كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013

الأخت أدما حبيبيضدّ الحريق
Fireproof / Samuel Goldwyn Films / Christian movies / True story
"ماما، أين بابا أريد أن يغطيني في الفراش".
"إنه في عمله يا صغيرتي، فهل نسيتِ؟"
"ماما، أحب بابا كثيرًا، لهذا أود أن أتزوج به."
"لا لا يمكنك يا حبيبتي لأنه متزوج مني أنا.. لكن، حين تكبرين عليك أن تتزوجي رجلاً يحبُّكِ مثلما بابا يحبني.. اتفقنا؟!"
نامت الصغيرة ذو السنوات الخمس، وهي تحلم بساعدَيْ أبيها القويَّتيْن يرفعانها في الهواء ويلاعبانها، فارتسمت على شفتيها بسمةٌ عذبة، راحت من بعدها تغطُّ في نوم عميق.


لكن لم يكن الحال على ما يرام في منزل كالب وكاثرين منذ سنوات قبل أن تُطلَّ الصغيرةُ على هذه الدنيا. حتى إنَّ البيت الجميل، لم يعد يعكس صفاته على حياة هذين الزوجين اللَّذين راحا يبتعدان شيئًا فشيئًا عن بعضهما البعض. هو الذي يعمل أطفائيًا بدرجة Captain وهي التي تحوز على مركز مرموق في إدارة مستشفىً. وراح كلٌّ يتَّهم الآخر لعدم الانسجام القائم بينهما، ولفقدان شعلةِ الحبِّ التي كانت مضطَّرمة يوم تزوَّجا. ومع مضي السنين، ازداد الشرخُ بينهما اتساعًا، حين اكتشفت كاثرين بأنَّ كالب أضحى عبدًا لمناظر إباحية Pornography تُعرَضُ في إحدى مواقع الشبكة العنكبوتية، فحزَّ ذلك في نفسها جدًا.
ذهبت كاثرين لزيارة والديها اللَّذين يبعُدان عنها مسافة ساعة من الزمن. وهناك التقت أمَّها التي تعرَّضت إلى جلطة دماغية جعلتْها عاجزة عن النطق والمشي. فبثَّت لها أشجانها بعينين مملوءتين بالدموع. أما الأم فلم تعِ ما قالته. وشعرتْ كاثرين بثقل الحمل على والدها الذي كان يخدم أمها بكل إخلاص. وعرفتْ منه أنَّ أمها تحتاج إلى سرير خاص وكرسي متحرك يعمل على البطارية. لكن، مِن أين تستطيع توفير هذا المبلغ الكبير الذي يزيد على ثلاثة وعشرين ألف دولار؟! وهي التي تشاطر زوجها كالب في دفع أقساط البيت والسيارات؟ ودَّعت كاثرين والديها وخرجت وما أن وصلت إلى البيت حتى وجدت كالب ينتظرها. فسألها بأن تحضِّر له الطعام، ولمَّا قالت له بأنها متعبة ومرهقة، راحا يتناقشان بحدّة، وسرعان ما تطوَّر إلى مشادّة قوية. وهنا اتَّهم  كالب زوجته بعدم منحه الاحترام اللائق به كزوج. وخرج على الفور غاضبًا وتوجّه إلى نادي الألعاب الرياضية حيث التقى مايكل زميله في العمل. فباح له بما حصل. أجابه مايكل ناصحًا: "كالب، اسمعني! المرأة مثل الزهرة، إذا عرفتَ كيف تهتم بها فإنها تزدهر وتتفتَّح، وإلا فستذبل وتذوي."
لكنَّ العلاقة بين الزوجين ازدادتْ تدهورًا حتى إنَّ كالب وفي آخرِ نقاشٍ له مع كاثرين قام بوضع كلتيْ يديه على كتفيها وراح يهزُّها بقوة صارخًا: "ضغوط الحياة! أنتِ لا تعرفين شيئًا عن الضغوط التي أمرُّ بها أنا في العمل وعن الخطر الذي أتعرّض له في كل يوم حين أنقذ الناس من قلب النار." عندها راحت كاثرين تبكي وتقول: "لقد تعبت، أريد الانفصال." فردّ عليها: "تريدين الانفصال؟ فليَكُنْ." وهنا خرجت كاثرين من المنزل متوجهة إلى عملها في المستشفى، وهناك فتحت قلبها لصديقاتها وأخبرتهم عما فعل زوجها. فنصحْنَها بأنَّ زواجًا مثل هذا لا يستحق الاستمرار فيه. وفي محطة الإطفاء، رنّ جرس الإنذار منبئًا بحادث مروع لسيارتين بدأتا في الاحتراق على الطريق الرئيسية. ولمَّا هرع كالب وفريقه إلى المكان وجدوا سيارة عالقة على سكة القطار فدفعوها بسرعة وإذا بالقطار يمرُّ كالبرق آخذًا معه الخوذة من على رأس مايكل وموقعًا إيَّاه أرضًا. فسأله كالب: "ألم ينتبْك الخوف مما حصل؟" قال: "كلا، لكنني حتى ولو متُّ فأنا عالمٌ بأنني ذاهب إلى السماء."
