تموز July 2012

القس رسمي إسحقنطق داود بكلمات مزمور 5:30 في مناسبة من المناسبات السعيدة وهي تدشين بيته الذي بناه ليسكن فيه. ومن الأمور المسلم بها أن الإنسان يتكلم بكلام الحكمة إما في قمة أفراحه أو في شدة أحزانه. وما أعظم الكلمات التي تحدّث بها داود في هذه المناسبة السعيدة والتي دُوّنت في هذا المزمور المبارك الذي بدأه بتعظيم الرب وتمجيده والتحدث عن الجمائل الكثيرة التي أغدقها الله عليه والتي يشعر بها دائمًا ولا يمكن أن ينساها أبدًا.

وفي معرض حديثه ذكر ثلاثة حقائق تبعث التعزية في قلوب شعب الرب وتفرحهم وتسهل عليهم صعوبات الحياة وهي: لأن للحظة غضبه، حياة في رضاه، عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنّم. وسأوجّه رسالتي في ثلاث كلمات:
أولاً: طيبة القلب؛  ثانيًا: حياة القرب؛  ثالثًا: تحويل الكرب

 

أولاً: طيبة القلب

وأقصد بذلك طيبة قلب الرب. يقول داود في الجزء الأول من الآية: "لأن للحظة غضبه". البعض يتصور أن الله حقود وغضوب، منتقم وجبار مع كل البشر. ولكن الحقيقة هي أنه ليس كذلك وخاصة مع أبنائه وشعبه. أحيانًا تصدر منا أمور تغضبه ولكن اطْمَئن يا أخي العزيز فإن غضبه لا يستمر طويلاً فسرعان ما يرجع عن حمو غضبه. يقول داود كلمات رائعة عن طيبة قلب الرب: "الرَّبُّ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ. لاَ يُحَاكِمُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَحْقِدُ إِلَى الدَّهْرِ. لَمْ يَصْنَعْ مَعَنَا حَسَبَ خَطَايَانَا، وَلَمْ يُجَازِنَا حَسَبَ آثامِنَا...".  
وقد يسأل إنسان: ما الذي يغضب الله من تابعيه؟ أذكر ثلاثة أمور:

1- السهوات والسقطات

يقول كاتب مزمور 19: "اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا؟ مِنَ الْخَطَايَا الْمُسْتَتِرَةِ أَبْرِئْنِي".
لا تخلو حياة أبناء الله من السهوات والهفوات. ولكن عندما تزداد سقطاتنا وهفواتنا يغضب الله منا، ولكن غضبه لن يطول فما أن نعترف للرب بهذه السهوات والهفوات إلا ونجده وقد رجع عن غضبه وابتسم في وجوهنا بغنى نعمته الغافرة، وفتح ذراعيه، وضمّنا إلى حضنه. قد يأتي الشيطان إلينا بعد كل سقطة أو هفوة تصدر منا ويهمس في آذاننا ليقنعنا أننا لم نحصل بعد على الخلاص لأن الذي خلص من خطاياه لا يمكن أن تصدر منه هذه الأمور. ويحاول الشيطان أن يقنعنا بأن الرب سيصب جامات غضبه علينا، لكن لا تنساق أخي وراء الشيطان، وتأكد أن غضب الرب للحظة.

2- إهمال الصلوات

قد تأتي على المؤمن أوقات فيها يهجر عرش النعمة ومخدع الصلاة. هذا الأمر يغضب الله منه ذلك لأنه قال بفمه الطاهر: "ينبغي أن يصلّى كل حين ولا يملّ". ثم قال: "صلوا بلا انقطاع". وأمر الله يجب أن ينفّذ لأنه مكتوب: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس". مرات كثيرة عندما ننوي التقدم إلى عرش النعمة يذكّرنا الشيطان بأشياء كانت غائبة عن أذهاننا ليشغلنا بها عن الصلاة، ذلك لأنه يعرف أن بُعدنا عن عرش النعمة سيضعف حياتنا الروحية وبذلك يسهل عليه أن يوقعنا في الخطية. احترس أخي من حيل عدو الخير وارجع بسرعة إلى مخدع الصلاة وصلِّ حتى تنال رحمة وتجد نعمة عونًا في حينه.

3- روتينية القراءات

يغضب الله منا عندما تتحول قراءتنا للكتاب المقدس إلى روتين، فنقرأه قراءة عابرة كأنه فرض يجب أن يؤدّى، نؤدّيه ونحن نتثاءب ونكون أقرب للنوم من اليقظة. قال إرميا النبي: "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي". كم يعجبني قول الكتاب: "بل في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهارًا وليلاً". تكلم الرب قديمًا عن طريق سليمان الحكيم: "اربطها على قلبك دائمًا قلد بها عنقك. إذا ذهبت تهديك. إذا نمت تحرسك...".
قد يقول أحدهم: "إنني أقرأ كل يوم عدة أصحاحات". وهنا لا بد أن أوضح الحقيقة أن الأمر ليس بالكم بل بالكيف. قال الرب يسوع للناموسي الذي قام ليجربه: ما هو مكتوب في الناموس؟ كيف تقرأ؟ فالمهم ليس أن تقرأ بل كيف تقرأ؟

ثانيًا: حياة القرب

الجزء الثاني من آية موضوعنا هي: "حياة في رضاه"، أي الحياة التي في رضا الرب، في القرب منه. عندما نقترب إلى الرب يقترب إلينا. وقد أعلن ذلك يعقوب الرسول: "اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم". وأقول عن حياة القرب من الله بعض الحقائق:

1- حياة الثقة والإيمان

الله لا يرضى عن الإيمان بديلاً. تقول كلمة الله: "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه". وضع الكتاب تعريفًا للإيمان فقال: "الإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى". وبمعنى آخر مبسط: الإيمان هو "التصديق". شرح أحد خدام الرب كلمة "الإيمان" من على المنبر وكان قد أخرج من جيبه ساعة ثمينة وقال للحاضرين: إنني مستعد أن أعطي هذه الساعة لمن يطلبها مني، وظل فترة طويلة ولم يتقدم أحد. وأخيرًا، وقف أصغر الحاضرين وتقدم وطلب من الراعي أن يعطيه الساعة فأعطاه إياها. وسأله الراعي: كيف تجرأت وطلبتها مني؟ فقال: أنا واثق بكل قلبي أنك صادق وأمين وستفي بوعدك. فقال الراعي: هذا هو مدلول الإيمان الذي يرضى الله عنه... الإيمان القوي والقلبي. فإن كان إيمانك قليلاً وضعيفًا، صلِّ مع الرسل قائلاً: "يا رب زد إيماننا".

2- حياة الطاعة وعدم العصيان

ما أجمل الكلمات التي كتبها الرسول بولس بالوحي المقدس إلى المؤمنين في رومية: "لأَنَّ طَاعَتَكُمْ ذَاعَتْ إِلَى الْجَمِيعِ" وللمؤمنين في كورنثوس: "متذكرًا طاعة جميعكم". ما أعظم حياة الطاعة الكاملة لله! وجّه الرب لإبراهيم دعوة ليذهب من أرضه وعشيرته وبيت أبيه إلى الأرض التي يريه. وما كان من إبراهيم إلا الإسراع في الطاعة بكل قلبه وبدون تردد أو مناقشة، مع أن ما طلبه الرب من إبراهيم أمر صعب جدًا! طلب منه أن يأخذ ابنه وحيده الذي يحبه إسحاق ويصعده محرقة على أحد الجبال! وما كان من إبرهيم إلا الطاعة الكاملة للرب، إذ نقرأ عنه: "فبكر إبراهيم صباحًا... وأخذ اثنين من غلمانه معه وإسحاق ابنه وشقق حطبًا لمحرقة وقام وذهب إلى الموضع الذي قال له الله".

3- حياة القوة والسلطان

الذين يقبلون الرب يعطيهم الله سلطانًا. "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه". فاطمئن أيها المؤمن، لأنك عندما اقتربت إلى الله منحك قوة وسلطانًا بهما تدوس على الحيات والعقارب وكل قوات العدو، وبهذه القوة والسلطان ستسحق الشيطان تحت رجليك سريعًا. البعض يرون أن المؤمنين ضعفاء ومساكين ولكن الحقيقة ليست كذلك، لأنهم يستطيعون بالإيمان بالمسيح أن يفعلوا كل شيء. وأعلن الرسول بولس ذلك في قوله: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني". بهذا السلطان تستطيع أن تحقق الانتصارات في كل الميادين والظروف.

ثالثًا: تحويل الكرب


"عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم"، إذ تتحول الكروب وتتبدل الظروف الصعبة.

1- في المساء آلام وبكاء

أوضح الكتاب المقدس أن الأرض التي نعيشها أرض معيية مليئة بالتجارب المتنوعة. قال كاتب مزمور 66: "لأَنَّكَ جَرَّبْتَنَا يَا اَللهُ... دَخَلْنَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ، ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الْخِصْبِ". وقال أيوب: "الإنسان مولود المرأة قليل الأيام وشبعان تعبًا (لم يقل الكتاب عن الإنسان أنه شبعان إلا من التعب. فالعين لا تشبع من النظر...)"، والأذن لا تمتلئ من السمع.
إخوتي الأحباء، لا يوجد على هذه الأرض شخص لم يتجرب، فالإنسان "مولود للمشقة"، والمؤمن بلاياه كثيرة ولكن "من جميعها ينجيه الرب". لقد أوضح الرب الطريق الذي نسير فيه فقال: "في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم".

2- في الصباح أفراح وهناء

في المساء تألّم يوسف ألمًا شديدًا من إخوته عندما باعوه، ومن العبودية في بيت فوطيفار، ومن زوجة سيده الشريرة، ومن السجن مع أشر المجرمين. لكنه في الصباح صار أبًا لفرعون، ومتسلطًا على كل بيته، وسيدًا على كل أرض مصر.
وماذا أقول عن أيوب الذي كان مساءه حالك الظلام، ولا شك أنه بكى بحرقة، لكنه تعزى في الصباح بتعزية ليست بقليلة إذ رد الرب سبيه وزاد على كل ما كان له ضعفًا.
كان مساء لعازر الذي عاصر الغني دامس الظلام: تجاربه شديدة، وكان فقيرًا ليس له مكانًا يأويه. كان مطروحًا عند باب الغني جائعًا جدًا لدرجة أنه كان يشتهي أن يشبع من الفتات الساقط من مائدة الغني. كان معتل الصحة ومضروبًا بالقروح، وكانت الكلاب تأتي وتلحس قروحه. لكن ما أن أشرقت شمس الصباح حتى وجد نفسه في حضن إبراهيم يتعزى بتعزيات أبدية.

المجموعة: تموز July 2012