تموز July 2012

القس يعقوب عماريأمامي اليوم مزمور من مزامير النبي داود، وله شهرة خاصة بين مزاميره، ملايين من الناس اليوم يحفظون هذا المزمور عن ظهر قلب وهو ما يسمى بمزمور الراعي، المزمور الثالث والعشرين. أدعو القارئ الكريم للمشاركة بالتأمل في هذا المزمور لبعض الوقت. يقول المزمور: "الرب راعي فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضرٍ يربضني، إلى مياه الراحة يوردني. يرد نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه. أيضًا إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي، عصاك وعكازك هما يعزيانني". قرأ أحدهم هذه الكلمات، عصاك وعكازك هما يعزيانني.. وتحدث عن اختبارات صعبة مرَّ بها وقال:
"كان والدي قد خصص زاوية صغيرة في البيت علق عليها عصيًّا وعكاكيز قديمة استخدمها شيوخ العائلة عبر قرونٍ من الزمن. وكنا أنا وإخوتي كلما دعت الحاجة لتسلق الجبال المحيطة بالقرية يختار الواحد منا ما رغب من هذه العصي والعكاكيز ويأخذها بيده في مشواره. وكنت كلما فعلت هذا أتذكر عكاز الله في المزمور 23 إذ يقول: عصاك وعكازك هما يعزيانني.
"وفي أيام الحرب والأيام القاسية وبينما كان الخطر يحدق بنا كنت أمر على كلمات معزية في أحد مزامير داود تقول عن الصديق المؤمن: لا يخشى من خبر سوءٍ، قلبه ثابت متكلاً على الرب. فكانت هذه الكلمات لي هي عكاز الله أستند عليها وأتعزى بها.
"وفي يوم حزين اختطف المنون ابننا الوحيد فتركنا محطمي القلوب! وفي لحظة وبينما كانت الدموع تنهمر من عيني لفقدان ولدي والأسى يغمرني تذكرت عكازًا من عكاكيز الله في آية تقول: عند المساء يبيت البكاء، وفي الصباح ترنم. فأحسست وكأن يدًا امتدت إلي ومسحت دموعي فخف حزني وتعزيت.
"وعندما ساءت صحتي في منفاي حيث قضيت سنة كاملة في السجن، فتحت كتابي المقدس على سفر المزامير وتعكّزت على عكاز الله في آيةٍ يخاطب الله بها المؤمنين ويقول: الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً.
"ودارت الحرب من جديد بعد سنوات من الهدوء، وفي يوم عصفت حولي معركة طاحنة، ما تأملت أن أبقى بعدها على قيد الحياة، ولكن تذكرت قول المسيح: سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب. فكانت تلك عكازًا تعكّزت عليها نفسي المضطربة فنمت ليلتي بسلام.
"وفي يوم آخر كانت القنابل تنصب فوق رؤوسنا في المدينة كوابل المطر. ودوي انفجاراتها يكاد يطبق جدران المنزل على من فيه، وأصيبت زوجتي في تلك الليلة بمغصٍ كلوي كان يراودها بين شهر وآخر فاحترت ماذا أفعل، ولكن رفعت قلبي في صلاة إلى الله وقلت: يا رب، أنت عالم بأحوالنا، ليس مثلك من طبيب شافي! ها شوارع المدينة خالية وسيارات الإسعاف من يطالها في مثل هذه الحالة والرصاص يتطاير في الطرقات، أسعفنا يا رب! وإذا بصوت في داخلي يقول: عد إلى كتابك! وفتحت الكتاب فكان أول ما وقع عليه نظري قول الله: أنا الرب شافيك. فشكرت الله واتجهت إلى زوجتي لأطمئنها بالشفاء، وقبل أن أنطق بكلمة ابتسمت وقالت: اطمئن، أنا بخير! زال الألم! ومرت بعدها سنوات لم يعاودها المغص.
"وفي أحد الأيام احترت في ما تعنيه آية في سفر ناحوم تقول: الرَّبُّ فِي الزَّوْبَعَةِ، وَفِي الْعَاصِفِ طَرِيقُهُ، وَالسَّحَابُ غُبَارُ رِجْلَيْهِ. فتذكرت حادثة لا أنساها مرت في حياتي حين خرجت يومًا للتنزّه منفردًا وجلست على صخرةٍ فوق تلةٍ مرتفعة تطل على وادٍ جميل خصب يتألق بأزهاره الزاهية، وأعشابه الخضراء، وأشجاره الباسقة، وثمارها الشهية. وما هي إلا لحظات حتى عبست السماء، واربدَّ الجو، واسودّت الغيوم، واكفهرّ الوادي، فأخذت البروق تتلوها الرعود تمزق بصوتها سكون الوادي الهادىء. ثم انهمرت الأمطار والبَرَد بغزارة مذهلة. فقبعت تحت أغصان شجرةٍ قريبة أختبئ تحتها ولكن من غير جدوى. ولم يكن لي من حيلة غير الصبر والبقاء في مكاني بانتظار ما سيكون. وبعد ساعة من الزمن توقفت العاصفة، وأشرقت الشمس، وساد الهدوء من جديد، وعاد الوادي أمامي إلى سكونه وكأن شيئًا لم يكن، فهدأ قلبي في داخلي وعدت إلى مسكني.
"وفي اليوم التالي، رغبت أن أعود إلى ذات الموقع والمكان، وإذا بألوان الطبيعة التي شاهدتها بالأمس قد أصبحت أبهى وأجمل مما كانت عليه فقلت لنفسي: حقًا كما تقول الآية أنّ الله في العاصفة! فلولا مثل هذه العواصف والرعود والأمطار لكان هذا الوادي الجميل قفرًا بلقعًا ومسرحًا لوحوش البرية".
عزيزي القارئ، هل تعاني من اضطرابٍ أو خوف أو رعب؟ هل أنت في وسط عاصفة هوجاء مدمرة؟ لا تضطرب قلوبكم... يعرف الله ومن خلال العاصفة كيف يدرأ الخطر ويشدد عزائمكم. ويذكرني هذا بقول الإنجيل: كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله.
نعم، كل الأشياء (مرّها وحلوها) تعمل معًا للخير للذين يحبون الله ويطيعونه، فلا لليأس، ولا للخوف، لأن الله حتى لمنقلب العاصفة يقول خيرًا.

المجموعة: تموز July 2012