وحين أخبر كالب والديه بأنه وكاثرين على وشك الطلاق، صُعِق الوالدان للخبر، وفورًا امتطيا السيارة وأتيا لكي يستمعا إليهما عن كثَب. وراح الأب والابن يتكلمان خارج البيت وهما يتمشيان على سفح تلة مرتفعة يعلوها صليب من خشب. وصرَّح الأب لابنه وقال: "لقد كنا أنا وأمك على وشك الطلاق أيضًا يا ابني، لكن الله تداخل في حياتنا في اللحظة الأخيرة. إن الله موجود وهو يحيط بك ودون أن تدري. كنتُ بالضبطِ  مثلك. إذ لم يكن لله أيُّ جزء في حياتي. لكن، هل هناك شيء ما تقدر أن تفعله لتنقذ زواجك يا كالب؟" "لا أبدًا يا أبتِ."  "لكن أنصحك يا ابني أن تتمهَّل لمدة أربعين يوما فقط." "لماذا يا أبي وكاثرين تبغي الطلاق؟" "اسمعني جيدًا. أريد إرسالَ شيء مهم لك في البريد. وعِدْني يا كالب أن تقوم بعمل ما سأطلبه منك في كل يوم." "إنه وعد يا أبي." قال كالب  بيأس.
أما كاثرين فراحت تجد في عِشرة أحد الأطباء الذي أظهر اهتمامه بها، حجةً للقاء معه والتكلم إليه. واستمع كالب إلى مايكل زميله وهو يذكّره بالعهود التي أخذها على نفسه يوم تزوج كاثرين. وقال له: "أنت ترمي بنفسك في النار يا كالب لتنقذ مَنْ لا تعرفهم من الموت، فهل يُعقل أن تنظر بعينيك احتراق زواجك ولا تحرّك ساكنًا؟" تركه كالب ومضى لكن  كلماته هذه بقيت ترن في أذنيه. وما هي إلا أيام قليلة حتى جاءه البريد بمغلف فيه دفتر أسود مكتوب عليه "اختبار الأربعين يومًا". وكتب والده على الصفحة الأولى منه يقول: "هذه الرحلة يا ابني هي لمدة أربعين يومًا، يجب أن تؤخذ على محمل من الجِدّ. التزمْ بها يومًا بيوم، لأنها ستغيّرُ حياتك وزواجك بالكلية."  
اليوم الأول: اضبط نفسك عن طريق حفظ  لسانك ولا تفهْ بكلمة نابية تجرح حتى ولو وقعتَ في الفخ (يعقوب 19:1). في اليوم الأول طلب كالب من  زوجته أن تأخذ ثيابه للتنظيف. "لكن، لماذا لا تأخذها أنت يوم عطلتك؟" ردَّت عليه بحدَّة. ضبط نفسه ولم يقل شيئًا. وفي اليوم الثاني قرأ: المحبة لا تعتمد فقط على المشاعر، بل اعمل عملاً يعبر عن اللطف. فأحضر لها فنجانًا من القهوة لكنها لم تشربه بحجة الوقت. وفي اليوم الثالث قرأ: ما تستثمر به وقتك ومالك يصبح محطَّ اهتمامك! لذا اشترِِ لها شيئًا تعبيرًا عن اهتمامك بها. فأرسل إليها كالب باقة من الزهور مع بطاقة وعلبة شوكولاتة. فلم تهتم بل رمت الزهور في سلة المهملات. وفي اليوم الرابع قرأ: اتصل بها واسأل عنها، فلما فعل استغربت جدًا وصدّته بقولها: "أنا لست بحاجة إليك." وفسرت صديقاتها موقفه بأنه يريد أخذ كلِّ شيء. وعندما فاتحته بالموضوع قال: "أنتِ مخطئة جدًا يا كاثرين، أنا أحاول جاهدًا أن أسترجع ما كان بيننا من احترام ومحبة، أما أنت فتردّين علي بالعكس." فصاحت في وجهه قائلة: "إنَّ ما تشاهده على الانترنيت ليس فيه أيُّ اعتبار لي. أتظنني غبية؟ لسوف أجتمع مع المحامي غدًا ولن تقدر على خداعي أبدًا، فلك حصتك ولي حصتي."  