائه الأقربين، وصارحه بهذا السؤال: "والآن ماذا أخذت من هذه الحياة؟".

فحوّل الكاتب نظره لحيظة عن صديقه وأمسك بكأس من الخمر كانت على منضدة، ثم تجرّع منها جرعة، وبعد هنيهة أمسك سيجارًا كبيرًا و"سحب" منه "نفسًا" طويلاً، وعاد فلفظه على مهلٍ ثم رفع عينيه إلى صديقه وقال: "ماذا أخذت من هذه الحياة؟". أخذت منها هذه الكأس من الخمر، وهذا السيجار!". وبعد فترة وجيزة، ساد غرفة المريض صمت رهيب، فلفظ الكاتب الخطير أنفاسه الأخيرة... أما الخمر فكانت قد استحالت في جوفه إلى شيء أحرّ من الجمر... وأما السيجار فقد تحوّل الجانب الأكبر منه إلى رماد، هو كل ما بقي من أثر.

قد يبدو لنا ما في هذا الجواب من سخف، لكنه لا يخلو من صراحة مرّة جارحة هي أقرب الأشياء إلى الصراحة القاتلة. لأن ذلك الكاتب الخطير يعبّر عن شعور الأكثرين من الناس، الذين يشاطرونه نظامه في العيش - وكل نظامهم في حياتهم أن لا نظام لهم - لكنهم لا يشاطرونه صراحته الصارمة لأنهم يخرجون من الحياة من غير أن يأخذوا منها شيئًا، سوى حسرة الوجود فيها يومًا، فماذا لك في الحياة أيها القارئ؟

في مَثَل الفعلة المأجورين، الذي سجله متى البشير، قال المسيح لكل واحد من المأجورين: "خذ الذي لك واذهب". فهل أنت في هذه الحياة عائش عيشة الأجير، أم تشعر في قرارة نفسك أن لك في هذه الحياة رسالة؟ هل أنت أجير مكدود في هذه الحياة؟ أم أنت عامل مظلوم مسخر في هذا الوجود؟ أم أنت حامل رسالة تؤديها بكل بهجة وسرور؟

ماذا لك في الحياة؟

إذا ألقيت هذا السؤال على جمع غفير من الناس، من مختلف الطبقات والأجناس، ألفيت السواد الأعظم فيهم حائرًا لا يدري ماذا يقدم من جواب لأن لا غرض لهم في الحياة سوى الأكل والشرب واللهو والعبث. فالأيام والسنون تمر من بين أيديهم، وهم عنها غافلون مثلهم في هذا مثل التماثيل الرخامية الباردة المقامة في وسط الميادين العامة في بلاد الغرب والمياه تنساب من بين يديها فهي لا تدري، وهي لا تشعر.

أما الجانب الأكبر من الباقين، فتراهم متلافين يبعثرون ثروة الحياة ذات اليمين وذات اليسار، مثلهم في هذا مثل غر مجهول يُعطى شمعة واحدة فيشعلها من طرفيها كليهما، لكي يأتي على آخرها في أقرب وقت مستطاع.

علم أحد الأغنياء الخيّرين، أن أسرة تسكن على مقربة منه، تعاني شظف العيش المرير، بعد موت عائلها الوحيد... فبعث بهبة مالية قيِّمة لهذه الأسرة المنكوبة. وكان ينتظر بعد هذه التقدمة أن ينعم بليلة هائنة نتيجة لراحة ضميره بعد قيامه بهذا العمل المبرور. وما كان أشدّ دهشته وأعظم تغيّظه لأن تلك الهبة قد حرمته لذيذ النوم طوال الليل - ذلك لأن تلك الأسرة المنكوبة في خلق أفرادها - قبل نكبتها في موت عائلها - قد اشترت بنصف تلك الهبة السخية "مذياعًا" ظلّ يقرقع طوال الليل، حاملاً إلى غرفة ذلك الغني، أقبح الأغاني، وأرذل الأصوات التي يقال لها "موسيقية"! والنصف الباقي من هذه الهدية قد اشتروا بها أشياء كمالية لإشباع غريزة المباهاة وحب الظهور - كلها على جانب عظيم من الترف كما لو كانوا أغنى من ذلك الغني المحسن الكبير. وكان من أثر هذا، أن صمم ذلك المحسن على أن يهجر الإحسان هجرًا مؤبّدًا بسبب تلك الأسرة المتلافة التي حولت النعمة إلى نقمة، والإحسان إلى شر إساءة.

