حزيران June 2012

Rev Jacob Ammariنبوءة عن المسيح تحققت بحذافيرها
القس يعقوب عماري
عاش النبي دانيآل قبل ميلاد المسيح بحوالي 500 سنة، وهو من مواليد أورشليم، وتحدّر من عائلة ملكية، وتميز منذ طفولته بالذكاء الحاد والذهن المتوقّد، كما نشأ نشأة روحية بإيمان راسخ وعلاقة طيبة مع الله.
في أيام حداثة دانيآل جاء نبوخذنصر ملك بابل إلى فلسطين واقتحمها وسبى شعبها وحملهم عبيدًا إلى بلاده، وكان من بين المسبيين دانيآل وثلاثة من رفاقه هم شدرخ وميشخ وعبدنغو.
أثناء فترة السبي التي طالت وقع اختيار المولى على دانيآل ليكون نبيا لله بين شعبه في أرض السبي. ولدانيآل سفر وحيٍ بين أسفار الكتاب المقدس يسمى باسمه، وهو سفر شيّق لكل من اطلع عليه.
تعرّض دانيآل في أرض السبي إلى كثير من المضايقات والاضطهادات وملاحقات الأشرار والحسّاد، يضيق الوقت للدخول في تفاصيلها فأترك ذلك للقارئ الكريم ليطلع عليها بنفسه.
أود هنا أن أشير إلى نبوة وردت في الأصحاح التاسع من سفر دانيآل، يتحدث الملاك جبرائيل فيها إلى دانيآل عن الأيام الأخيرة ويكشف عن حقائق مذهلة، ويشير إلى المسيح بالاسم الصريح.
عندما تلقى دانيآل تلك النبوة، كان في حالة خشوع في محراب صلاته يتشفع لأجل شعبه الذي كان يعاني تحت عصا التأديب بسبب شروره، فقال له: "يا دانيآل... في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر (أي استجيبت صلاتك)، وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب. فتأمل الكلام وافهم الرؤيا. سبعون أسبوعًا قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة، ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا... وبعد اثنين وستين أسبوعًا يُقطع المسيح وليس له، وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس، وانتهاؤه بغمارةٍ، وإلى النهاية حربٌ وخربٌ قضي بها، ويُثبِتُ (المسيح الآتي آنذاك) عهدًا مع كثيرين في أسبوع واحد، وفي وسط الأسبوع يُبَطِل الذبيحة".
هنا أقول للقارىء الكريم أنه عندما يعلن الله عن نبوة في كتب وحيه، فالنبوة لا تأتي على هيئة ما نقرأه في نشرة الأخبار في الصحف والجرائد اليومية، بل تكون عادة مغلّفة بشيءٍ من الرمزية أو الغموض بحيث تستعصي على المستهترين... لكنها تكون معلنة وواضحة للمؤمنين، وهذا ما أوضحه لنا المسيح في حديثه لتلاميذه في إنجيل متى 10:13-17، يمكن للقارىء أن يطلع عليها لو شاء. والكتاب يقول في مزمور 14:25 "لأن سر الرب لخائفيه".
والآن نعود إلى تفاصيل ما ورد في تلك النبوة، وهل تم ما أنبأت به؟! وإلى القارىء الكريم الملاحظات التالية:

1- عرّفتنا النبوة أن قدوس القدوسين هو المسيح الآتي في مجيئه الأول قبل ألفي عام.

 

2- وأن هذا المسيح سيُقطع من بين الأحياء وليس له... أي ليس له من ذنب (عدد 26). وهذا ما تم بمؤامرة عليه من اليهود ليُصلب، فصُلب وقُطع من أرض الأحياء... لكنه في اليوم الثالث من صلبه قام غالبًا الموت وظهر لجموع محبيه.

 

3- ثم تتابع الآية 26 لتقول: "وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس (أي هيكل سليمان)". وهذا ما تم على يد القائد الروماني الوثني تيطس في عام 70 للميلاد حين اقتحم المدينة ودمرها وأهلها فيها حتى لم يبقَ فيها حجر على حجر. وهذا يتوافق مع نبوة المسيح على المدينة قبل دمارها بثلاثين سنة حين خاطبها بقوله: "يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا، هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا". وكرر المسيح نعيه لأورشليم قبل صلبه بستة أيام حين نظر إلى المدينة من سفح جبل الزيتون وبكى عليها قائلاً: "إنكِ لو علمتِ أنت أيضًا، حتى في يومك هذا، ما هو لسلامك! ولكن الآن قد أُخفي عن عينيك، فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسةٍ، ويُحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك، ولا يتركون فيك حجرًا على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك" (لوقا 42:19-44). كما قال المسيح في إحدى خطبه عن آخر الأيام (لوقا 21): "ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش، فحينئذٍ اعلموا أنه قد قرب خرابها".

