كانون الثاني - شباط Jan Feb 2012

تعرّض الشاعر الإنجليزي "وليم إرنست هينلي" لهجوم شديد من قِبل مؤمنين ساخطين استاءوا من صريح عباراته التي لم تخلُ من الكبرياء والاعتداد بالذات، قال:

"أنا سيد مصيري... أنا قائد حياتي!".

فبالرغم من أن النغمة السائدة في هذه القصيدة هي الهجوم وتحدّي كل المعتقدات الروحية التي يؤمن بها المسيحيون، إلا أننا نفعل حسنًا إذا توقفنا عن إصدار أي حكم على هذا الشاعر، لإنه إنسان لم يعرف قلبه شيئًا من تأثيرات نعمة الله المغيّرة... إنه أعمى منذ ولادته يتخبّط في طريق مظلم بحثًا عن قيمة لنفسه حتى ولو كانت قيمة غير حقيقية! نعم، إن سخريته من سلطان السماء على حياة البشر يدلّ على تبجح وكبرياء. لكن، ورغم كل هذا فإن كلماته لا تخلو من الحقيقة!

نعم، نحن مسؤولون عن أنفسنا!

في إحدى ترنيماته التي ترنمت بها كل كنائس العالم، قال مرة الشاعر المسيحي كاتب الترانيم المشهور "تشارلز وسلي":

"أنا عندي مهمة ينبغي أن أتمّمها...

عندي إله ينبغي أن أمجّده...

وعندي نفس خالدة ينبغي أن أخلّصها...

وأهيّئها للسماء!".

يؤمن "وسلي" هنا بأنه مسؤول عن خلاص نفسه وإعدادها للسماء، ولا يمكن لأحد أن يعترض على هذا الفكر إلا إذا كان لا يؤمن بحرية إرادة الإنسان. لقد أعطى الله لكلٍّ منا نفسًا خالدة ووضع عليه مسؤولية خلاصها. ويؤكد هذا ما قاله الرسول بطرس في يوم الخمسين: "اخلصوا من هذا الجيل الملتوي"
(أعمال 40:2). كان بطرس، وبلا شك، يحمّل سامعيه مسؤولية خلاص نفوسهم!

إن كل إنسان هو وبلا شك سيد مصيره، وهو فعلاً قائد حياته. فحياة كل منا تشبه السفينة التي تمخر عباب البحر، وكل منا مسؤول عن قيادة سفينة حياته بشكل أو بآخر. قال الرسول يعقوب عن حياتنا: "هُوَذَا السُّفُنُ أَيْضًا، وَهِيَ عَظِيمَةٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، وَتَسُوقُهَا رِيَاحٌ عَاصِفَةٌ، تُدِيرُهَا دَفَّةٌ صَغِيرَةٌ جِدًّا إِلَى حَيْثُمَا شَاءَ قَصْدُ الْمُدِيرِ" (يعقوب 4:3).

مسؤولية مخيفة

لكننا وللأسف، نميل لمقاومة هذا الفكر وإلقاء المسؤولية بعيدًا عنا. نحن لا نحب أن نفكر بأننا مسؤولون عن أنفسنا... إنه فكر مخيف ومفزع، لأننا نشعر بأننا جهّال وضعفاء جدًا، والبحر أمامنا متسع وعنيف جدًا، أو كما قال توما مرة: "يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ الطَّرِيقَ؟" (يوحنا 5:14). نحن لا نعرف أين هو الميناء فكيف نأمل بأننا سنصله؟! لكن، رغم كل خوفنا من هذه المسؤولية إلا أنها تبقى حقيقية. نعم، إننا مسؤولون عن أنفسنا!

كيف نواجه المسؤولية؟

بما أننا لا نستطيع أن نواجه البحر بأنفسنا ولا نستطيع أن نقود سفينتنا إلى الميناء بسلام إلا أننا نستطيع أن نسلّم القيادة لشخص آخر يستطيع أن يقود حياتنا! لقد أعطانا الله إرادة حرة لكي نختار إما أن نقود حياتنا بأنفسنا أو نسلّم قيادتها لقائد آخر. ولقد أعطانا الله هذا القائد أيضًا، إنه ربنا يسوع المسيح، وكل ما نحتاجه هو أن نجاهر بجهلنا وعجزنا عن قيادة حياتنا ونصرخ بالإيمان:

مخلّصي يسوع... قدني،

في بحر الحياة العاصف...

أمواج غامضة تضرب سفينتي

صخور مختبئة ومياه ضحلة

والخريطة والبوصلة عندك أنت

مخلصي يسوع... قدني!

لقد أعطى الله لكلٍّ منا إرادة حرة، والفرق بين المؤمن وغير المؤمن ليس أن واحدًا له إرادة والآخر ليس له، كلاّ! بل كلاهما له إرادته الحرة، لكن الفرق هو في كيفية استخدام الإرادة. غير المؤمن يريد أن يقود حياته بنفسه بعيدًا عن الله، وهذا هو جوهر الخطية! أما المؤمن فقد قدّم إرادته لإرادة الله وأعطى نفسه - باختياره - لقيادة الرب يسوع المسيح. لا بد أن يكون لنفسك قائد، والسؤال هو: من هو القائد؟ أنت أم المسيح؟ الفرق بينهما كالفرق بين الجحيم والسماء، بين الموت والحياة، وبين الحزن والفرح!

المجموعة: كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2012