كانون الأول December 2012

القس رسمي إسحق وردت في العهد القديم عشرات النبوات عن ميلاد الرب يسوع المسيح؛ ولقد اخترت في هذا العدد واحدة منها وهي الواردة في نبوة إرميا 5:23-6 "هَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقًّا وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ... وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا". لقد شُبّه المسيح "بالغصن" ستة مرات في العهد القديم (إشعياء2:4؛ 1:11؛ إرميا 5:23؛ 15:33؛ زكريا 8:3؛ 12:6)، ومنها نرى المسيح الغصن في أربعة صور: الملك، والخادم، وابن الإنسان، وابن الله.


وهذه تنطبق على المسيح في الأناجيل الأربعة: تحدث متى عن المسيح الملك، ومرقس عن المسيح العبد والخادم، ولوقا عن المسيح ابن الإنسان، ويوحنا عن المسيح ابن الله. وفي النبوة التي اخترتها لهذا العدد نرى المسيح الغصن كملك، وللفائدة أذكر ثلاثة أمور:
أولاً: اكتمال الزمان؛ ثانيًا: أروع الأغصان؛ ثالثًا: وفرة السلام والأمان

 

أولاً: اكتمال الزمان "ها أيام تأتي"

مما لا شك فيه أن هذه الأيام أتت عندما اكتمل الزمان. ويؤكد الرسول بولس ذلك بقوله في رسالة غلاطية: "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ". تُرى، ماذا يقصد الوحي المقدس بعبارتَي "ها أيام تأتي" و"لما جاء ملء الزمان"؟ لا شك أنه يقصد بهما أمورًا هامة:
يقصد بهما الوقت الذي عيّنه الله الآب في سلطانه. ويقصد بهما انتهاء أزمنة التدابير الإلهية الخاصة التي مهدت الطريق أمام مجيء المسيح. ويقصد بهما أيضًا وقت تكميل المعصية وتتميم الخطايا وبذلك تكون الحاجة إلى المخلص وصلت إلى أشدها. ويعني بهما أيضًا تهيئة كل الاستعدادات لمجيء السيد المسيح. فقد تم الاستعداد اللغوي، إذ قبل مجيء المسيح صارت اللغة اليونانية هي اللغة الرئيسية للغالبية العظمى للشعوب وبذلك يمكنه توصيل رسالته بلغة يفهمها الجميع بلا استثناء. تم أيضًا الاستعداد السياسي، فكانت الحكومة الرومانية على درجة عالية من النضج السياسي الواضح في إحلال الأمن والسلام. ويقصد بهما أيضًا إتمام الاستعداد العقلي؛ فلو جاء المسيح قبل اكتمال هذا الاستعداد لما فهم معظم الساكنين على الأرض تعاليمه المقدسة. ويقصد بهما إتمام الاستعداد الديني، أي عندما وجد من يهيّئ الطريق قدام الرب يسوع وهو يوحنا المعمدان، الذي كانت رسالته: "صوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً". يوحنا الذي تنبأ عنه الوحي المقدس في العهد القديم: "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي...". إن وقت ولادة شخص الرب يسوع المسيح هو الوقت الذي فيه كانت القلوب متشوقة، والنفوس متعطشة، والعيون شاخصة إلى العلاء منتظرة مجيء المسيا.