4- أن المسيح الآتي (آنذاك) سيُبْطل الذبائح الكفارية، حيث تقول النبوة في الآية 27 من أصحاح 9: "وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة". وهذا ما تم حرفيًا منذ اللحظة التي صُلب فيها المسيح على أساس أنه هو الذبيحة الكفارية الدائمة عن كل الجنس البشري. ففي ساعة الصلب حدث أمر عجيب، إذ في نحو الساعة السادسة — وهي الثانية عشر في التقويم الحالي — صارت ظلمة على كل الأرض استمرت ثلاث ساعات فأظلمت الشمس، وانشق حجاب الهيكل من وسطه. وهذا كان بمثابة إعلان عن انتهاء وظيفة الهيكل، وأن تقديم الذبائح فيه قد انتهى على أساس أن ذبيحة الصليب هي الذبيحة الدائمة المقبولة عند الله، والذبائح السابقة عبر السنين كانت ترمز إليه. وبعد حوالي 30 سنة اقتحم القائد الروماني  تيطس المدينة فدمرها ودمَّر معها الهيكل ولم يبقِ فيها حجر على حجر.

5- نشير هنا إلى أمر هام في غاية الدقة تعلنه نبوة دانيآل في الآية 25 إذ تقول: "فاعلم وافهم (يا دانيآل، ويا كل القراء) أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعًا (مجموعهما 69). تعال معي قارئي الكريم نحسبها بكل دقة:

الأمر بتجديد أورشليم وبنائها كان قد تمّ في شهر نيسان من السنة العشرين لأرتحشستا الملك، أي في السنة التي يحددها المؤرخون بالعام  445  قبل الميلاد. وقد أثبت  المؤرخون الثقات أن صلب المسيح قد  تم  في عام 38 ميلادية. فإذا جمعنا  الـ 445  سنة التي مرت قبل الميلاد + سنة  الصلب أي سنة  38 بعد الميلاد يكون نتيجة الجمع:
445 + 38 = 483 سنة مرت ما بين صدور قرار تجديد وبناء أورشليم حتى موعد السنة التي صُلب فيها المسيح. علينا أن نتذكّر هنا أن  أسابيع النبوة تلك ليست أسابيع أيام بل أسابيع سنين.
الآن، ماذا لو نضرب الأسابيع  الـ 69  في نبوة دانيآل لتعطينا عدد السنوات ما بين صدورالتجديد والسنة التي صلب فيها المسيح: 69 × 7 = 483 سنة. فالنبوة إذًا تطابقت مع الضبط التاريخي الفعلي ما بين الأمر بتجديد المدينة وتاريخ الصلب في دقة متناهية.

6- بقي أن أشير إلى نقطة هامة تختتم بها نبوة دانيآل وتتعلق بأمرٍ نحن اليوم نعيشه ونشهده، إذ بعد حديث النبوة عن خراب أورشليم تقول (والحديث عن آخر الأزمان في تاريخ هذه المدينة): "وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها". وهذا ما نشهده اليوم وما كان من قبل عبر التاريخ... مدينة عاشت وستبقى تعيش الأزمات المتواصلة في صراعات مستمرة حتى آخر الأزمان.

عزيزي القارىء، لا سلام حقيقي، ولا هداية حقيقية، ولا رؤية واضحة للشعوب دون التقرب من هذا الشخص العجيب الذي يدعى المسيح... مكتوب عنه في أسفار الوحي أنه هو "رجاء الأمم" وبدونه لا رجاء، وستبقى الشعوب تتخبط في ثورات تتلوها ثورات، وسيول تنزف من الدماء لأنها لا تعرف زمان افتقادها فلم تتعرف على شخص مخلصها الرب يسوع المسيح. ليتنا كأفراد وكشعوب، أن ندرك هذه الحقيقة بالتعرف على هذا المخلّص العجيب، لأن سلامنا في دنيانا ومصيرنا الأبدي يتعلق بالتعرف عليه وقبوله ربًا على حياتنا.

المجموعة: حزيران June 2012