وهنالك فريق من الناس - ليس أقلية بين البشر، لا يأخذون من الحياة سوى العيش - ينظرون إلى الحياة نظرة التجار النفعيين الذين نزلوا بالحياة من مستواها العالي الرفيع، إلى مستوى "العيش" السحيق. في سبيل كسب هذا العيش، لا يهمهم إذا خسروا الشرف والنبل، والنزاهة لأن الحياة عندهم "معايش" كما تقول عامة الناس. وإذا جاز لنا أن نطلق على هذا الفريق وصفًا خاصًا، أو أن ندمغهم بطابع معين، فلسنا نجد حلّة تلابسهم، سوى أنهم فضوليون على الحياة، يعيشون فيها عيشة "المرتزقة". وإن شئت قل عنهم أنهم عائشون لكنهم غير أحياء - مثلهم في ذلك مثل مريض هزيل، ملقى على قارعة الطريق، فإن المستشفيات والملاجئ قد لفظته، لأن لا رجاء في شفائه. فتراه مصابًا بتورّم في الكبد، وتضخم في الطحال، وتقطّع في نبضات القلب، وتقرّح في العينين وشلل مزدوج في اليدين والرجلين، لا يمنع الناس من دفنه سوى أنه عائش، وهو عائش لأن الموت قد عزّ عليه... هذا عائش ولكنه ليس بحي...

ماذا لك في الحياة؟ خذ الذي لك واذهب.

إن خير محكّ للغرض الذي نبتغيه في الحياة هو قول المسيح: "خذ الذي لك واذهب".

فيا من تعيش للجاه والشهرة... إنك لا تستطيع أن تأخذ شيئًا معك إلى عالم الخلود. لأن الجاه شبيه بنار على علم، كما قال أحد الشعراء الأقدمين. وبعد قليل تلتهم النار العلم فيمسي العلم رمادًا!

ويا من تعيش للصداقة والأصدقاء... إن واحدًا منهم لن يستطيع أن يعبر معك "وادي ظلال الموت" ليصل معك إلى شاطئ الخلود والمجد.

ويا من تعيش لذاتك ولذّاتك، إنها كلها تذهب هباء، وسوف تنقلب عليك في النهاية مرًّا وعلقمًا... مثلها في هذا مثل تفاح سدوم يُرى من بعيد كأنه أجمل شيء، ومتى حاول المسافر أن يأكل تفاحة منه انقلبت في فمه أفسنتينًا وصابًا.

وهنا أسمع صوتًا آتيًا من وراء الأجيال والدهور، هو صوت شيخ متهدم الجسم، لكنه قوي العقل، عامر قلبه بالإيمان... يقول بصوت قوي النبرات: "لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ". فإذا أخذت المسيح معك إلى عالم الخلود، وجدته ربحًا فوق كل ربح. لأن هذا القول الذي صرح به بولس الرسول معناه: "لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح مضاعف لي. لأني أربح المسيح مضاعفًا". فإذا اتخذت في حياتك غير المسيح غرضًا فإنه ينقلب عليك قبيل سكرات الموت حسرة وألمًا "لأنه عرض زائل، ينقلب إلى سكرات الموت" المنبئة بالبكاء وصرير الأسنان.

المجموعة: كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2012

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

62 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10553909