ثانيًا: أروع الأغصان

يوجد في الكتاب المقدس أناس كثيرون شبهوا بالأغصان أذكر منهم على سبيل المثال لا على سبيل الحصر مثلين: ففي العهد القديم يقول الوحي عن يوسف: "يوسف غصن شجرة مثمرة على عين"، وفي العهد الجديد يقول عن أتباع الرب يسوع المسيح أنهم أغصان "كل غصن فيّ لا يأتي بثمر ينزعه، وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر". وإذا قارنا بين الرب يسوع كغصن والبشر الذين شُبّهوا بأغصان سنرى أن الرب يسوع له كل المجد هو أروع هذه الأغصان على الإطلاق.
نزل الملاك جبرائيل مبشّرًا العذراء الطهور مريم والتي كانت مخطوبة لرجل اسمه يوسف قائلاً: "وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا... اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ".
حقًا إنه رائع في الحبل به: وعند ميلاده اهتمت السماء بهذا الحدث العظيم وأرسلت ملائكتها إلى الأرض لتعلن بفرح واندهاش خبر ولادته وتنشد الأنشودة الرائعة "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة".
ولما انتشرت أخبار ولادته اهتزت العروش وارتعبت الملوك ارتعابًا شديدًا! حقًا، ما أعظمه وما أروعه في ميلاده!
إنه رائع وعظيم أيضًا في أسمائه التي يذكرها إشعياء النبي: "ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام". وليست هذه هي المرة الوحيدة التي يذكر فيها مركز المسيح كرئيس، لكن هناك عدة شواهد تتحدث عن المسيح الرئيس: فهو رئيس الحياة، ورئيس الايمان، ورئيس الكهنة، ورئيس العهد، ورئيس الخلاص، ورئيس الرعاة، ورئيس ملوك الأرض، ورئيس جند الرب، بالإضافة إلى قول دانيآل النبي المسيح الرئيس. ويقول أيضًا إشعياء: "وتدعو اسمه عمانوئيل"، ذلك الاسم العظيم الذي فسره الوحي المقدس في العهد الجديد تفسيرًا رائعًا وهو "الله معنا". ويقول الوحي المقدس بلسان متى البشير "وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم".
إنه رائع ليس فقط في أسمائه بل في طفولته أيضًا: حينما وصل المجوس إلى بيت لحم "ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخرّوا وسجدوا له (لاحظ القول "له" وليس لهم). ثم فتحوا كنوزهم وقدّموا له هدايا: ذهبًا ولبانًا ومرًّا". وكما هو معروف أن المجوس لا يمكن أن يسجدوا لطفل إلا إذا تأكدوا أنهم أمام طفل عظيم وعجيب!
ما أروعه صبيًا ينمو ويتقوّى بالروح ممتلئًا حكمة: وكانت نعمة الله عليه ولما بلغ عمره اثنتي عشرة سنة وُجد في الهيكل جالسًا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم "وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوهُ بُهِتُوا مِنْ فَهْمِهِ وَأَجْوِبَتِهِ".
رائع أيضًا في خدمته المتنوعة: كان يجول "يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس". وكان يدخل الهيكل والمجامع يعلم بسلطان وليس كالكتبة، وكان يذهب من مكان إلى مكان كارزًا ببشارة الملكوت حاملاً علم الرحمة والرأفة ليرفَّ به على قلوب البؤساء والمساكين والمرضى. فكم من موتى أقامهم؟ وكم من أسرى حررهم؟ وكم من مرضى شفاهم؟ وكم من برص طهرهم؟ وكم من عمي وهبهم البصر؟ لقد فعل آيات كثيرة لو دُوّنت واحدة فواحدة لا يظن أحد أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة عنها.
رائع أيضًا في تواضعه: في يوم من الأيام، قام بغسل أرجل التلاميذ؛ ذلك الأمر الذي لا يرضى أي عظيم من عظماء الأرض أن يفعله. ولكن رب المجد - تبارك اسمه - فعل ذلك بالرغم من أنه خالق كل شيء، وله الأرض وملؤها والمسكونة وكل الساكنين فيها، إلا أنه يقول عن نفسه: "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه".
رائع أيضًا في شركته مع الآب: فكان يقضي كل الليل وبعض أوقات النهار في الصلاة، حتى أنه قبل القبض عليه كان يجاهد في الصلاة "وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض".
كان رائعًا في ردوده على السائلين والمنتقدين وفي كافة معاملاته مع البشر بحسب اختلافات طبقاتهم.
وكان رائعًا في حياته الخالية من العيوب والتي شهد عنها العدو قبل الصديق.
كان رائعًا قبل الصلب، وفي أثنائه، وعند قيامته، وبعدها، وعند صعوده، وفي شفاعته، وفي مواعيده العظمى والثمينة. حقًا، إنه أروع غصن، قيل عنه في النص الذي اخترته: "وَهذَا هُوَ اسْمُهُ الَّذِي يَدْعُونَهُ بِهِ: الرَّبُّ بِرُّنَا".

ثالثًا: وفرة السلام والأمان

عندما وُلد شخص الرب يسوع امتلأت قلوب البشر بالسلام، وذلك لأنهم يعرفون النبوات التي ذُكرت عنه في العهد القديم كرئيس للسلام، ولأنهم سمعوا أنشودة الملائكة "وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". كيف لا يسعدون وقد وُلد رئيس السلام الذي "لنمو رياسته وللسلام لا نهاية". إنه هو مالك السلام ومعطيه فأصبح من حق كل واحد يؤمن به أن يقول بملء شدقيه: "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟ الرب حصن حياتي ممن أرتعب؟" بينما الذين لا يؤمنون به يقول عنهم الكتاب مرتين بلسان إشعياء أنه لا سلام لهم: الأولى، "لا سلام قال إلهي للأشرار"، والثانية "لا سلام قال الرب للأشرار". السلام الذي امتلأت به قلوبنا، وصفه وأظهر قوة مفعوله الرسول بولس قائلاً: "وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع".
مساكين أولئك الذين لا يؤمنون به لأنهم لم ولن يشعروا بالسلام الحقيقي يومًا من الأيام - إن أتباع المسيح فقط هم الذين ينعمون بالسلام ويتمتعون به لأن المسيح يقول لأتباعه والمؤمنين به: سلامًا أترك لكم سلامي أعطيكم. ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب".
أهنّئ قرائي الأعزاء الذين فتحوا قلوبهم وقبلوا الرب يسوع مخلصًا لحياتهم، وأما الذين ما زالوا للآن في خطاياهم، أقول لهم: تعالوا وارتموا في أحضان ذلك الإله المحب معترفين بخطاياكم ومؤمنين بقوة دمه على تطهيركم منها لأنه مكتوب: "ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية". وعندما تفعل ذلك سيمتلئ قلبك بالسلام.

المجموعة: كانون الأول December 2012