وما كادت تنتهي من كلامها حتى اتصل بوالده ليخبره بأنَّ كل ما عمله ذهب في مهب الريح. "تذكر يا ابني أن هذا الاختبار هو لمدة أربعين يومًا. لذا تابع سيرك فأنا لم أعهدك قطُّ تهرب من التحديات. أحبُّك يا ابني." قال الأب وهو يغلق سماعة التليفون، وراح مع الأم يصلّيان بحرارة لخلاص نفس ابنهما. وبعد أن أتى اليوم الثامن عشر، قرأ كالب ما قاله والده: درِّب نفسك على معرفتها من جديد، ماذا تحب؟ ماذا تكره؟ حضّر لها عشاء على ضوء الشموع. لكن حين دخلت كاثرين البيت ورأت البيت نظيفًا والطعام مجهزًا سألت: ماذا يحصل؟ قال لها: "أودّ أن أتناول العشاء معك يا زوجتي." رفضت قائلة: "يبدو أنك لم تفهم بعد يا كالب، فأنا لم أعد أحبك." وراحت إلى غرفتها وهي تجهش بالبكاء. فاتصل بوالده ليخبره بما حصل: "إن ثاني قسم من الاختبار هو الأصعب لأن فيه ستختبر دوافعك يا ابني."  قال الأب: "أية دوافع يا أبي، فكاثرين تتحضَّر إلى معركة طلاق شرسة." لم ينمِ الأب في تلك الليلة ومع انبلاجِ الصبح التقى ابنه ثانية في مكانهما المعتاد وقال: "إنك بحاجة إلى أكثر من ذلك يا ابني." "هل تعني يسوع؟ لا، لست بحاجة إلى عكاز أتعكّز عليه." "كلا يا ابني، إنَّ يسوع ليس بعكاز لأنني عندما علمتُ مَن هو ومن أنا أدركت أنني بحاجة إلى خلاصه." "لماذا أنا محتاج إليه؟ فأنا رجل شهم أنقذ الناس من الموت؟" "لكن هل أحببت الله الذي منحك الحياة؟ إنَّ مقياسه رفيع، خذ الشهوة مثلاً إنها تجعل الإنسان زانيًا! ثم، لماذا أنت منزعج من كاثرين؟" أجاب كالب بحدة: "لأنها عنيدة وغير مقدّرة لكلَّ ما أفعله لأجلها." "لكن، أليس هذا ما نفعله نحن يا ابني إذ يعاملنا الله بالمحبة ونحن نرفض. لن تستطيع أن تمنحها المحبة ما لم تختبر أنت محبة الله في حياتك. لقد غيَّر الرب يسوع حياتي فبدأت أحبُّ أمك. ألا تشعر يا ابني أنك بحاجة إليه؟ إلى غفرانه؟!" عندها ركع الأطفائي المعتزّ بنفسه أمام الصليب وصلَّى بانكسار فقام إنسانًا جديدًا. وفي اليوم التالي أعلم زميله مايكل بإيمانه. ومرة أخرى رنَّ جرس الإنذار منبئًا عن اشتعال حريق في مبنى سكني في المدينة، فهرع كالب وفريقه إلى مكان الحادث، حيث أنقذ كالب فتاة صغيرة معرّضًا نفسه للخطر. وعندما أُسعف في المشفى، التقى والطبيب صاحب كاثرين زوجته، فضمَّد له جروحه وأبى أن ينزِعَ خاتم الزواج من إصبعه على عكس نصيحة الطبيب. أما كاثرين فازدرتْ به معلّقةً: "منظرك مقرفٌ جدًا."  
وبينما هو يتعافى في البيت، أخذ قرارًا حاسمًا وانتصر على إدمانه بقوة الله وبشكل نهائي. وفي اليوم الثالث والعشرين قرأ في دفتر أبيه: "انتبه يا ابني إلى أي شيء يمكن أن يمتصّ عنصر الحياة من زواجك، كالإدمان على المخدر أو المناظر الإباحية. تخلَّص منها فورًا قبل أن تقضي عليك. وحين عادت كاثرين من عملها، وجدت الكمبيوتر مرميًّا في سلة النفايات لكنها لم تكترث، بل تركت له أوراق الطلاق لكي يوقِّعها.
في تلك الأثناء علمت كاثرين بأنَّ والدتها حصلت على السرير الخاص والكرسي المتحرك وظنت أن صديقها الطبيب هو الذي دفع ثمنهما. خاصة أنه قَبِل شكرَها. أما كالب فحين علم بإعجاب الطبيب بزوجته، جُنَّ جنونه، فركض إلى المشفى حيث ذكّره بأن كاثرين هي زوجته، وحذَّره بأنه لا يحقُّ له بأن يسرقَها منه. وهكذا تابع كالب طريقه الصعب، وصار يقرأ كلمة الله المرشِدة له. وثابر في نفس الوقت على أعماله في البيت. ولاحظ في اليوم التالي أنَّ كاثرين لم تذهب إلى عملها. ولمَّا علم أنَّها متوعكة الصحة جلَب لها الدواء وأحضر لها الطعام. "لماذا تفعل كل هذا؟" سألته . قال لها: "تعلمت أن لا أترك شريكي في الحريق.  نصحني أبي أن أقوم باختبار ولمدة أربعين يومًا، وأعطاني دفترًا أسود مكتوبًا عليه ما يجب عليَّ عمله في كل يوم." عندها أخرجت كاثرين الدفتر من تحت الوسادة، وقالت له :"هل هذا هو؟ لقد وجدته البارحة صُدفة. وفي أي يوم أنتَ الآن يا كالب؟" "اليوم الثالث والأربعين." لكنه لمدة أربعين يوماً فقط." "ومن قال عليَّ أن أتوقَّف؟!" "لا، هذا ليس طبيعيًا!" قال لها والدموع تملأ مآقيه: "هذا هو الطبيعي الجديد بالنسبة لحياتي الآن يا كاثرين. لم أكن أقدر على ذلك لو لم أختبر محبة الله لي شخصيًا." "لكن، كيف لي أن أثق بك من جديد؟" "سامحيني يا حبيبتي فلقد كنت أنانيًا جدًا. لقد أحببت أشياء أخرى بينما كان علي أن أحبك أنتِ. سامحيني! أنا لا أريد أن أعيش من دونك." "امنحني بعضَ الوقت لأفكر!" "خذي كل الوقت الذي أنتِ بحاجة إليه."
وفي اليوم التالي ذهبت كاثرين إلى مديرة المركز للآليات في المشفى وقالت لها: "إن شراشف السرير هي الشيء الوحيد الذي لم يدفعه الطبيب. قالت لها الموظفة: "إن كل ما دفعه الطبيب هو ثلاثمئة دولارًا فقط، لكنَّ زوجك كالب هو الذي دفع  ثلاثة وعشرين ألف دولار." فوجئت كاثرين بكلامها، فهرعت إلى محطة الإطفاء لرؤية كالب في الحال. لكنه لما رآها تسمَّر في مكانه. إذ سمعها تقول باكيةً: "إذا لم أقلْ لك بعدُ بأنك رجل شهم فأنتَ كذلك، وإذا لم أقل بأنني سامحتك، فأنا فعلت، وإذا لم أقل بأنني أحبك، فأنا فعلاً أحبك. شيء تغيَّر فيكَ يا كالب، وأنا أبحث عن الشيء نفسه. جئت لأقول: عدْ إليَّ حتى نكبرَ معًا." ركض إليها واحتضنها باكيًا، وبعد ذلك أخذها إلى التلة حيث الصليب، وهناك صلّت كاثرين وسلَّمت حياتها للرب يسوع. وفي اليوم التالي، حين التقى الأب ابنه باح له بالسر قائلاً: "هذا الاختبار لمدة أربعين يومًا، لم يحصل معي أنا، بل مع أمك. وقمت أنا بتدوين بنوده لك لكي تقبل أن تؤديها. فأنا من أردت الانفصال عن أمك. لكن أمك اختبرتْ محبة الله فراحت تحبني أنا من دون شروط."
هرول كالب مسرعًا إلى البيت وعانق والدته وقال: "الآن علمت كم تألمتِ. آه كم أحبكِ يا أمي." وهناك إلى جانب الصليب، وبعد أيام فقط، أعاد كالب وكاثرين تعهدات الزواج من جديد أمام شلِّة من الأصدقاء، مؤكِّدين التزامَهما كلٍّ للآخر. نعم، لقد ربح كالب قلبَ كاثرين منقذًا بذلك زواجه من الحريق.

 

المجموعة: كانون الثاني - شباط Jan-Feb 2013